القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

خالد مشعل: ليس مقبولا اتهام غزة بأنها تهدد أمن سيناء

خالد مشعلليس مقبولا اتهام غزة بأنها تهدد أمن سيناء

في ما يلي الحلقة الثانية من الحوار الذي أجراه رئيس التحرير جابر الحرمي مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ونشرته صحيفة الشرق القطرية.

وهنا تكملة الحوار:

إعمار بلا استثناءات

 فيما يخص مؤتمر إعادة إعمار غزة، أعلنتم تحفظكم على الآليات المنفذة لما تم الإعلان عنه في مؤتمر القاهرة، ما هي مبررات رفضكم؛ وخاصة أنكم في حاجة لإعادة الإعمار؟

 الغاية المطلوبة هي إعمار البيوت والأحياء السكنية، وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرها العدوان الإسرائيلي، وإيواء أبناء شعبنا الأعزاء الذين دفعوا ثمناً غالياً؛ من هدم بيوتهم ومصالحهم، وأي شيء يعيق ذلك أو يعطله مرفوض، ومن هنا تحفظنا على الآليات التي جرى إعلانها بشأن إعادة الإعمار، ورفضنا كل آلية أو تعقيد أو قيود تؤدي عملياً إلى تحويل الإعمار إلى عملية بطيئة، وغير مجدية ولا تتناسب وحاجات شعبنا الكبيرة في هذا المجال، كما أننا نرفض أي إقحام للعدو الإسرائيلي (المسؤول عن كل هذا الدمار) ليتحكم في عملية الإعمار وآلياته، ونرفض اي انتقاء أو تمييز يحرم أحداً من شعبنا من حقه في إعادة بناء ما دمره الاحتلال والعدوان، فهذا الحق هو لجميع أبناء شعبنا دون استثناء.

 هل أنتم مؤملون كثيرا في مؤتمر إعادة الإعمار وما تلاه من تبرعات أن تصلكم في غزة؟

 مؤتمر إعادة الإعمار الذي انعقد مؤخراً في القاهرة هو في النهاية مسؤولية المجتمع الدولي، لأن ما جرى في غزة جريمة بشعة ضد الإنسانية ومحرقة ارتكبتها إسرائيل بحق شعبنا،

وكما أن على العدو مسؤولية تجاه ما ارتكب من جرائم، كذلك على المجتمع الدولي مسؤولية أيضا من ناحية الإعمار والإيواء وسرعة إنهاء الحصار. ونحن هنا لا نستجديهم بل نطالبهم بتحمل مسؤولياتهم السياسية والأخلاقية تجاه شعبنا المعتدى عليه، وتصويب بعض خطاياهم بحقه، وهم الذين وقفوا عاجزين عن وقف آلة الفتك والتدمير الإسرائيلية طوال واحد وخمسين يوماً، بل كانت بعض الدول الكبرى تمد العدوان بالمزيد من الذخائر وأدوات القتل والتدمير!!

أما نحن من طرفنا فلن ندخر وسعاً وبكل ما نملك من أجل أن نعيد إعمار غزة،

ولأن هذا الأمر مسؤولية الجميع، فإني أدعو ومن خلال جريدتكم الغراء جميع الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية، الرسمية منها وغير الرسمية، بما فيها الهيئات والجمعيات والمنظمات الإقليمية والدولية، إلى المبادرة العاجلة كل من موقعه وبما يستطيع لإنجاز إعادة الإعمار بأسرع ما يمكن، وسرعة مداواة جراح غزة وآلامها فهذا حقها علينا جميعاً.

 لكن ما هي الآلية التي تقبلونها والتي ترفضونها في مسألة إعادة الإعمار وخاصة انها خطة الأمم المتحدة في نهاية المطاف؟

 على المجتمع الدولي أن يعلم إن الإعمار ليس مطلبا حزبياً أو فئوياً في قطاع غزة، لأن الذين دمرت بيوتهم هم أبناء الشعب الفلسطيني بمختلف ميولهم وتنوعهم، فالمطلوب بالتالي هو إعادة الإعمار لجميع الناس المتضررين بصرف النظر عن انتماءاتهم، ونحن نرحب بكل جهد جاد يحقق هذه الغاية.

