القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

أوباما لم يرَ مسيرات العودة ويطرح رؤى نتنياهو من دون تنقيح - نافذ أبو حسنة

أوباما لم يرَ مسيرات العودة ويطرح رؤى نتنياهو من دون تنقيح

نافذ أبو حسنة/ بيروت

خلال أربعة أيام ما بين التاسع عشر والحادي والعشرين من أيار/ مايو الماضي ظهر الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، ليلقي خطابين طويلين، وليخص القناة التلفزيونية البريطانية، بحديث موسع. وفي المناسبات الثلاث تطرق الرئيس الأمريكي إلى الصراع العربي –الصهيوني، وقضية فلسطين، مسرفاً في أمرين: الحديث عن المستقبل، وتأكيد الالتزام الحديدي بأمن «إسرائيل». وعملياً ليس في ذلك ما يمكن أن يشكل مفاجأة من أي نوع.

لا يحق للفلسطينيين

جاء الظهور الأول للرئيس الأمريكي بعد أربعة أيام من مسيرات العودة التي انطلق فيها الشباب الفلسطيني إلى الحدود مع فلسطين المحتلة عام 1948، في ذكرى يوم النكبة، استجابة لدعوات توالت لعدة أشهر تدعو إلى إطلاق مسيرات العودة وتفجير الانتفاضة الفلسطينية الثالثة. لبى الشبان الفلسطينيون الدعوة، ولم يكونوا وحدهم. شاهد الجميع عبر الشاشات أطفالاً ونساءً وشيوخاً، عائلات بكاملها تتوق إلى العودة، انتقلت إلى الحدود كي تشاهد أرضها التي اقتلعت منها. لكن ما كان لافتاً ويستحق الكثير من التوقف عنده، أن معظم المشاركين، كانوا من أحفاد المقتلعين، وحتى من أحفاد أبنائهم. وفي هذا الدليل الكافي على أن التمسك بحق العودة، يمثّل ناظم حياة الشعب الفلسطيني المقتلع من أرضه، وليس شعاراً سياسياً مطروحاً للمساومة أو للبحث.

ما حدث مع المشاركين في المسيرات معروف للجميع. على تخوم فلسطين ارتقى الشهداء، ونزفت الجروح دماً طهوراً في الجولان وجنوب لبنان وشمال غزة وقلنديا. ولم يكن المشاركون يملكون سوى الأيدي العارية، والصدور المفعمة بحب فلسطين. استطاعت الأيدي أن تمزق الأسلاك الشائكة، واستخدمت سلاح الانتفاضة التاريخي: الحجارة، فيما أطلق جنود الاحتلال الرصاص الحي وقنابل الغاز على العائدين.

غابت كل تفاصيل هذا المشهد عن خطابي الرئيس الأمريكي، وحديثه التلفزيوني. وكأن شيئاً لم يحدث، مع أن الصهاينة، ولا شك، أبلغوه بمصادر قلقهم الجديدة.

تحدث أوباما عن الشباب، ولكنه لم ير الشباب الفلسطيني المتمسك بحقه في العودة، وتحدث عن المستقبل من دون أن يلحظ من ضمن تفاصيله، مستقبل الشعب الفلسطيني المتعلق بوطنه والمتطلع للعودة إليه. ما عناه من المستقبل أشياء أخرى، كأن يستولي على مستقبل ثورة عربية هنا، ويحرض على بلد عربي هناك، ويهدد آخر، ويتوعده بالعقوبات ما لم يغير وجهته، مستجيباً لطلبات أمريكا ورؤيتها للعالم. وما عناه أكثر من كل ذلك: «إسرائيل» ومستقبلها. هنا كان حديث الحقوق والمستقبل والأمل. حقوق ومستقبل للصوص والمحتلين الذين سرقوا أرض شعب وشردوه ويواصلون قتله.

في أحاديثه جميعاً كان الرئيس الأمريكي مجسداً أميناً للرؤى الأمريكية التقليدية في ما يخص بلادنا. ما يعني أمريكا هنا أمران: «إسرائيل» والنفط، والباقي تفاصيل في خدمة أمن كيان الاحتلال، والمصالح الأمريكية المباشرة في ثرواتنا.

القاتل والإمبراطور

عام 2007 قال أوباما: «لا أحد في هذا العالم يعاني أكثر من الشعب الفلسطيني». وتعقيباً على ذلك، قال المدير التنفيذي للإيباك: «إن اليهود ينظرون لأوباما على أنه قاتل».

