القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

«مقابر جماعية... وأطفال وجثامين مفقودة»... ياسر علي يكشف لـ «لاجئ نت» تفاصيل «مجزرة مخيم تل الزعتر»


أجرى الحوار: محمد السعيد/ خاص – لاجئ نت|| الثلاثاء، 15 آب 2023

لم تغب عن ذاكرة الكاتب والشاعر الفلسطيني ياسر أحمد علي العشرات من المشاهد السوداء من المجزرة التي ارتكبتها الميليشيات اللبنانية اليمينية منها حزب الكتائب، ونمور الأحرار، وحراس الأرز، والتي أسفرت عن 4280 شهيدًا غالبيتهم من المدنيين والنساء والأطفال وكبار السن، وآلاف من الجرحى والمفقودين، والتي تحل ذكراها السنوية السابعة والأربعين وتعد واحدة من أبشع الفظائع في العصر الحديث، وأشدها فتكًا وإرهابًا بحق الأبرياء كما وصفها المؤرخون بأنها "أشد الفظائع في التاريخ الفلسطيني”، وهي واحدة من أسوأ صفحات الحرب الأهلية اللبنانية.

مخيم "تل الزعتر” شهد قصصاً مرعبة لعمليات الذبح الجماعية لضحايا قتلتهم العصابات من 12 إلى 14 آب من عام 1976م، وآخرين قتلوا خلال حصار المخيم ومعارك سبقت اقتحامه بأشهر طويلة.

ذاكرة عميقة وأليمة يرويها الكاتب والشاعر الفلسطيني ياسر علي ابن مخيم تل الزعتر لشبكة "لاجئ نت": مجزرة تل الزعتر في الذاكرة الفلسطينية عميقة جدًّا، وهي جرح نازف ولا يزال حتى يومنا هذا حيث سقط المخيم في 12 آب ودخلته الكتائب اللبنانية وارتكبت فيه عملية إبادة جماعية وبقر لبطون الحوامل، وهتك للأعراض، عدا عن ذبح الأطفال والنساء والشيوخ، وحدث الشيء نفسه في مخيم جسر الباشا ومنطقة "الكارنتينا.

تصادف هذه الأيام ذكرى مجزرة تل الزعتر التي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين في لبنان، هل لك أن تشرح وقائعها؟

مجزرة تل الزعتر لم تبدأ بـ12 آب تحديداً بل من بدايات الحرب اللبنانية واستمر الحصار الغذائي على المخيم سبعة أشهر وتحديداً من كانون الثاني عام 1976 إلى ان بدأ الحصار العسكري.

في كانون الثاني عام 1976 كان هناك حصار أول وسمي وقتها حصار التفاح ويعود سبب تسميته لوجود برادات تفاع في المنطقة سيطر عليها الاهالي واخذوها.

كما نعلم مخيم تقع في منطقة صناعية تضم الكثير من الفقراء أولاً والعمال ثانياً، هؤلاء الفقراء تكاثروا جداً في تلك المنطقة وجيء بهم لكي يعملوا في منطقة المكلس وتكاثروا كثيراً لان العامل الفلسطيني كان يأتي من بعلبك والجنوب والشمال ويستقر في بيروت، وكان أبرز مكان يستقر به هو مخيم تل الزعتر.

ثم ان الدربات الاسرائيلية للجنوب اللبناني كانت تتسبب في الكثير من حالات الهجرة والنزوح من الجنوب للبنانيين، وهؤلاء اللبنانيون لجئوا ايضا إلى مخيم تل الزعتر .

كانت بداية مخيم تل الزعتر بحوالي 1900 شخص عام 1950 واصبح عددهم عام 1975 نحو 30 الف شخص.

بعض الناس ردو اسباب الجصار والمجزرة ومحاولة الغاء مخيم تل الزعتر للانشطة العمالية اليسارية في المخيم، حيث كانت اجتماعات النقابات العمالية تعقد في مخيم تل الزعتر، على سبيل المثال معمل غندور تمت اجتماعات العمال في مخيم تل الزعتر.

ولكن الذي حدث انه في كانون الثاني عام 1975 بدأ حصار المخيم من ناحية الغذاء وبدايته كانت في المعارك وانتهت المعارك وبقي الحصار الغذائي إلى أن عدنا إلى المخيم وحصل الحصار الكبير في 20 حزيران 1976 واستمر إلى 12 اب 1976.

