القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

فلسطينيو لبنان والمرض الذي لا شفاء منه


أرنست خوري *

يعلم حَمَلة وثائق السفر الخاصة باللاجئين الفلسطينيين المولودين في لبنان أن على الصفحة الأولى من الوثيقة التي يسمونها تجاوزاً "جواز سفر" كُتب بخط رفيع: "يُرجى من موظفي حكومة الجمهورية اللبنانية ومن ممثليها في الخارج ومن السلطات الأجنبية المختصة أن يسمحوا لحامل هذه الوثيقة بحرية المرور وأن يقدّموا له كل ما يحتاج إليه من مساعدة ورعاية". مناسبة استذكار ما هو ليس سراً إنما هو قرار السلطات اللبنانية منع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ("فلسطينيو لبنان" تجاوزاً أيضاً)، الموجودين في الخارج، من العودة إلى لبنان على متن طائرات إجلاء اللبنانيين من البلدان الأجنبية، وتأجيل تلك العودة إلى "مراحل لاحقة" لا تاريخ لها، على اعتبار أنهم من فئة "غير اللبنانيين الذين يحق لهم الدخول إلى لبنان" بحسب ما جاء في بيان للأمن العام اللبناني في إطار توضيح قصة منع لاجئ فلسطيني في لبنان، يعمل في دولة الإمارات، من دخول طائرة متجهة من دبي إلى بيروت قبل أيام.

كان الهدف من البيان التوضيحي الرد على مبرر منع الشاب الفلسطيني بحجة أنه يحمل وثيقة (سفر) "مخصصة للزعران" على حد ما نقله اللاجئ عن ضابط في الأمن العام استقبله بهذه القاذورات على متن الطائرة في مطار دبي، قبل أن يطرده منها لأنه ربما يكون "إرهابياً" وفق الرواية إياها. لكن فجأة، كشف البيان، المستور، وهو أن قراراً رسمياً اتخذته الحكومة اللبنانية، حكومة حزب الله ما غيرها، وينفذه جهاز الأمن العام اللبناني، يمنع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان بصورة قانونية، من الدخول إلى هذا البلد "حالياً"، ربما إلى حين الانتهاء من إجراءات طوارئ كورونا التي ربما لن تنتهي. ليست المنافسة هنا بين أيهما يكون أفظع: السفالة المنسوبة إلى الضابط الأمني والتي تعبر عن رأي شريحة من اللبنانيين، من كل الطوائف، بالفلسطينيين، أم قرار السلطة السياسية بكسر قاعدة عمرها من عمر اللجوء الفلسطيني في لبنان، وهي مساواة الفلسطيني المقيم في هذا البلد، بالمواطن اللبناني لنواحي الإقامة والخروج من البلد والدخول إليه. فالفلسطيني الذي يحمل بطاقة اللاجئ (يسميها الفلسطينيون الملحفة الزرقاء نظراً لكبر حجمها وبشاعتها وهي لا تزال تُكتب بخط اليد طبعاً) والذي استحصل على وثيقة سفر صادرة عن الجمهورية اللبنانية، لا يحتاج لبطاقة إقامة في لبنان، مثلما أنه لا يحتاج إلى الاستحصال على تأشيرة دخول إلى البلد كلما غادره وأراد العودة إليه.

المصيبة الأولى تبقى فردية وَعَد الجهاز الأمني اللبناني بالتحقيق فيها وبمحاسبة من تفوّه بها، لكن الثانية، أي منع الفلسطينيين "في هذه المرحلة" من دخول لبنان، فهي تندرج في خانة فعل كل ما يمكن فعله في سبيل تطفيش من تبقى من فلسطينيين مقيمين في لبنان (هم فقط 174 ألفاً حسب إحصائيات عام 2017)، بعدما استفاد لبنان من المتمولين منهم ومن الكوادر التي كان يفتقدها أكبر استفادة، وبعدما نال متمولون منهم الجنسية اللبنانية بما يفيد التوازنات الطائفية والسياسية اللبنانية المعلومة. قرار السلطات اللبنانية صدر بحجة حالة الطوارئ التي لا تتيح إلا مقاعد محدودة على متن الطائرات لمن يريدون العودة إلى لبنان.

ومن يملك وقت فراغ ومن كان ميالاً إلى القصص المثيرة للغثيان عموماً، أمكنه متابعة قصص صحافية محلية تشرح كيف أن مقاعد الطائرات للعائدين إلى لبنان هرباً من كورونا في المهجر، ليست سوى جزء من الفساد الطائفي، إذ يتم توزيع مقاعد العائدين من أوروبا وأميركا وأفريقيا ودول الخليج وفق حصص طائفية، وكأن الطوائف تلك تقدم تذاكر السفر مجاناً، بينما الحقيقة أن أسعارها في السوق السوداء تصل إلى 3 و4 آلاف دولار للتذكرة الواحدة. ا عودة للفلسطيني لا بموجب كوتا طائفية ولا بغيرها. لا عودة له لا إلى فلسطين ولا إلى بلد اللجوء. لكن على الأقل، يمكنه إبقاء رأسه مرفوعاً، لأن اسمه لا يندرج في كوتا طوائف، ولا في علاجات أمراض لا شفاء منها.

* مدير تحرير "العربي الجديد اللندنية"

المصدر: العربي الجديد اللندنية