القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

أخذ البركة - فداء عيتاني

أخذ البركة

فداء عيتاني

ها قد حلّت دمشق من حيث لا تدري هذه المرة حيرة الطاقم السياسي اللبناني. فهي قد أعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، ما سهّل على السياسيين اللبنانيين اتخاذ موقفهم خلال زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أمس. فبعد كلام دمشق لا كلام ولا جدال. ولكن موقف دمشق، سواء أكان ناتجاً من صفقة كما يقول البعض، أم تنازلاً من طرف واحد كما يقول آخرون، أم إعلان حسن نيّات، فهو يبقى في لبنان منقوصاً، وزيارة عباس ستأتي لاستكماله.

لن يكون على عباس إقناع الجانب اللبناني بضرورة مشاركته، من مقعده في إدارة جلسات مجلس الأمن عبر مندوبه نواف سلام، في الموافقة على خيار إعلان الدولة، فالجانب اللبناني مقتنع سلفاً، ومتحمّس للدولة الفلسطينية بصفتها تريحه من عبء الموضوع الفلسطيني. وحده الله يعلم من أوحى إلى السياسيين اللبنانيين بأن خطوة إعلان الدولة، التي لا تحظى بموافقة أميركية ولا تساهل إسرائيلي، ستريح لبنان من «عبء الوجود الفلسطيني»، أو بالأحرى تريح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من ضيافة اللئام.

فإعلان الدولة أمامه أهوال جسام، وعلى الأرجح ألا يمر في أيلول هذا ولا في غيره من أيام أيلول الحزينة في الذاكرة الفلسطينية، وسيكون على اللاجئين مواجهة خيبة أخرى، وربما هذه المرة من حسن حظهم أن يفشل اقتراح إعلان الدولة.

فعدا عن أن هذه الدولة المزمعة لا تتحلى بأي من مواصفات الدول ذات السيادة، ووحدة الأراضي، ومقومات الدفاع والأمن والاقتصاد، وعدا عن أنها خاضعة لمزاجية عدة دول من فتح معابر وإقفال ممرات جوية وبحرية، والسماح بعبور مواطنين من الدولة وإليها، ودفع حصص الدول الراعية في الموازنة الوطنية، عدا عن كل ذلك، فإن اللاجئ الفلسطيني سيفقد أي حق في رالرعاية من دولته ومن الدول المقيم فيها.

سيسرّ الدبلوماسيون في الممثلية الفلسطينية في بيروت بترفيعهم من موقع الممثلية إلى موقع السفارة، وقد يقام احتفال في حال الوصول إلى إعلان الدولة الفلسطينية بتحول الموظفين إلى طاقم من السفراء والقناصل. ولكن الاحتفال لن يعمّ أرجاء المخيمات التي تضم أناساً ينتظرون لحظة محاصرتهم مجدداً «للاستفادة من تجربة نهر البارد». بل على العكس، سيكون الوضع هناك محيّراً ومربكاً وشبه مأساوي.

لم يكن أحد من الساسة اللبنانيين على علم بأن موافقتهم على إعلان الدولة الفلسطينية من دون شروط ستعني أول خطوة باتجاه التوطين، وإنهاء ملف الفلسطينيين اللاجئين عبر إعطائهم جوازات سفر صادرة عن دولة فلسطين التي لن تتمكن في أي حال من الأحوال من السماح لمواطنيها في الخارج بالعودة إليها.

وطبعاً لم ينتبهوا إلى أن تحول الفلسطينيين في لبنان جالية سيرفع يد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين عن المخيمات، والتقديمات ستكون من واجب جهات أخرى. وما دمنا نعرف «البئر وغطاه» في الدولة الفلسطينية، فحتماً سيكون على الحكومة اللبنانية التكفّل بسد فراغ الأونروا.

سيرتاح الساسة من اتخاذ الموقف المرائي الذي يقفونه اليوم حين يتحدثون عن «مواصلة الدعم للنضال الفلسطيني»، ولكن سيكون عليهم مواجهة حاجات 400 ألف فلسطيني بحاجة إلى الطبابة والتعليم والبنى التحتية، أضف إلى أنهم سيمثّلون عبئاً حقيقياً على كل الدوائر في البلاد، بمجرد تحوّلهم من لاجئين إلى رعايا أجانب، وسيتحول الموقف المرائي إلى شكوى دائمة ومناشدة للدول المانحة لتقديم يد العون إلى الحكومة اللبنانية. إلا أن هذه الدول سترى أن المسألة تعود إلى الدولتين اللبنانية والفلسطينية فقط لا غير.

ومن ناحية اللاجئ الفلسطيني، فإنه سيقدم خدمة إلى الدولة اللبنانية في حال غادر أراضيها، ولو إلى سوريا، إذا هدأت الأمور هناك قريباً، إذ لن يتمكن من العودة إلى منزله في المخيم. فخروجه من الأراضي اللبنانية بوثيقة سفر غير لبنانية، أو غير صادرة عن السلطات اللبنانية، سيتطلب تأشيرة دخول للعودة، بصفته من رعايا دولة أجنبية.

يمكن أبا مازن أن يأخذ البركة خلال إفطاره مع رئيس البلاد المفُضِل سلفاً على الفلسطينيين في لبنان، وخاصة أولئك الذين كانوا في مخيم نهر البارد. وغداً سيأخذ البركة من غيره أيضاً. ولكن مسألة إعلان الدولة من جانب واحد قد تتطلب من الجانب اللبناني وضع شروط مسبقة وتعديلات في الخطة المرسومة.

هذا إذا أقرّت الأمم المتحدة بحق الفلسطينيين في قيام دولة، إلا أنه ربما كان من الأفضل اللجوء الى الأمم المتحدة لإلزامها بتنفيذ قراراتها القديمة في المسألة الفلسطينية بدل وضع المزيد من المطالب الجديدة أمامها.

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية