القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تعريفات في القضية الفلسطينية

تعريفات في القضية الفلسطينية

بقلم: عرفات حجازي

لا جدال في أن تاريخ القضية الفلسطينية أصبح مطروقاً ومطروحا بعدة طرق ومن عدة زوايا ولكني على ثقة بأن القضية الفلسطينية لا زالت تحتفظ بكثير من الأسرار، وما بين دفتي هذا الكتاب الأول بعض تلك الأسرار.

لو عرفنا كيف ننشر على الرأي العام هذه الحقائق الثابتة لاستطعنا إقناعه ليس لتأييد حقنا في فلسطين فحسب بل لانتزعنا من الرأي العام العالمي أيضا احتقاره لهذه الدولة اللقيط التي أقاموها على أسس مفضوحة من الغدر والخيانة والتآمر وتدمير القيم الأخلاقية والإنسانية جميعا.

ولعل في محاولة ترجمة "سلسلة التوعية الفلسطينية" إلى اللغات الحية تحقيق لما نرجوه من إعلان الحقائق وكشف الأستار وفضح أكبر مؤامرة عرفها التاريخ تحت اسم "الصهيونية".

الحاج أمين الحسيني

وهنا لا بد أن أشير إلى سماحة القائد الفلسطيني الخالد الحاج أمين الحسيني الذي كان أول من أتصل بي وطالبني بترجمة هذه الكتب إلى اللغات الأجنبية وأعرب عن استعداده لدعم هذا المشروع مادياً وسياسياً في الوقت الذي قام غيره من القادة بمساعدة شرطية للاستيلاء على ارض كنت امتلكها في أريحا ويمنعني من الحق العودة وهذا الفارق في القيادة هو الذي أوصل القضية الفلسطينية إلى هذا التردي الذي تعانيه والذي نعانيه.

أما سلسلة الكتب التي أصدرتها في حينه بالعربية فهي: قصة الحركة الصهيونية وبلفور والمؤامرة التاريخية والانتداب الانتداب البريطاني والصهيونية قبل العدوان وبعده 15و أيار عام النكبة وفلسطين أرض الثورات والفدائيات والفدائيون ودير ياسين وجذور الإرهاب الصهيوني وتهويد مدينة الخليل والعبور إلى مدينة القدس ما عدا كتاب واحد صدر باللغة الانكليزية وهو "الإرهاب الصهيوني والسيطرة على القرار الدولي".

وعندما نريد تدقيق النظر في الواقع المؤلم الذي انتهت إليه قضية فلسطين اليوم لابد لنا من أن نتساءل: "هل وجود دولة (إسرائيل) في قسم محتل من أرضنا جاء بدوافع دينية ومقدسة وعلى أساس أن فلسطين هي ارض الميعاد أم إنها جاءت بواسطة عصابات كانت على الغدر والنهب والقتل والتدمير؟.

إن تاريخ الحركة الصهيونية يعطي جواباً صريحاً بالنفي ويقطع بأن الصهيونية هي التي قامت بحركتها "العنصرية" واستغلت "الدين" أبشع استغلال لتحقيق أهدافها.. أما رجال الدين من اليهود فإنهم كانوا من غلاة أعداء الصهيونية وقد حاربوها في أول نشأتها وعارضوا خطة الصهيونية في تحويل أرض السلام إلى ساحات تسيل فيها الدماء ويخيم عليها الذعر والبغض والحرب بل وأكثر من ذلك أن الصهيونية في نشأتها لم تكن تستهدف فلسطين وحتى مؤسس "الدولة اليهودية" هيرتزل عارض بادىء ذي بدء إثارة المتاعب في ارض مسكونة.

عقيدة اليهودي؟

ولا بد قبل أن نتحدث عن ذلك أن نعطي تعريفاً دقيقاً لشخصية اليهودي وهذا التعريف لا نقدمه بدافع من حقد ولا بدافع من عداوة أو تحامل بل هو تعريف اتفق فيه على تحديد شخصية "اليهودي" بأقلام اليهود أنفسهم.

فاليهودي في أي بلد في العالم له نفسية غامضة ومعقدة وينطوي في شؤونه الخاصة على نفسه وهو إلى ذلك حاد الذكاء وعميق التفكير يميل إلى استغلال ذلك في التأمر والخيانة وله نزعات مادية وأنانية ويمتاز بالجبن والمكر والخداع وضعف الأخلاق،،.

