القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

للمترددين نقول: اعترفوا بدولة فلسطين

للمترددين نقول: اعترفوا بدولة فلسطين

نواف سلام

في غياب إعلان الرباعية الدولية قواعد مفاوضات السلام في الشرق الاوسط، وهو الإعلان الذي طال انتظاره، فقد رحب القادة العرب بمن فيهم الفلسطينيون بالخطوط العريضة التي حدّدها الرئيس باراك اوباما في ايار الماضي باعتبارها عناصر بناءة. وفيما هم يواصلون دعمهم لفكرة انعقاد مؤتمر دولي للشرق الاوسط في موسكو، فإنهم رحبوا ايضا بالمبادرة الفرنسية الاخيرة لاستضافة مؤتمر دولي آخر في باريس.

لكن هذا الموقف العربي قوبل مرة جديدة بتكرار بنيامين نتنياهو لاءاته الاربع المدوية:

- لا تجميد للاستيطان

- لا عودة إلى حدود 1967

- لا تفاوض على مستقبل وضع القدس

- لا حق عودة للاجئين الفلسطينيين

بيد ان الفلسطينيين متهمون بالسعي إلى الحصول من الامم المتحدة على اعتراف بدولة فلسطين وقبولها عضواً في هذه المنظمة كبديل من المفاوضات. والواقع ان هذه المفاوضات اضحت معدومة الوجود منذ ايلول الماضي عندما رفضت الحكومة الاسرائيلية تجديد تجميد الاستيطان، علماً انه لم يكن سوى تجميد جزئي. واكثر من ذلك، فإنه في ظل لاءات نتنياهو الاربع التي تقوض بوضوح اي نتيجة ذات معنى للمفاوضات، فإن مثل هذه المفاوضات لا يمكن ان تكون، في احسن الاحوال، سوى جولة جديدة من المباحثات العقيمة.

رغم كل هذا، بل في ما يبدو محاولة لاجتراح الامل، أعاد الرئيس محمود عباس قبل ايام، في موقف يستحق الثناء، التأكيد على ان خيار المفاوضات لا يزال يتقدم اي خيار آخر بالنسبة إلى الفلسطينيين بما في ذلك اللجوء إلى الامم المتحدة. والرئيس عباس محق حيث انه لا يمكن بلوغ تسوية شاملة من دون مفاوضات حقيقية حول قضايا الحل النهائي بما فيها الحدود والامن والمستوطنات والقدس وعودة اللاجئين والمياه. لكن تجدر الاشارة هنا إلى ان مسألة انشاء الدولة لم تكن يوما بين هذه المسائل اصلا. وسبب ذلك بسيط: انشاء الدولة ليس الا صيغة من صيغ تجسيد حق تقرير المصير. وحق تقرير المصير هو بدوره من الحقوق غير القابلة للتصرف للشعوب. والحق غير القابل للتصرف هو بتعريفه حقا لا يمكن التفاوض عليه او التنازل عنه. وفي منظومة الامم المتحدة فإن الجمعية العامة قد كرست حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف بتقرير المصير في قرارها الرقم 3236 عام 1974، وهو ما تعيد تأكيده سنويا قي قراراتها بأكثرية ساحقة.

لكن طالما طرح السؤال حول ما اذا كانت «فلسطين» تفي بالشروط المطلوبة لاعتبارها «دولة».

والجواب حول ما اذا كان اي كيان يدعي انه دولة هو فعلا دولة، يكمن بحسب القانون الدولي بتلبيته متطلبات «الدولة» كما تحددها معاهدة مونتيفيديو لعام 1933.

ان المعيار الاول هو وجود سكان ثابتين. وفي اعتقادنا انه لم يعد هناك من لا يزال يشكك في وجود شعب فلسطيني. فوجود هذا الشعب وحقه غير القابل للتصرف كشعب قد تم الاعتراف بهما من قبل الامم المتحدة منذ وقت طويل.

المعيار الثاني هو وجود ارض محددة. بالنسبة إلى القيادة الفلسطينية، فإن ارض الدولة الفلسطينية تتألف من قطاع غزة والضفة الغربية وهي الارض التي احتلتها اسرائيل عام 1967 والتي يمكن ان تخضع حدودها النهائية لبعض من تعديلات في حال تم التوافق على ذلك بين كل من الفلسطينيين والاسرائيليين. وواقع ان الحدود النهائية لهذه الارض غير مثبّتة بعد، فهذا لا يشكل عائقا امام تلبيتها متطلبات الدولة. ذلك ان دولاً عدة قد شهدت حدودها تغييرات كثيرة او كانت هذه الحدود موضع نزاع - ومنها ما لا يزال كذلك - من دون ان يؤثر هذا على طبيعتها كدول كما اشارت محكمة العدل الدولية بشأن حالات اخرى.

