القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

عبده يروي لـ"فلسطين" رحلة هرب اللاجئين إلى الموت!

"مأساة لامبيدوزا" كشفت عوار النظام المتبع بالتعامل مع اللاجئين وطالبي اللجوء

عبده يروي لـ"فلسطين" رحلة هرب اللاجئين إلى الموت!

/cms/assets/Gallery/1177/re_1383122995.jpg

غزة- عمر زين الدين

يكفي أن تخرج من هذا الحوار مدركاً كم هو الفلسطيني لا يعامل ذات المعاملة مع أي إنسانٍ آخر على وجه البسيطة، فأقل أزمةٍ في أي قطرٍ يتواجد فيه الفلسطينيون كفيلةٌ بأن تضيف إلى سجل نكباتهم نكباتٍ جديدة.

وفي حوار "فلسطين" مع مدير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان د. رامي عبده، يكشف عن مآسٍ ونكباتٍ خلفتها الأزمة السورية بحق اللاجئين الفلسطينيين ليغدو كالجاثي في حقلٍ من الألغام.

وكان لكارثة غرق القارب يوم 11 تشرين الأول الذي أقلّ ما لا يقل عن 400 مهاجر غير شرعي، معظمهم من السوريين، ومن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، و أسفر عن عشرات الوفيات، دورٌ في كشف كثيرٍ من عورات النظام المتبع في التعامل مع هؤلاء اللاجئين وطالبي اللجوء.

لماذا البحر؟

أول ما يتبادر إلى الذهن السؤال عنه، هو الدافع وراء ركوب اللاجئين قوارب الموت، التي ذهب ضحيتها أكثر من 500 شخص في محاولة العبور إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط خلال عام 2013 حتى الآن، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش.

ويقول عبده "إن التأثر المباشر وغير المباشر بأتون الصراع السوري، وتعرض المئات من أبناء المخيمات للاعتقال والاختفاء القسري، واستهداف مساكن اللاجئين، كمخيم اليرموك، دفع بهؤلاء اللاجئين، إلى الهروب من جحيم الموت سعياً نحو واقع أكثر أماناً في دول الجوار العربي".

ويضيف "إن عدم حمل اللاجئ الفلسطيني أي جنسية، جعله تائهاً لا يدري ماذا يفعل، فلا هو آمن في سوريا، ولا هو حاصلٌ على حد أدنى من حقه كلاجئ في تلك الدول العربية التي يلجأ إليها، بل تسعى تلك الدول في كثير من الحالات لإعادته إلى سوريا التي خرج منها هارباً مضطهداً".

وفي ظل هذا الواقع يبحث اللاجئ الفلسطيني من سوريا عن بدائل، كالسعي للهرب باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، عساه يجد حياةً تاهت عنه هناك، في رحلة يمكن أن توسم بأنها "رحلة الهرب من الموت إلى الموت".

قوارب الموت

المحطة التي يسجل لها أنها الأكثر سعياً لهذا النوع من الحلول هي مصر التي تكتنف 15 ألف طالب لجوء من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، حيث يذكر عبده أن السلطات المصرية "تتعامل مع اللاجئين السوريين واللاجئين الفلسطينيين من سوريا بشكل تمييزي".

ففي حين اعترفت رسمياً بعدد كبير من طالبي اللجوء السوريين كـ"لاجئين، رفضت استقبال أي فلسطيني من المقيمين في سوريا، وإن دخل أحدهم بطريقة أو بأخرى فيتم التعامل معه –بحسب عبده- باعتباره "سائحاً"، يُسمح له بالإقامة لمدة أسبوعين فقط تُمدَّد إلى ثلاثة أشهر بحد أقصى، ولا يمكن تجديد هذه المدة إلا في حالات ضيقة.

وحتى عندما يفكر بالهرب باتجاه دول الاتحاد الأوروبي التي تتعاون في منح هكذا حالات كالسويد وألمانيا، فإنه يجد نفسه في حقلٍ من الألغام في طريق "الهجرة غير الشرعية" إلى أوروبا.

ويروي عبده لـ"فلسطين" المخاطر التي يتعرض لها اللاجئ خلال رحلته، فيقول إن الرحلة "تبدأ عبر سماسرة مصريين مرتبطين بشبكة مختصة بتهريب البشر مقابل مبالغ مالية تراوحت بين 3000- 5000 دولار أمريكي، عن طريق البحر من السواحل المصرية إلى إيطاليا، في رحلة تستمر أكثر من عشرة أيام، بداياتها خطيرة ونهايتها غير واضحة المعالم".

ويتابع "تتضاعف يوماً بعد آخر حجم المخاطرة، فحتى إن سلم من المهربين الذين يكونون في معظمهم ليسوا سوى محتالين، فإنه سيكون أمام خطر ملاحقاته من قبل البحرية المصرية، كون خروجه كان بطريقة غير شرعية. وإذا ما تم القبض عليه، يتم احتجازه في ظروف صعبة جداً ولا إنسانية، ويمكن أن يتم بعدها ترحيله إلى سوريا".