وهذه النفسية الغريبة الشاذة اكتملت تحت تأثير عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة باختلاف البلاد والبيئات التي يعيش فيها وقد جاءت هذه "التركيبة" بفعل المعاملة القاسية التي كان يلقاها اليهودي من سكان البلاد التي يعيش فيها، ولعل هذه الصفات الشاذة التي اكتملت في الشخصية اليهودية هيأتها لتمثيل دور الخيانة في كل مجتمع عاشت فيه مما أثار عليها الأحقاد والكراهية وبالتالي الاضطهاد والحرمان في كل البلاد التي يعيشون فيها..

ففي القرن الثامن عشر مثلاً برزت هذه الشخصية البشعة في يهود شرقي أوروبا وكان دور كل يهودي في تلك البلاد أن يكون محتكراً للتجارة متسلطاً على موارد الرزق ومتعاوناً مع أعداء البلاد التي يعيش فيها فقامت في عام 1880 أولى عمليات التأديب لليهود في كل من روسيا ورومانيا وأنزلت بهم السلطات الحاكمة في ذلك الحين أقسى أنواع الاضطهاد والعذاب مما حمل اليهود على الفرار من شرقي أوروبا إلى الشرق وخاصة إلى فلسطين التي كانت السلطات الإسلامية فيها تعطف على المضطهدين الذين يلجأون إليها ليعيشوا بسلام في حمى الرسالات والأديان وخلال ثلاثة أعوام بلغ عدد الذين فروا من الاضطهاد الروسي والروماني وأقاموا في فلسطين 37 ألف يهودي..

وكانت "الفكرة الصهيونية" حتى ذلك الحين غير متبلورة فعلا في عقول أصحابها وكان بعضهم ينادي بإقامة دولة لليهود في أي مكان في العالم تخلصاً من الاضطهاد والاحتقار الذي يلقاه اليهودي وكان البعض الآخر يحاول استغلال "الدين" في دعوة صريحة أن تكون "فلسطين" هي أرض التجمع على أساس إنها "ارض الميعاد".

مؤامرات ضد القضية

وهنا بدأت مؤامرات الدول الكبرى لاستغلال ذكاء اليهود وقابليتهم للخيانة فكانت أول محاولة استعمارية من نابليون بونابرت الذي اصدر بياناً يدعو للخيانة فكانت أول محاولة استعمارية من نابليون بونابرت الذي أصدر بياناً عام 1799 وهو في مصر دعا فيه يهود أسيا وإفريقيا إلى مساعدته وتأييده والانخراط في جيوشه ووعدهم بعد تحقيق النصر له أن يقيم لهم دولة في فلسطين إلا أن قيادة اليهود قررت عدم زج أنفسهم في مشاكل جديدة هم في غنى عنها.

وقامت المحاولة الاستعمارية الثانية من السير مورس مونتفيوري الانكليزي الذي وعد اليهود بإقامة دولة لهم في فلسطين إذا ساروا في ركب بريطانيا وفعلاً قام هذا البريطاني بمقابلة إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا عام 1827 في القاهرة إلا أنه لم يجد هو الأخر حماساً من اليهود كما وجد معارضة من إبراهيم باشا.

وفي هذه الأجواء نشطت بعض الفئات المشردة المتهورة من اليهود إلى الدعوة لإقامة الدولة في فلسطين على أساس أنها أرض الميعاد وقد نشطت هذه الدعاوي بفعل ما بلغه الاضطهاد الذي أخذ يتفاقم على اليهود في كل مكان.

ففي روسيا صدر "النظام الخاص باليهود" الذي حرمهم من الإقامة الدائمة والعمل بحرية في غير أماكن أطلق عليها "مناطق الإقامة" وقد حددت مناطق الإقامة في المقاطعات الغربية فقط كما حرموا من العمل في مشاريع الدولة ووظائفها وأما في بولونيا فقد صدرت فيها عدة قوانين تمنع اليهود من عقد المقاولات مع الدولة والتزام تعهداتها وقد فرضت عليهم ضريبة خاصة أطلق عليها "ضريبة الرؤوس"،.

أما في انكلترا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا فكانوا محاصرين أيضاً في سلسلة من القيود لا تختلف كثيراً عن هذه أو تلك.

وبقيت حالهم في هذا البؤس إلى ما بعد نشوب الثورتين الفرنسية والأمريكية في أواخر القرن الثامن عشر فصدرت عدة تشاريع لمصلحتهم ولمساواتهم بسكان أوروبا وأميركا وشمال أفريقيا ولم يرفض معاملة اليهود بالمساواة غير روسيا وبولونيا ورومانيا وذلك بسبب استفحال شر اليهود في بلادهم وعلى هذا بقيت مشكلة اضطهاد اليهود قائمة في أذهان اليهود وتحتاج إلى حل لأن سكان هذه الأقطار الثلاثة تستوعب ما يزيد على نصف يهود العالم.