 ربما يكون الوضع في سيناء الآن مقلقا فكيف تقرأون الوضع في سيناء الآن؟

 الحوادث المؤسفة في سيناء ليست جديدة، فهي تجري للأسف منذ سنوات، ونحن يؤلمنا ذلك كما تؤلمنا أي حوادث أخرى في هذا البلد أو ذاك، فالدم المصري عزيز علينا، وكذلك الدم العربي والمسلم والدم الإنساني، ولكن في ذات الوقت هذا شأن مصري داخلي لا نتدخل فيه.

 لكن قد وجهت لكم اتهامات أن ما يحدث في سيناء من تهريب أسلحة واستهداف جنود مصريين تتورط فيه حماس؟

 هذا اتهام باطل لا أصل له، وهو يلقى على عواهنه وبلا دليل ضمن سياقات نحن نعرفها منذ فترة، وهذا ظلم لحماس ولأهل غزة، فليس مقبولا ولا منطقياً اتهام منطقة صغيرة كقطاع غزة مساحتها لا تزيد على 360 كيلو متر مربع وتعاني منذ سنوات من الحصار والتجويع والإغلاق والعدوان وتعرضت لثلاث حروب خلال أقل من ست سنوات، أنها تهدد أمن سيناء التي مساحتها أضعاف مساحة فلسطين، وأن كل ما يحصل في سيناء من حوادث تُحمل غزة مسؤوليتها. ومن هنا فإني أدعو المسؤولين في مصر الشقيقة أن يوقفوا هذه الاتهامات ضد غزة وضد حماس، وإن كان لديهم معلومات محددة أو أدلة فنحن مستعدون للتعاون في التدقيق والتحقيق، لكن لا يصح تحميل قطاع غزة أو حماس مسؤولية حوادث لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد. وانا أقول هذا بشكل جازم وقاطع، وقد سبق أن ابلغنا الإخوة في مصر في حوادث ماضية عن استعدادنا للتحقيق المشترك في مثل هذه القضايا، وهذا دليل جديتنا أولا، وبراءتنا ثانيا، وحرصنا على الأمن القومي المصري ثالثا، وما زالنا نؤكد علي ذلك، وانا علي يقين أن بعض المسؤولين في مصر يعلمون في قرارة أنفسهم أن حركة حماس بريئة من تلك الاتهامات، فقد سبق أن ساعدتهم الحركة عندما طلبوا منها ذلك لصالح الأمن القومي المصري، والمخابرات المصرية تشهد على ذلك، وكذلك بعض المسؤولين في القوات المسلحة الذين يشهدون على تعاوننا معهم في هذا المجال، بل إن بعضهم رفع توصيات إلى قيادتهم بضرورة التنسيق وتوثيق العلاقة مع حماس بما يخدم الأمن القومي المصري.

 هل تقصد بهذا فترة الرئيس مرسي؟

 نحن تعاونا مع المسؤولين في مصر في جميع الفترات، فترة الرئيس مبارك، وفي فترة المجلس العسكري، وكذلك في فترة الرئيس مرسي، ولم نقصر في أي مرحلة من المراحل.

 وهل انقطعت العلاقة بعد الرئيس مرسي؟

 لم تنقطع، بقيت بعض الاتصالات المحدودة.

ما يجري له وجهان

 لكن ما يحدث في سيناء سواء من عمل منطقة عازلة أو هدم الأنفاق كل ذلك سيجعل الخارطة ستتغير بالنسبة لأهل غزة...أليس كذلك؟

 ما يجري له وجهان، وجه يتعلق بالشأن المصري الداخلي وهذا شأن لا نتدخل فيه، ووجه آخر يتعلق بقطاع غزة ويؤثر عليه سلباً ونرى أنه ليس مقبولاً لأنه ليس من الأُخوّة والمسؤولية القومية أن يؤدي أي عمل أو إجراء بجوار غزة إلى مزيد من مفاقمة أوضاع شعبنا فيها ويزيد من حالة الحصار والمعاناة. من حق أي دولة أن تحفظ أمنها بما يلزم ولكن ما يعنينا هنا ألا يؤدي ذلك إلى مزيد من معاناة شعبنا في الوقت الذي آن الأوان أن ينتهي حصار غزة تماما. ونأمل في هذا السياق سرعة المبادرة إلى فتح معبر رفح بين الجانبين المصري والفلسطيني كأي معبر دولي بين بلدين جارين، فكيف بين جارين شقيقين أحدهما ما زال تحت الاحتلال ومعبر رفح هو منفذه الوحيد إلى العالم.