في هذه المرحلة استمر الحصار 52 يوم وسقط على المخيم نحو 55 الف قذيفة وصد رجال المخيم اكثر من 72 هجوم وفي هذه المرحلة كان المخيم محاصراً من جميع الجهات ولم يكن يدخل اليه الا الصليب الاحمر او المقاتلين القادمين من الجبال من المنطقة الغربية .

في هذه المرحلة سقط نحو 2000 شهيد وفي 12 اب سقط حوالي 2280 شهيد تقريباً سقطوا اثناء الخروج من المخيم بتاريخ 12 آب.

تم الاتفاق السياسي بين المتقاتلين وخرجنا في 12 اب 1976 على ان يخرج المدنيون بسلام وان يخرج العسكريون عبر الجبال تسللاً بأسلحتهم الخفيفة.

خرجنا كمدنيين بسلام في اللحظات الأولى من فجر 12 اب 1976 ولكن عند السادسة والنصف صباحاً اطلقوا علينا النار حيث كنا نحنا من أوائل الأفواج التي خرجت من المخيم.

هناك قصص شخصية كيف حدث ذلك ولكن مشينا بطريق طويل وبدأو يأخذون الرجال ويقتلونهم ويأخذون بعض النساء اللواتي الذين يقاومن السرقة أو محاولات التعدي والتحرش وهناك نحو 60 طفلا فقدوا في هذا اليوم ويقال بأنهم قد بيعوا إلى أجانب جاءوا واشتروهم وتبنوهم.

في داخل المخيم وقع الحصار وانقطعت السبل وانقطعت الكهرباء وانقطعت المياه إلا حنفية واحدة كانت في محور علي سالم المحور "ألتحتاني" في المخيم وكان الجميع يملأون منها الماء وكان يومياً يستشهد شخص او اثنين أو ثلاثة على حنفية الماء وكانت حنفية الماء محمية بشادر يمنع رؤية القناصين.

اما من ناحية الحصار الغذائي فقد انقطع عن المخيم كل الاطعمة الحية كاللحوم والدجاج والسمك وغير ذلك بالاضافة إلى الخضار وكل ما يستورد من الخارج.

انما اهل المخيم نزلوا إلى الشوارع القريبة من المخيم واستطاعوا الدخول إلى بعض التعاونيات والسوبرماركت واخذوا منها بعض الاغذية التي كانت ترم عظم بعض المقاتلين لم تكفي اهل المخيم ولكنها كانت تسد جوع البعض

اما بالنسبة إلى الطحين فكان متوافراً بنسبة معينة وكان المقاتلون يحضرون الطحين بشبه يومي وتم تقنينها على الفرن واذكر بان والدتي كانت تخبرني بأنهم كانوا يخبزون يومياً في فرن للثورة الفلسطينية نحو 2000 رغيف ويوزع على الناس والعائلات مجاناً.

وحاول المقاتلون الذهاب إلى مخازن المنطقة الصناعية واستطاعوا افتتاح احد المخازن وتسمى مخازن الغرة التي كانت مليئة بالعدس حتى ان اهل المخيم كانوا يصنعون الحلويات من العدس واذكر انني تذوقت الفلافل من العدس فقط. وكان هناك كمية كبيرة من التمر بالاضافة إلى كمية كبيرة من الشمع وكنا نصنع الشمع باذابتنا لقوالب الشمع بعلب السردين او علب اللحمة او علب الحمص والفول ونضع فيها خيطاً من القماش المبلل بالزيت او الكاز وكنا نزود مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني بهذه الشموع وزودونا هم بأوراق صور الاشعة التي كنا نلفها ونحصل على شكل للشمعة تكون أطول وأرفع نلفها ونربطها ونسكب بها الشمع المذوب ووضع الخيط من الاسفل إلى الاعلى ونزود بها المستشفى لاستعمالها وكان المخيم وقتذاك مقطوع من الكهرباء والماء.