والمعيار الثالث هو وجود حكومة. ويعتبر المجتمع الدولي ان المؤسسات الملائمة ليحكم الفلسطينيون انفسهم قد تحققت. فمكتب المنسق الخاص للامم المتحدة لعملية السلام قد توصل في تقريره إلى لجنة الاتصال الفرعية التي اجتمعت في بروكسيل في 13 نيسان 2011 ان «الوظائف الحكومية» الفلسطينية «باتت الآن تلبي متطلبات الوظائف الحكومية المطلوبة في الدول». وهذا الاستنتاج هو ما اكد عليه ايضا كل من تقريري البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين رفعا إلى اجتماع بروكسيل المذكور.

اما المعيار الرابع والاخير فهو القدرة على اقامة علاقات مع دول اخرى. هذه القدرة مثبتة وواضحة من خلال وجود بعثات وسفارات فلسطينية عاملة في نحو 100 دولة.

ان فلسطين تلبي اذاً المعايير الاربعة لمتطلبات الدولة. لكنها دولة تحت الاحتلال. وواجبنا هو مساعدة الشعب الفلسطيني على انهاء الاحتلال وانجاز الاستقلال.

ولطالما طرح سؤال ايضا حول ما اذا كان السعي الفلسطيني للحصول على اعتراف بالدولة وعلى عضوية في الامم المتحدة ينتهك اتفاقات سابقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

أولاً، ان اساس الدولة الفلسطينية سابق لاي اتفاق فلسطيني - اسرائيلي ولا يمكن بالتالي ان يشكل انتهاكا لها لا منطقيا ولا عمليا. بل ان جذور الدولة الفلسطينية موجودة في الحقيقة في قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرقم 181 لعام 1947 الذي قسّم فلسطين إلى دولتين والذي يوصف في كثير من الاحيان بأنه «شهادة ولادة اسرائيل». وبناء على هذا القرار، اعلنت القيادة الفلسطينية في جلسة استثنائية للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر قيام دولة فلسطين عام 1988، اي خمس سنوات قبل اتفاق اوسلو، وهو اول اتفاق فلسطيني اسرائيلي.

ثانياً، بدل اعتبار تحقيق دولة فلسطين امرا مناقضا لعملية السلام التي بدأت باتفاق اوسلو او متعارضا معها، فإن المجتمع الدولي تبنى حل الدولتين في «خريطة الطريق» وفي قرار مجلس الامن الرقم 1850، وواصل تشجيع الفلسطينيين على تعزيز وتدعيم حكومتهم ومؤسساتهم الوطنية.

ولطالما وصف السعي للحصول على الاعتراف بالدولة بأنه خطوة أحادية.

فهل يمكن اعتبار السعي إلى هذا الاعتراف والعضوية في الامم المتحدة كما تطالب القيادة الفلسطينية وتدعمها في ذلك مجموعة الدول العربية خطوة احادية؟

إن اعطاء المفاعيل القانونية الكاملة داخل منظومة الامم المتحدة لاعتراف اغلبية اعضاء هذه المنظمة بدولة فلسطين لا يمكن اعتباره في اي شكل من الاشكال عملا احاديا متفردا. فهذا ببساطة يعكس الارادة الجماعية لاكثرية الدول الاعضاء في الامم المتحدة والتي بدورها تشكل الهيئة المتعددة الاطراف الابرز في المجتمع الدولي.

لكن الحقيقة ان الافعال الاحادية لا تزال مستمرة على الارض بما لا يهدد معاودة المفاوضات المنتظرة فحسب بل امكانية نجاح حل الدولتين. فمواصلة قوات الاحتلال بناء المستوطنات في الاراضي الفلسطينية المحتلة وتدمير المنازل الفلسطينية وطرد الفلسطينيين من البيوت التي توارثوها أبا عن جد ومصادرة اراضيهم اضافة إلى بناء جدار الفصل المشين، لم يحصل. على حد ما نعلم! ـ بموافقة ضحايا هذه الافعال، بل انها اعمال احادية بامتياز. فهذه هي الافعال الاحادية وغير الشرعية التي يجب ايقافها.

ان السعي إلى الاعتراف بدولة فلسطين ومنحها العضوية الكاملة في الامم المتحدة لا يهدف كما يروج البعض إلى ازالة اسرائيل بل انه يهدف إلى اسقاط الشرعية عن احتلالها المستمر منذ عقود والى اعلاء حق مشروع للفلسطينيين.

لاؤلئك الذين لا يزالون مترددين في دعم سعينا هذا، نقول: لا تلوموا الضحية بل ادعموا سعيها للعيش بكرامة.

ونقول لهم ايضاً: اذا اردتم ان تحصدوا ثمار السلام فعليكم ان تزرعوا بذور العدالة. اعترفوا بدولة فلسطين. ساعدوا هذه الدولة على انجاز الاستقلال.

  • نص كلمة ألقاها مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة في آخر جلسة نقاش عقدت في مجلس الامن حول القضية الفلسطينية

المصدر: جريدة السفير اللبنانية