في الحادي والعشرين من أيار/ مايو هذا العام حضر اجتماع الإيباك أكثر من عشرة آلاف شخص، صفقوا كثيراً للرئيس الأمريكي. وقالت «باميلا غيلر» مؤلفة كتاب «حرب إدارة أوباما على أمريكا» واصفة الموقف، بأنه «أشبه باستقبال إمبراطور».

بحسب «غيلر» فقد «قصد أوباما الإيباك لغايات انتخابية». وها هي تذهب إلى التفسير التقليدي المعروف والمتداول، عن أن الرؤساء الأمريكيين يعتمدون على اللوبيات اليهودية، ليحتلوا مقعدهم الرئاسي، أو للفوز برئاسة ثانية. وما دام الأمر متصلاً بكسب رضا اليهود والصهاينة، فلن يكون ذلك إلا على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية.

هكذا رأينا أوباما يتحدث أمام الإيباك، مصححاً النصوص التي أدلى بها قبل يومين من ذلك الموعد. ودائماً وفق الطلبات التي عبّر عنها رئيس حكومة الاحتلال «بنيامين نتنياهو».

في التفاصيل: تحدث أوباما في خطابه الأول عن دولة فلسطينية في حدود عام 1967. وقد أرفق ذلك بتمرير الإقرار «بيهودية إسرائيل». وحينما رفض نتنياهو صراحة، وأمام الرئيس الأمريكي القبول بدولة فلسطينية في حدود الـ67، عاد أوباما ليتحدث عن نصٍ أُسيء تفسيره.

وفي تصحيحات أوباما أمام الإيباك تبنٍّ كامل لتلك المعادلة. النص الذي أسيء تفسيره يقول بدولة فلسطينية على حدود عام 1967. أما النص المعدل فيقول بالانطلاق من حدود الـ67، مع الإقرار بأن الظروف على الأرض قد تغيرت، ولذلك «لنبدأ حواراً حول الأرض وحول الأمن، يأخذ متطلبات الأمن الإسرائيلي بعين الاعتبار». بالأحرى المقصود هنا: الأمن الإسرائيلي أساساً. وعلى الإمبراطور أن يعتبر ذلك أساساً لا يجوز التحرك بعيداً عنه.

الحدود وآفاق التسوية

يقوم الرفض الصهيوني للانسحاب إلى حدود الـ67، على فكرة قوامها: إن تلك الحدود لا تتيح دفاعاً مضموناً عن «دولة إسرائيل» وتجعلها عرضة للمخاطر، بسبب الافتقار إلى العمق الجغرافي الكافي. ومع أن إستراتيجيين صهاينة يشككون في هذه المقولات، ويلحظون تغير مفهوم العمق الجغرافي الإستراتيجي في زمن الصواريخ، لا تزال المؤسسة الصهيونية على تمسكها بما سبق أن ساقته. وهي أضافت له تالياً التغيرات التي وقعت على الأرض وتقصد بذلك الاستيطان الواسع في الضفة الفلسطينية، والوقائع التي خلفها الجدار الفاصل.

الآن ينكشف الأمر على وضوح شديد. يتحدث الرئيس الأمريكي عن أخذ الوقائع المستجدة والمتغيرات في الاعتبار عند البحث في العودة إلى المفاوضات. وهو لا يكتفي بذلك، بل يرسم أفقا لطبيعة التسوية التي ستنتج من المفاوضات المشار إليها. والتي يراها سبيلاً وحيداً متاحاً أمام الأطراف. يقول: «إن الحوار لن ينهي كل المشاكل. سيبقى مشكل القدس، ومشكل اللاجئين. وبعد الحل سيكون سهلاً على الجانبين تقديم تنازلات».

تعني الترجمة العملية المطلوبة لهذه الأقوال، أن على الفلسطينيين قبول الصيغة التي ستعرض عليهم لحدود الدولة، داخل حدود الـ67، وليس على حدود الـ67. هنا لا تُستَثنى القدس فقط، بل مناطق الاستيطان أيضاً، مع تبادل محدود للأراضي. وبعد ذلك يجيء الدور على قضيتي القدس واللاجئين لتقديم تنازلات. والمتصور أنها ستكون على حساب الفلسطينيين فقط.