ويتواجد حالياً ما يقرب من 2000 لاجئ سوري وفلسطيني محتجزين لدى البحرية المصرية بسبب محاولتهم الهرب باتجاه دول الاتحاد الأوروبي بطرق غير مشروعة.

ويواصل عبده : " قد لا تنتهي ملاحقة القوات البحرية المصرية للاجئين بالقبض عليهم واحتجازهم، بل يمكن أن تؤدي تلك الملاحقة إلى الغرق فالموت"، مؤكداً توثيق مرصده العديد من الحالات "تعامل فيها السلطات المصرية بقوة مفرطة، وصل لإطلاق الرصاص الحي وأدّى ذلك إلى مقتل عدد منهم، أو تشتيت العائلات".

وبالانتقال إلى حقلٍ آخر للألغام، يكمن في عرض البحر، فهم يواجهون "خطر الموت الذي يواجهه هؤلاء اللاجئون الهاربون بسبب البحر وأمواجه، وبسبب المراكب التي يستقلونها وهي غير مهيأة لرحلة طويلة كتلك، وبأعداد مهولة، غير أنهم يواجهون مخاطر أخرى".

والمخاطر الأخرى كما يصف عبده "تبدأ من أن يهاجمهم قراصنة البحر، أو يتضوروا جوعاً بسبب نفاد الطعام والشراب في رحلة تستمر لأكثر من 10 أيام، أو أن تهاجمهم الأمراض دون توفر العلاج الصحي المناسب، أو انقلاب القوارب قبالة السواحل الإيطالية، ما أدى إلى غرق العديد من اللاجئين".

انقلاب القوارب هو ذلك الخطر الأكبر الذي يجعل جميع من في المركب من اللاجئين عرضة الموت خاصة وأن تدخل خفر السواحل الإيطالي في العديد من الحالات وإنقاذ الغرقى، يأتي متأخراً في ظل وجود آليات غير كافية، لتتصدر المشهد الدولي كارثة غرق القارب يوم 11 تشرين الأول /أكتوبر، أمام جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.

كارثة لامبيدوزا

ويوضح عبده أن "كارثة لامبيدوزا هي الأحدث لحالات غرق القوارب قبالة السواحل الإيطالية، حيث غرق يومها قارب يقل ما لا يقل عن 400 مهاجر غير شرعي، معظمهم من السوريين، ومن اللاجئين الفلسطينيين من مخيمي اليرموك وحمص، ما أسفر عن عشرات الوفيات". ويضيف "هؤلاء اللاجئون كانوا قد انطلقوا من مصر متوجهين نحو إيطاليا عبر البحر، وفي طريقهم حطّوا في ليبيا بشكل غير شرعي، بانتظار قارب آخر يقوده مهرّبون، بحيث يقلونهم من ليبيا إلى إيطاليا".

المفاجأة حدثت –وفق عبده- بعد تعرّض أشخاص ليبيين مسلحين "مجهولي الهوية"، طلبوا من القبطان التوقف، غير أن القبطان شكّ بأنهم من خفر السواحل الليبي فاستمر بالمسير، فقاموا بإطلاق النار على القارب ما أحدث ثقوباً فيه.

"مع اقتراب القارب من الوصول إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وبسبب تسرب الماء إلى داخله، بدأت الأمواج تجرفه تجاه مالطا، فلم تتجاوب السلطات الإيطالية مع نداءات الاستغاثة متذرعةً بأنهم في المياه المالطية، في حين تذرعت السلطات المالطية بعدم توفر الإمكانيات الكافية لإنقاذهم" والكلام لعبده.

ويقول "ساهم تلكؤ السلطات الإيطالية والمالطية في غرق المركب، بعد 20 دقيقة من نداء الاستغاثة الأخير، ليتفرق الركاب في البحر بعد ارتدائهم سترات النجاة انتظارا لوصول قوات الإنقاذ، فما إن وصلت حتى كان كثيرٌ منهم في عداد الغرقى والمفقودين".

ويؤكد أن الإحصائية الأحدث للضحايا تتحدث عن أن "عدد الركاب قبل الغرق كان لا يقل عن أربعمئة، وأن أعداد الناجين الموثّقين تقدّر ب233 شخصاً (157 شخصاً في مالطا، و76 في إيطاليا)، أما عدد الجثث الموثقة فهو 36 جثة فقط، ما يعني أن أعداد المفقودين في البحر تصل إلى 157 مفقوداً أو يزيد".

مراسم دفن خجولة

ويتهم عبده السلطات الإيطالية والمالطية، بتأخير عمليات الإنقاذ، وبارتكاب العديد من المخالفات لحقوق الإنسان، وقد أقيمت 21 من تشرين الاول /أكتوبر من هذا العام مراسم دفن لـ(374) ضحية من ضحايا السفينتين اللتين غرقتا يومي الثالث والحادي عشر في ذات الشهر، والاكتفاء بالتقاط صور لهم، ورفض السلطات الإيطالية أخذ عينات DNA للضحايا المجهولين.