 وما هو وضع المعبر حاليا؟

 الآن هو مغلق منذ حوادث سيناء الأخيرة، وكان قبل ذلك يفتح لفترات قصيرة لا تلبي حاجات أهلنا في غزة، ولذلك ندعو من جديد إلى فتحه بصورة طبيعية ودائمة.

جذور فكرية مع الإخوان

 هل تتحملون أنتم كحماس جزءا من فاتورة الأزمة بين النظام المصري وجماعة الإخوان بحكم علاقتكم التاريخية بالجماعة وخاصة ما يحدث في سيناء؟

 لا يصح أن نعاقب كحماس أو كفلسطينيين تحت أي عنوان أو تفسير. نحن حركة تحرر وطني لدينا معركة وحيدة مع الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فالأصل أن يتم دعمنا من كل دول أمتنا، وأن نعان في مواجهة الاحتلال وليس غير ذلك. نعم لدينا جذور فكرية وتاريخية مشتركة مع الاخوان، لكننا حركة ذات تنظيم مستقل وتحصر عملها في ساحتها الفلسطينية في إطار قضيتنا عبر مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وعدوانه،

ولا نتدخل ولا نتداخل في شؤون الإخوان في مصر ولا في أي بلد آخر، ومن هنا ليس مقبولاً أن يعكس أي طرف في الأمة خلافه في بلده مع الإخوان أو غيرهم على موقفه من حماس والشعب الفلسطيني. من حق الآخرين أن يختلفوا معنا، فنحن وإياهم بشر، ولكن ليس من حق أحد من أمتنا أن يعتبرنا عدواً له ويعلن عداءه لنا بلا ذنب اقترفناه. نحن حركة مقاومة تدافع عن شعبها وتمثل أمتها في مقاومة المشروع الصهيوني الذي يهددنا جميعاً. نحن لسنا عبئاً على أمتنا بل رافعة لها وسند لأمنها ومصالحها في مواجهة العدو المشترك، وتدرك كل شعوب أمتنا أن المقاومة الفلسطينية كما ظهر في العدوان الأخير على غزة هي فخر وعز لكل عربي ومسلم.

تهمة غريبة

 لكن الرئيس مرسي متهم بالتخابر معكم وبالتالي أنتم بطريقة مباشرة تعتبرون بالنسبة لمصر عدواً؟

 الحركة ردت على ذلك في حينه، وإذا كانت علاقتنا بالزعماء والرؤساء والمسؤولين في الدول المختلفة ستجعلهم يتهمون بالتخابر معنا فإن كثيراً من زعماء الأمة ومسؤوليها سيصبحون إذا متهمين بهذه التهمة الغريبة!!

اتفاق التهدئة

 عندما ذهبتم لتوقيع الاتفاق في مصر هل كنتم تتوقعون أنه سينفذ أم أن الأمر مجرد هدنة وتسويف من الجانب الإسرائيلي؟

 في عام 2005 توافقت حماس والقوي الفلسطينية على التهدئة لمدة عام تقريباً برعاية مصرية، وبعد ذلك كان الأشقاء في مصر هم رعاة جميع التهدئات من هذا النوع مقابل التزامات من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وفي عام 2012 جرى اتفاق وكذلك في عام 2014، فالعدو كان يضطر إلى التوقيع على اتفاقات تهدئة في ظل صمود المقاومة الفلسطينية، يلتزم ببعضها وينقض بعضها الآخر، وهذا سجال بيننا وبين العدو، لكننا لا نراهن عليه، وإنما نعتمد بعد الله تعالى على قدرتنا على الصمود واستنزاف الاحتلال والضغط المتواصل عليه حتى ينهي حصاره وعدوانه على غزة، ويخضع لمطالبنا وحقوقنا وعلى رأسها إنهاء احتلاله لأرضنا وقدسنا ومقدساتنا.