تكفي نظرة إلى التصورات التي يعرضها الصهاينة حول التسوية، للاستنتاج أن ما يعرضه الرئيس الأمريكي هو نسخة غير منقحة من تلك التصورات. وهذا يتجاوز المصالح الانتخابية، ليصل إلى تثبيت الالتزام الأمريكي التقليدي تجاه دولة الاحتلال الصهيوني، والذي عبر عنه أوباما بكلمات صريحة وعالية الوضوح في خطابيه الأول والثاني معا.

تطويق التحرك الدولي

يمكن الافتراض أن رئيس حكومة الاحتلال كان يتوقع سماع كل ما أفضى به الرئيس الأمريكي. وقد كان واثقاً من القدرة على جعل كل عبارة ينطق بها أوباما، متطابقة تماماً مع الخطاب الصادر عن ديوان رئاسة حكومة الاحتلال. وما سعى إليه هو تأكيد ما هو معروف سابقاً، والعمل على تطويق الجهد الفلسطيني للتوجه إلى الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر المقبل.

لقد تحدثنا في موضوع التوجه إلى الأمم المتحدة في العدد السابق، ولن نعيد ما كنا قد خلصنا إليه. لكن من الواضح أن ثمة قلقاً صهيوني تزايد بعد مسيرات العودة، من أن تخرج الأوضاع عن السيطرة، ولذلك جدد الطلب إلى واشنطن بإعطاء رأي مسبق وقاطع في هذه المسالة، وبكلمات واضحة، خصوصاً أيضا بعد ظهور تفلت غربي من الالتزام التام برؤية واشنطن للتحرك الفلسطيني تجاه المنظمة الدولية.

كذلك أراد نتنياهو تثبيت موقف أمريكي علني وواضح أيضاً من المصالحة الفلسطينية التي وُقِّعَت عليها في القاهرة أخيراً.

في النقطة الأولى حصل رئيس حكومة الاحتلال على ما أراده، فقد أكد أوباما أن واشنطن لن تسمح بعزل «إسرائيل» وأن الفلسطينيين لن يحصلوا على شيء من الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وفي النقطة الثانية بدا الرئيس الأمريكي صهيونيا بامتياز. ففي خطابه الأول قال: «إن إدراك أن المفاوضات يجب أن تبدأ بقضايا الأراضي والأمن لا يعني أن مسألة العودة إلى طاولة (المفاوضات) ستكون أمراً سهلاً. وبوجه خاص، نظراً إلى أن الإعلان أخيراً أن التوصل إلى اتفاق بين حركتي فتح وحماس يثير تساؤلات عميقة ومشروعة لدى إسرائيل، إذ كيف يتسنى لأحد التفاوض مع طرف سبق له أن أظهر أنه غير مستعد للاعتراف بحقك في الوجود؟ لذا فإنه سيتعين خلال الأسابيع والأشهر القادمة، على القادة الفلسطينيين تقديم إجابة يمكن الوثوق بها على هذا السؤال. وفي الوقت نفسه، ينبغي للولايات المتحدة وشركائنا في اللجنة الرباعية والدول العربية مواصلة بذل كل جهد ممكن لتجاوز الطريق المسدود الراهن».

أما في الخطاب الثاني، فقد اندفع أكثر، مشيراً إلى أن المصالحة بين فتح وحماس تمثّل عقبة كبرى أمام السلام، متعهداً بالضغط حتى تعترف حماس بإسرائيل.

ليس هناك من جديد في هذه المواقف الأمريكية. لكن من الملاحظ أن الرئيس الأمريكي الذي لم ير مسيرات العودة الفلسطينية، لم ير أيضاً تحركات الشباب الفلسطيني المطالب بإنهاء الانقسام. فإذا كان يتحدث عن الديموقراطية، فممثلو حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني، منتخبون من الشعب الفلسطيني. وإذا كان يتحدث عن الشباب والمستقبل ورغبات الشعوب، فالشباب والشعب الفلسطيني، هما من طالب بإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة.

يبدو أن إدراك الرئيس الأمريكي لكل شيء يتوقف عند الرغبات والمصالح الصهيونية. وبإدراك ذلك عبر إثبات جديد، ينبغي أن تبنى الخيارات الفلسطينية المقبلة، ولن تستطيع واشنطن إحباطها.

المصدر: مجلة العودة العدد الـخامس والأربعون