ولم يتمكن أهالي الضحايا من الناجين من حادثة غرق السفينة، الذين تم إنقاذهم إلى مالطا أو إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، من المشاركة في دفن ذويهم أو أبنائهم بسبب أنهم لا يحملون أي جنسية، حتى أن السلطات الإيطالية ترددت في إقامة جنازة رسمية للضحايا، فتم دفنهم على عجل ومن دون الطقوس الدينية الخاصة بهم.

وكشف عبده عن تقديم المرصد الأورومتوسطي وعدد من أقارب الضحايا احتجاجاً على تلك الإجراءات، مطالبين بإعادة دفنهم.

وفي حين لا تزال جثث المفقودين موجودة في حطام السفينة الليبية الغارقة قبالة السواحل الإيطالية، رغم مرور ما يزيد على أسبوعين منذ وقوع الحادث، تذكر السلطات الإيطالية أن "تكاليف انتشال الجثامين تقدّر بحدود 30 مليون يورو، بعد أن غرقت السفينة في عمق يتجاوز 700 متر، لتتوقف عمليات البحث".

ويشدد مدير المرصد الأورومتوسطي على أهمية "انتشال الجثث ومعاينة جسم القارب، لأنه سيشكل دليلاً مهماً، فيما يتعلق بتحديد المسؤول عن حادثة إطلاق النار على المركب التي أدت لتلك الجريمة الكارثية، بما يمهّد لتقديم الجاني للعدالة".

وكما يتضح مما سبق امتهان كرامة الميت، فإن الحي أيضاً لا ينعم كثيراً بكرامة هرب من وطنه ليحتفظ بها، فالوصول إلى إيطاليا "لا يعني نهاية المشكلة"، فقدرتها الاستيعابية على استقبال اللاجئين محدودة جداً، لذلك يصل اللاجئون لإيطاليا باعتبارها أقرب نقطة إلى الأراضي المصرية، وبهدف الانتقال منها إلى السويد لطلب اللجوء هناك، حيث الإجراءات أيسر، والمدة الزمنية للحصول على وضعية اللاجئ أقصر.

ولكن الوصول إلى السويد سيواجه بمشكلة أخرى، فيذكر عبده أن قوانين الاتحاد الأوروبي، "تلزم أول دولة من دول الاتحاد الأوروبي يصل إليها طالب اللجوء بأخذ بصماته، لتكون المسؤولة عن منحه وضع اللاجئ، ويمنع اللاجئ بعدها من التقدم بطلب لجوء في دولة أخرى من دول الاتحاد الأوروبي".

وفي ظل وجود اللاجئ الفلسطيني أو السوري بين نارين، فإنه "يواجه حين يرفض إعطاء تلك البصمات، للتعامل معه بالقوة، بل واستخدام القوة المفرطة في بعض الأحيان، وسُجلت العديد من حالات الاعتداء عليهم بالضرب" يقول عبده مشيراً لمشكلةٍ أخرى "تتمثل في معاناة اللاجئين من عدم القدرة على الالتقاء بعائلاتهم ممن تم إنقاذهم إلى مالطا".

من يتحمل المسؤولية؟

المسؤولية –وفق ما يكشف عبده- تتحملها "السلطات المصرية والإيطالية من خلال انطواء معاملتها مع اللاجئين وطالبي اللجوء، على العديد من المخالفات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقوانين الخاصة باللاجئين وطالبي اللجوء".

ويقول "كان الواجب على السلطات الإيطالية والمصرية معاملة هؤلاء اللاجئين وطالبي اللجوء معاملة إنسانية، وتأمين المعيشة الكريمة لهم إلى أن تبت في وضعهم بصورة قانونية".

وشرع مدير الأورومتوسطي يسرد عدداً من القوانين والمواد التي تؤكد وجوب منح من سبق ذكرهم من اللاجئين "صفة اللاجئ على وجه السرعة، وما يترتب على ذلك من حقوق نصت عليها الاتفاقيات المختلفة"، التي قد يضيق القارئ الكريم ذرعاً بقراءتها لكثرتها.

ويضيف "يقع على عاتق المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاه العدد المتصاعد من اللاجئين في العالم، ولا سيما اللاجئين الهاربين من جحيم الواقع في سوريا"، منوهاً إلى "مسؤولية الأمم المتحدة ووكالتي الأونروا والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، خاصةً فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين".

وفي ظل هذه المعطيات كان على د. رامي عبده أن يختم حديثه لـ"فلسطين"، بضرورة قيام "المجتمع الدولي بدوره حيال اللاجئين وطالبي اللجوء السوريين والفلسطينيين من سوريا، وأن تعامل السلطات المصرية والإيطالية اللاجئين بإنسانية، وأن تمنح من ينطبق عليه وصف اللاجئ منهم الوضع الخاص بذلك".

وفي ظل عالمٍ تنكر للإنسانية تتوسع المطالبات والتوصيات لمن بقي في هذا العالم يكتنف ضميره شيئاً من الإنسانية ليقف أمام مسؤولياته، ويساهم في وقف هذه الكوارث التي تلحق بلاجئي المنطقة العربية، والفلسطينيين منهم على وجه التحديد الذين يعشون نكبة إثر نكبة، مع اختلاف العناوين.

المصدر: فلسطين أون لاين