 لكن النظام المصري الحالي اختلف عن الأنظمة الأخرى السابقة وهناك من يرى ان علاقتكم مع مصر خسرت كثيرا وان مصر تحاصركم ولا تدينونها ولا تعترضون على ذلك؟

 قواعد التعامل والمواجهة مع العدو المحتل شيء، وكيف ندير علاقاتنا مع الدول العربية والإسلامية شيء آخر، وبالتالي فإن مثل هذه المقولات لا تستفزنا لتغيير سياساتنا وحساباتنا. نحن كقيادات فلسطينية لدينا أعرافنا وسياساتنا ومعادلاتنا في إدارة مواقفنا وعلاقاتنا مع الدول العربية والإسلامية اتفقنا معها أو اختلفنا، فهذه أمتنا نتعامل معها بقدر عال من المسؤولية ومن الحرص على وحدة الموقف العربي والإسلامي وعدم فتح أي معارك جانبية، وحتى لو قسى علينا البعض فإننا نتحمل ذلك من أجل مصلحة شعبنا وقضيتنا ومن أجل مصلحة الأمة، أما في مواجهة العدو الإسرائيلي ومقاومة احتلاله فالعالم يعرف شجاعتنا وصلابتنا.

 ماذا سيكون مصير الاتفاق إذا لم تعقد جولات أخرى من التفاوض هل ستظلون متمسكين بما حدث في الاجتماع الأول أم سوف يكون لكم رأي آخر وسوف تكونون في حل مما حدث في أول اجتماع؟

 سنسير في كل المسارات التي من شأنها تحقيق المطالب الفلسطينية، من خلال متابعة جولات التفاوض غير المباشرة، وهذه ليست مسؤوليتنا وحدنا بل هي مسؤولية وطنية مشتركة خاصة في ظل وجود حكومة وفاق وطني، وكذلك من خلال الخيارات والوسائل الأخرى فالمعركة مع الاحتلال مفتوحة في كل أرضنا الفلسطينية.

 هل يمكن أن تتخذوا خطوة من طرف واحد في موضوع الميناء أو المطار أو خطوات أخرى من جانب حماس؟

 حماس جزء من الحالة الفلسطينية وهي حريصة على إنجاز مصالح شعبها وحقوقه من خلال موقف وجهد فلسطيني موحد.

 لكن إذا لم تمض حكومة الوفاق الوطني في فتح المعابر ورفع الحصار وحماس هي التي أدارت المعركة مع العدو ماذا سيكون موقفها؟

 لا شك أن حكومة الوفاق الوطني عليها مسؤولية كبيرة ببذل أقصى جهودها من أجل فتح المعابر وإنهاء الحصار على غزة وسرعة إنجاز الإيواء والإعمار وانتزاع الميناء والمطار، وذلك بحكم مسؤوليتها عن الضفة والقطاع على حد سواء. ومطلوب منها اليوم الإسراع في إنجاز ذلك خاصة بشأن إعادة الإعمار وتحمل مسؤولياتها تجاه كل قطاعات شعبنا وشرائحه. من طرفنا فكما كنا حريصين على العمل بروح الشراكة والتعاون مع الإخوة في حركة فتح وبقية شركاء الوطن في تنفيذ خطوات وملفات المصالحة، فإننا حريصون كذلك على التحرك معاً وبخطوات مشتركة من أجل تحقيق مطالب شعبنا ومصالحه وحقوقه، والتصرف بمسؤولية في مواجهة العقبات، لكن على الجميع أن يتحمل مسؤولياته ويقوم بواجباته، كما أننا ندعو الأشقاء في مصر إلى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي ليفي بالتزاماته بحكم موقعهم كوسيط وراع.