ما سبق كان وقائع الحصار، اما وقائع المجزرة، وكما ذكرت سابقاً كان هناك اكثر من 72 هجوم على المخيم وكان الشباب يتناوبون على المحاور وكان هناك قناصة للكتائب والاعداء المجرمين الذين كانوا يحاصرون المخيم يصطادون الاشخاص الذين يمرون بطرقات مكشوفة ومن الذين قتلوا بالقنص عمي شقيق والدي رحمة الله عليه ودفن في مخيم تل الزعتر.

لماذا لم يسلط الضوء على المجزرة رغم وقوعها قبل 47 عاماً، ولماذا يعود السبب في ذلك؟

الاعلام يرتبط بجهات معينة وبالتالي هذه الجهات قد تكون سبب في القتل وتكون لاحقاً حليفة لمن تسبب بالقتل فتتغاظى عن ذكريات المجزرة ولا تريد او تعيد النظر فيها.

ولكن انا اقول ان المجزرة اخذت حقها اعلاميا لانها كانت اول مجزرة كبيرة بهذا الحجم والاجرام تحصل بايدٍ عربية ثم لاحقاً تبعتها بسنوات مجزرة صبرا وشاتيلا.

مجزرة تل الزعتر كان فيها جزء من الاعلام ولكن لم يكن فيها مراسلون وصحفيون وكتاب مشهورون يغطون وقائع المجزرة ولكن يكن هناك وسائل اتصال سوى اللاسلكي التي تبث عدد الجرحى وعدد القتلى لذلك كان المخيم في اثناء حصاره المعلومات شحيحة عن المخيم الا انها كثرت عندما خرجنا من المخيم وجرى تأليف عدد كبير من الكتب والاغاني وعدد من القصائد والافلام وهذه المنتجات موجودة في السوق تقريباً.

اما الكتب فهناك الكثير من الكتب وعددها تقريباً اثني عشر كتاباً مباشراً عن تل الزعتر وهناك كتب متفرقة تذكر تل الزعتر في مذكرات بعض الشخصيات الفلسطينية.

ما هي أبرز المشاهد التي بقيت محفورة في ذاكرتك بعد 47 عاماً من المجزرة؟

المشاهد التي بقيت محفورة في ذهني بعد 47 عاماً هي مشاهد من داخل الحصار، على سبيل المثال كان بيتنا في الطريق بين حنفية الماء ومستشفى الهلال وبينهما معامل العدس وكان بيتنا يغطي كل الذين يذهبون إلى مستشفى الهلال، وأنا في ذلك الوقت كنت طفلاً صغيراً رأيت مشهداً لرجل يمسك مصرانه بيده ويتوجه ركضاً سريعاً من منطقة حنفية الماء إلى المستشفى لكي لا يقع على الأرض.

ومشهد آخر لا أنساه قبل الخروج من المخيم هو مشهد لرجل كان يقف عند باب بيتنا على شرفة مطلة على الطريق، يقف وهو حامل طفلته ابنة الثلاث أشهر فقط وسقطت قذيفة قرب بيتنا وأصيب الرجل وسقطت منه الطفلة إلى مسافة بعيدة، المفارقة أنه كان يحمل الطفلة على صدره ورأينا أضلاعيه كيف برزت من الإصابة وربما سقط اجزاء منها على الأرض حينها والطفلة بعيدة عنها عدة امتار وقذفتها قوة القذيفة قبل ان تقتل والدها.

ومن المشاهد التي لا انساها، هي مشاهد وقت الخروج من المخيم عندما خرجنا انا وامي واخواي أكرم وجلال ممسكين بفستان أمي وهي تحمل البقجة التي فيها الثياب والخبز الذي خبزته قبل ليلة وفيها بعض الحاجيات الخاصة بالعائلة.

عندما أطلقوا النار علينا، أخي جلال رجع إلى المخيم ليقضي يومه في المخيم مع أهل المخيم ورفضت بعض العائلات أن تأخذه معها وقبلته بعض العائلات واخذته معها. عائلة واحدة هي عائلة المنشاوي اخذوا اخي وارجعوه معهم إلى بيروت الغربية، حيث عندما عدنا من تل الزعتر إلى الفندقية في الدكوانة ثم إلى المتحف ثم إلى المدينة الرياضية، مقابل المدينة الرياضية كان هناك دار المعلمين جمعونا هناك واخذت كل عائلة تذهب مع اقاربها الذين جاءوا لاستقبالهم. وحينها جاء خالي لاستقبالنا إلا أن والدتي رفضت الذهاب معه وان يأخذنا معه الا ان يعود اخي اكرم من مخيم تل الزعتر، فكانت تأتي إلينا لتتفقدنا ثم تذهب لترى اذا كان جاء مع الشاحنات القادمة من المخيم التي كانت تُحمّل الناس، تعود الينا ثم تذهب إلى مكان الشاهنة إلى أن جاءت آخر مرة ومعها اخي جلال قادماً من مخيم تل الزعتر.