هكذا كان يعيش اليهود في أوروبا في مجتمعات تنظر إليهم بالاحتقار والكراهية وهذه النظرات إليهم وهذه المعاملة القاسية والأنظمة والقوانين التي حرمتهم بل وجردتهم من إنسانيتهم زادت فيهم عوامل البحث عن حل للخروج من مأساتهم وبقي مفكروهم في حيرة من أمرهم إلى أن تفجرت الثورة الفرنسية فكانت لهم شعاعاً وأملا في أن بمقدورهم أن يعملوا وأن يثوروا ولو على أشلاء غيرهم لتحقيق الاستقرار لهم ورفع الطغيان عنهم.. وازدادت دعوة مفكريهم بأن الحل هو إقامة دولتهم في فلسطين وعلى هذه الدعوة بدأ شتاتهم يلتقي وأخذت جموع مفكريهم تتنادى لعقد مؤتمر لهم في "ميونيخ" بألمانيا لبحث "دستور صهيون" الذي يحمل لهم وسائل عودة بناء "دولة (إسرائيل) وجاء الإصرار على هذا المؤتمر لما تبين لليهود بأن الدول التي عطفت عليهم ومنحتهم المساواة عادت تفرض عليهم قيوداً تحد من حريتهم خصوصاً أميركا التي أصدرت في عام 1891 قيوداً صارمة على هجرة اليهود إليها بعد أن تدفقت سيولهم إليها وكذلك بريطانيا التي أغلقت أبوابها نهائياً في وجه أية هجرة "بعد إن استوعبت كفايتها".

وقام الصحفي اليهودي تيودور هيرتزل الذي نشط في إقناع قادة اليهود بوجوب إقامة دولة لهم في فلسطين بتوجيه الدعوة لممثلي اليهود في العالم لإقامة أول مؤتمر لهم في مدينه ميونيخ بألمانيا لإعلان "ارض الميعاد" بأنها دولة صهيون ولتنظيم العمل من اجل إقامتها.. إلا أن الهيئات الدينية اليهودية في جميع العالم تقريبا رفضت الدعوة بل وحاربتها حتى إن جميع يهود ميونيخ قاموا بمظاهرات طالبوا السلطات بمنع إقامة "الصهيونية" العنصرية التي تريد أن تعالج قضية اضطهاد اليهود باضطهاد الشعوب الآمنة التي تعيش في الأراضي المقدسة.

وفعلا نجحت الهيئات الدينية في مقاومتها ومنعت هيرتزل وجماعته من عقد المؤتمر الصهيوني. وعلى الأثر اصدر حاخامو بريطانيا وحاخامو الولايات المتحدة بيانات نشرت في الصحف جاء فيها لم نعد نعتبر أنفسنا أمة وإنما طائفة دينية ولذا فنحن لا نتوقع أية عودة إلى فلسطين.

تجمع الحاخامات

أما حاخامو فرنسا وألمانيا فقد أعلنوا تبرؤهم من الصهيونية ودعوتها وعلى أثر المعارضة الكبيرة التي وقفت في وجه هرتزل من قبل رجال الدين اليهود كاد يلتوى عن مقاصده وأهدافه إلا أنه تصادف في ذلك العام أن جرت الانتخابات في فيينا وفشل فيها جميع المرشحين اليهود فأثارت هذه النتيجة هرتزل فعاود السعي والمساعي وهو يقنع اليهود بأنه لم يعد لهم مقام في أوروبا وإن سكان البلاد الأصليين لا يستسيغون عًشرة اليهود والعيش معهم كما أن اليهود فشلوا في الاندماج مع الأوروبيين فأصدر على الأثر كتابه "الدولة اليهودية" الذي نصح فيه أن تكون الدولة خراجية في فلسطين وتحت رقابة السلطان العثماني على أن تكون الأماكن المقدسة بعيدة عن كل تدخل كائناً شأنه ما كان وقد ترك كتابه هذا اثراً عميقاً في نفوس اليهود فوجد من المؤيدين لدعوته وخاصة الزعيمان مكس نوردو و(اسرائيل) ونجفيل اللذان كانا له اكبر عون في إنجاح الدعوة الثانية لإقامة أول مؤتمر صهيوني في سويسرا بدلا من "ميونيخ" وفعلاً تجمع لأول مرة ممثلو 900 جمعية يهودية في مدينة بال بسويسرا عام 1897 يمثلون مليوناً وخمسماية ألف يهودي من شتى أنحاء العالم وكان هذا أول اجتماع لليهود بعد خراب أورشليم.