نحن شعب واحد

 لكن الراعي المصري يصنف الفلسطينيين بل ويصنف جماعة حماس أيضا فهناك وجوه من حماس مقبولة وهناك وجوه من حماس مرفوضة؟

 بصرف النظر عن قناعات وآراء الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية بتفاصيل القوى والمكونات الفلسطينية، فإن مسؤوليتهم تبقى قائمة تجاه الفلسطينيين جميعاُ كشعب واحد يتعرض للاحتلال والعدوان منذ عقود طويلة. وبصرف النظر عن قناعات أي طرف عربي أو غير عربي بحماس كحركة، وتصنيفه لها أو لقيادتها فإن أصول التعامل بين الأطراف السياسية لا تتغير وهي التعامل مع القيادة الرسمية والعناوين المعتمدة لكل طرف، ومن هنا فكما أننا لا نتدخل في شؤون الآخرين فإننا لا نقبل أن يتدخل في شؤوننا الداخلية أحد.

 لكن إلى الآن لم ينفذ أي شيء من الاتفاق؟

 قلت إن هذا جزء من التحدي الفلسطيني، ومواجهته تتطلب جهداً مشتركاً من الجميع.

 لكن بعد حادث تفجير رفح الأخير يقال إن قطاع غزة مقبل على حصار بضراوة أكبر مما كان؟

 الحصار المتواصل منذ ثماني سنوات لم يكسرنا في الماضي ولن يكسرنا اليوم ولا في المستقبل بإذن الله. هذا الحصار لابد أن ينتهي، ومسؤولية أشقائنا العرب وخاصة في مصر أن يساعدونا على إنهائه، وعلى مواجهة ضغوط الاحتلال وتهديداته واعتداءاته، وشعبنا الفلسطيني العظيم سوف يتغلب على هذا الحصار بإذن الله.

 هل أنت متفائل من أنّ الاتفاق الذي تمّ التوقيع عليه سيُنفذ، أو بمعنى آخر، هل أنت متفائل من أنّ الحصار سيُرفع عن القطاع؟

 أنا لا أتعامل مع هذا الحق وهذا الموضوع الحيوي بمنطق التفاؤل أو التشاؤم، لأنّني لست مُتفرّجاً يُراهن على تطورات الأحداث أو نوايا الآخرين. أنا قائد فلسطيني وأتحمل مع إخواني القادة في الساحة الفلسطينية مسؤوليتنا المشتركة في انتزاع حقوق شعبنا، وأن نخلصه من الاحتلال، ونحقّق له الحرية والتحرر والاستقلال الحقيقي، ونرفع عنه الحصار وننهي معاناته، ونتغلّب بإذن الله على كلّ العوائق التي تعترضنا في الطريق.

تعاون إسرائيلي - مصري

 «يديعوت أحرونوت» تحدّثت عن أنّ القوات الإسرائيلية تشارك القوات المصرية في تمشيط الشريط الحدودي وتشنّ عمليات ضدّ عناصر من المقاومة في غزّة، وأنّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تُقدّم دعماً معلوماتياً ولوجستياً للجيش المصري، وأنّها قد تتدخّل بشكلٍ مباشر لتنفيذ عمليات إذا تطلّب الأمر.. هل تعتبرون ذلك نقضاً لاتفاق التهدئة؟

 نحن لا نستقي الحقائق من الإعلام الإسرائيلي حتى ولو كان هناك بعض التشويش، المسؤولون في مصر هم المعنيون بتوضيح ذلك. وأعود للميزان الأساسي: لدينا عدو، وهو العدو الصهيوني؛ ولدينا قواعد وسياسات معروفة في مواجهته ومواجهة سياساته وعدوانه، أمّا بشأن علاقتنا مع مصر والدول الأخرى فتحكمها قواعد وسياسات أخرى في مساحات الاتفاق أو الاختلاف.

 بالنسبة لموضوع إدارة علاقاتكم مع الدول العربية، بعد عدوان غزة هناك أطراف ودول عربية أصبحت تُصنّفكم ولا تريد أن تلتقي معكم.. هل ضاقت الدائرة على «حماس» وعلاقاتها في العالم العربي بعد العدوان الأخير؟