من المشاهد التي قطعت عنها ولم أشاهدها جيداً لأنها كانت بدايات المجزرة، مشهد الرجال الذين كانوا يأخذونهم ويضفونهم على الحائط ويتم تصفيتهم واعدامهم رمياً بالرصاص، ثم يأتوا بمجموعة أخرى ويفعلوا نفس الشيء.

شاهدنا إمرأة ارادت الانتقام لابنها، فكلفت أبناءها ليقتلوا بدل ابنها 50 شخصاً فلسطينياً.

شاهدنا كيف كانوا يرمون علينا الأوساخ والاحجار من الشرفات ونحن ذاهبون في طريقنا من مخيم تل الزعتر إلى الفندقية.

شاهدنا كيف عدد من الاطفال قتلوا دهساً ودعساُ ومعساُ تحت عدد كبير من اللاجئين الذين قفزوا إلى الشاحنات وكان الاطفال تحتهم وماتوا اختناقاً ودعساً ومعساً.

مشاهد كثيرة لا أنساها، وأحد المشاهد التي تؤثر فيّ دائماً كلماً ذكرتها هو مشهد لقائنا مع أخي الذي خرج في الجبال مع المقاتلين فأضاعته المجموعة وعاد وحيداً بعد أن اختطف من قبل الكتائب اللبنانية 27 يوماً ثم أعادوه إلى منطقة المتحف والتقطته مجموعات تل الزعتر وكانوا يناوبون في منطقة المتحف التقطوه وعرفوه وارسلوا الينا مرسالاً في البقاع لكي نأتي إلى بيروت ونأخذه وهذا ما حصل وجاءت والدتي إلى بيروت واخذته معها إلى البقاع بعد 27 يوماً من الاختطاف.

وزرت انا واياه العائلة التي أقام عندها اثناء الاختطاف عام 1999 فرحبوا به ايما ترحبيب وذهبوا يتذكرون الايام التي كان عندهم حيث كان عندهم مستضافاً وليس معتفلاً وكان يعمل معهم في الأرض والزرع وغير ذلك.

هذه بعض المشاهد التي بقيت محفورة في ذاكرتي.

خلاصة أخيرة:

اخيراً وهذه خلاصة مهمة، نذكرها ولن ننساها واذكرها في كل مقابلاتي وهي أن هناك قضيتين عالقتين حتى الان في هذه القصة وهذه المجزرة.

القضية الأولى، هي قضية الجثامين التي ما زالت تحت انقاض مخيم تل الزعتر او في مواقف السيارات او تحت الأبنية أو بجوار جدر المصانع ومنهم مثلاً جثة عمي الذي لا زال ونذهب دائماً إلى مخيم تل الزعتر لقراءة سورة الفاتحة وهناك الكثير من الجثث لا زالت تحت انقاض المخيم.

هناك 80 جثمان اعيدت إلى مقبرة شهداء الثورة الفلسطينية حيث تجري الاعتصامات عادةً، وهناك ايضاً بعض الشهداء أعيدوا بصفة فردية وذهبت نسائهم وحفرت القبور واخرجتهم وعادت بهم بالتكسي إلى بيروت الغربية.

وأما القضية الثانية فهي قضية الاطفال المخطوفين والذين فقدوا في مخيم تل الزعتر ولم يعد أي أثر يظهر لهم، ولكن كل المؤشرات توافرت على أن عدد كبير من الأطفال أخذوا إلى أحد الأديرة في منطقة الأشرفية وجرت رعايتهم لمدة قصيرة ثم قيل أنهم تم تسليمهم إلى عائلات أجنبية أو بمعنى آخر بيعوا إلى عائلات أجنبية.