 المنطقة اليوم تشهد حالة حادة ومعقدة من الاضطراب والسيولة والتشابك، وتشهد مخاضاً صعباً في العلاقات العربية - العربية، وخاصة في ظل أزمات وملفات مفتوحة في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها من الدول العربية، وهناك - للأسف — قدر ليس بالقليل من الخلافات وتباين الأجندات العربية وتقاطعها مع المؤثرات الإقليمية والدولية الأخرى. وبحكم أن حماس كحركة فلسطينية جزء من هذا الواقع العربي وفى قلبه فإنها بلا شك تتأثر به سلبا وإيجابا. نعم، تضررت وتأثرت علاقات حماس بهذا الواقع المضطرب، وفى ظاهر الصورة تبدو مساحة علاقات حماس متقلّصة في ظل ذلك، ولكنني أقول بكلّ ثقة: مازالت خياراتنا في العلاقات العربية والإسلامية جيدة، بعضها ظاهر للعيان وبعضها لا نتحدّث عنه وليس معلنا، نحن لدينا طاقة صبر كبيرة ونفس طويل في التعامل مع أمتنا ومراعاة ظروف دولها وساحاتها، ونقبل منهم القدر الذى يتناسب مع أوضاعهم، لكنّ حماس تثق في نفسها وتتوكل على ربها، وتثق بأنّها ما زالت موضع اهتمام الأمة ودعمها الظاهر وغير الظاهر، المعلن وغير المعلن، الرسمي والشعبي، حتى وان بدت الصورة خلافَ ذلك، والعدوان الأخير على غزة وما قدمته المقاومة الفلسطينية من أداء عظيم بقيادة الحركة وذراعها العسكري (كتائب القسام) دلّ على مكانة الحركة في ضمير الأمة وعقلها، وعند شعوبها وحتى عند مستويات رسمية مختلفة.

ظرف معقد

 لكنّ تنقّلات خالد مشعل باتت بالتأكيد محدودة فى العواصم العربية، أليس كذلك؟

 هذا صحيح، ولكنّ هذا متأثر بطبيعة الظرف الراهن المعقد والمتشابك كما قلنا، وناتج كذلك عن تقديرنا في قيادة الحركة لظروف هذه الدول وعدم رغبتنا في إحراجهم، أما الأطراف التي تتخذ منا موقفا سلبيا — دون مبرر بالطبع — فهي محدودة في الحقيقة. ومن هنا وفى ظل هذه الظروف الصعبة فإننا في قيادة الحركة نركز على مضمون العلاقات وجوهرها وضمان استمرارية التواصل والتشاور والدعم بأشكاله المختلفة، أكثر من التركيز على الصورة الظاهرة التي ربما يكون عبئها كبيرا في ظلّ هذا الاضطراب المستمر وتعقيدات السياسة العربية؛ فنحن بالنتيجة «نريد العنب لا مقاتلة الناطور».

 ولكنّ التحالفات فى المنطقة الإسرائيلية — الأمريكية التى تعتبر «حماس» تنظيما إرهابيا، مع دول عربية تضع حماس على قائمة «الإرهاب»؟

 لا، ليس هناك في الساحة العربية من يضع حماس على قائمة الإرهاب. قد يكون للبعض موقف سلبي من حماس والبعض يهاجمها دون مبرر، لكن لم يضع أحد منهم حماس على قائمة الإرهاب. والعرب يدركون في صميم أنفسهم أنّ حماس حركة مقاومة، وهم يتشرّفون بأنّها دافعت عن كرامتهم ورفعت رأس كل عربي ومسلم وفلسطيني خاصة في الحرب الإسرائيلية العدوانية الأخيرة على غزة، تماما كما تتشرّف حماس في ذات الوقت بانتمائها لأمتها وبهذا العمق العربي الإسلامي حتى مع معرفتها بعلله وإشكالاته الكثيرة اليوم. نعم، حاول نتانياهو مرارا أن يتماهى مع المزاج الغربي والأمريكي في التحريض على حماس في ظلّ حربهم على الإرهاب هذه الأيام، لكن حتى الإدارة الأمريكية ودول غربية أخرى مع أنّها تضع حماس على قائمة الإرهاب ولها سياساتها المنحازة المعروفة، إلا أنّها لم تتماه مع تحريض نتانياهو الأخير، بل إن الأمريكان أنفسهم قاموا عمليا بمفاوضة حماس خلال الحرب الأخيرة ولكن بطريقة غير مباشرة عن طريق أطراف أخرى. حماس لاعب أساسي — أحبَّها البعض أم كرهها، اتفق معها أم لم يتّفق — وهي حركة فلسطينية وطنية، بل هي قوة المقاومة الرئيسة في الساحة الفلسطينية، وهي علاوة على ذلك جزء أساس من الشرعية الفلسطينية ومن النظام السياسي الفلسطيني، والعرب في مجملهم يدركون هذا رغم كلّ التحريض الإسرائيلي والانحياز الأمريكي، ورغم وجود أهواء عند البعض لا علاقة لها بالحقائق الموضوعية ولا تصب في مصلحة دولنا وشعوبنا.

حقيقة الصورة غير ظاهرها

 لكنّ أصدقاء «حماس» اليوم هم: قطر فى العالم العربي، وتركيا في العالم الإسلامي أو دوليا، في حين أنّ ليس هناك قوى أخرى تقف مع حماس بالمعلن على الأقل؟

 إن حقيقة الصورة غير ظاهرها كما قلت من قبل ولا أحتاج إلى التفصيل في ذلك والحديث عن أسماء دول بعينها. ومن ناحية أخرى فان حماس في الوجدان العربي والإسلامي بل الإنساني باتت حالة مشرّفة في تقديم قدرة استثنائية — رغم اختلال ميزان القوة — على مواجهة عدو شرس يملك أقوى جيش في المنطقة وفى الصمود والتصدي لعدوانه كما جرى في الحرب الأخيرة. اليوم، حماس ذات مكانة متميزة ومتقدمة عند كل منصف عربي ومسلم وعند كثيرين من شعوب العالم، وهو أمر لا يحتاج إلى صعوبة في إدراكه. حماس نموذج يختلف عن أية نماذج أخرى يحاول نتانياهو أو غيره أن يخلطها به. فهي أولا حركة مقاومة تمتاز بالقوة والصلابة والشجاعة والقدرة المبدعة على المواجهة والتصدي للعدوان؛ وثانيا، هي ذات فكر وسطى معتدل بعيد عن التشدد والانحراف، وثالثا أنها حركة ذات عقل سياسي منفتح على محيطها الفلسطيني والعربي والإسلامي والإقليمي والدولي. حماس تشكّل نموذجا متميزا من هذا الطراز بفضل الله، وقد ترسخ هذا النموذج نظريا وعمليا، وبالقول والفعل، وعلى مدى سنوات طويلة. وهذا لا يعنى أننا بلا أخطاء ولا توجد لدينا نقاط ضعف، فنحن بشر، لكننا نتعلم من أخطائنا ونسعى جاهدين لمعالجة الثغرات ونقاط الضعف والتغلب على العقبات بإذن الله.

 نطرح السؤال بطريقة أخرى: الإخوان المسلمين في عدد من الدول العربية هم اليوم «تنظيم إرهابي «، وأنتم — شئتم أم أبيتم — الابن الشرعي لهذا التنظيم، وموجودون على قوائم التنظيمات الإرهابية حتّى وان لم يعلن لكم ذلك؟

 أولا: حتى أن حَسَبها أحد بهذا الحساب «الرياضي» أو «الهندسي»، فانه استنتاج خاطئ، لأن حماس وان كان لها جذور فكرية وتاريخية مع الإخوان فإنها حركة مستقلة وغير متداخلة مع أحد، وهي حركة تحرّر وطني لديها معركة مع الاحتلال، وتحصر عملها في الساحة الفلسطينية وفى القضيّة الفلسطينية. وثانيا: فانه لم يعلن أحد من الدول العربية أنّ حماس حركة إرهابية، وبالتالي لا داعي ولا مبرر لمثل هذا الاستنتاج الخاطئ، أما أن كان ثمة مواقف مستبطنة عند البعض تجاهنا فلا يلزمنا ذلك بالتعليق عليها.

 وحتى الإخوان هم ليسوا جميعهم وجها واحدا، فهناك إخوان في المغرب وتونس يرفضون سياسات إخوان مصر.. ما تعليقكم هنا؟

 هذا شأن إخواني داخلي لا مصلحة للدخول فيه، وليس كل ما يقال في هذا السياق صحيحا بالضرورة.

يتبع غداًً...

الشرق، الدوحة، 10/11/2014