القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

ماذا عن المخيمات .. أيتها الحكومة - أحمد محي الدين نصار

ماذا عن المخيمات .. أيتها الحكومة

أحمد محي الدين نصار
رئيس الرابطة الإسلامية السنية في لبنان

إن اللاجئ أي لاجئ يعاني آلام متنوعة حتى لو كان يتمتع بكامل حقوقه، والفلسطينيون في لبنان مشكلتهم الكبرى أنهم لاجئون بعيدون عن أرضهم وقراهم ومدنهم. ولو كانت العودة ممكنة للفلسطينيين لتم معالجة جميع المشاكل المتعلقة بمعاناتهم في لبنان، لكن حتى يتحقق ذلك، فإن المطلب الأهم هو متى يعيش هؤلاء بكرامة ويتمتعوا بحقوقهم الإنسانية المنصوص عليها في مختلف المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك بما يؤمن به اللبنانيون أنفسهم في مقدمة الدستور، القانون الأسمى في البلاد. وإذا ما استعرضنا أبرز معالم الوجه الإنساني للمخيمات في لبنان نجدها كالتالي:

أولا: الكثافة السكانية العالية على بقعة جغرافية محدودة، وما تتركه هذه الكثافة من آثار سلبية على علاقات الناس ببعضهم البعض، وما تخلفه من أمراض شتى نتيجة للرطوبة المرتفعة، والتعاطي بين السكان الذي يتسم بالحدة غالبا نتيجة للضغط. ومع تكدس البيوت على بعضها وعدم قدرة المخيمات على استيعاب أو بناء المزيد من المنازل، فإنها باتت غابة من الاسمنت.

ثانيا: التعاطي الأمني مع المخيمات الذي يولد حالة غضب ويأس. فإن تعاطى الحكومات اللبنانية المتعاقبة مع موضوع الفلسطينيين كان من منطلق أمني. فالفلسطيني في المخيم موضع شبهة؛ حواجز للتفتيش والتدقيق على كل مداخل المخيمات، مكعبات اسمنتية وجدار الفصل - كما يسميه سكان المخيم - والذي يُشعر بالعنصرية، فكل ذلك يولد حالة غضب ويأس ونقمة تجاه كل شيء.

قد تقدم الأجهزة الأمنية أسبابا كثيرة لتبرير إجراءاتها، لكن سكان المخيم يدفعون الثمن باهظا لذلك، فسكان المخيم ليسوا كلهم مطلوبين للقضاء اللبناني وللأجهزة الأمنية، وكذلك ليس من المعقول أن تستمر الإجراءات المشددة لفترات طويلة. إن التعاطي الإنساني هو الذي يقضي على ظاهرة التطرف والعنف بشكل مبكر قبل أن تستفحل ويصعب معالجتها، وهو الذي يوجد حالة من الثقة والارتياح تجاه الدولة اللبنانية وأجهزتها.

ثالثا: ملف المطلوبين الذي له انعكاساته الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الخطيرة؛ فالمطلوبون للقضاء اللبناني أو للأجهزة الأمنية لارتكابهم جنحا كإطلاق نار في الهواء، أو تجاوزات مالية، أو مشاكل مع الجيران.. أو اعتبروا أنفسهم مطلوبين بناء على تقارير أمنية بحقهم ربما تكون خاطئة أو ارتكبوا جناية، فاق عددهم المئات، وبين هذا وذاك أصبح المطلوب عبئا اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا على سكان المخيم بشكل عام وعلى البيئة المحيطة، على أهله بشكل خاص الذين يتوجب عليهم تقديم الرعاية الشاملة له من المال والطعام والشراب والمأوى والحماية، وذلك لعدم قدرته على الخروج من المخيم،أو قد يعتمد على رعاية من جهات سياسية يصبح أسيرا لها، أو أنه يصاب باليأس فينتقل من تهمة الجنحة الى الجنايات فيمارس القتل والعنف. ومن المثيرة للجدل أن المتهم الذي يلقى القبض عليه يمر بظروف طويلة يحدث أقرانه وجيرانه عن المعاملة القاسية التي تعرض لها في مراكز التحقيق، مما يترك ذلك انطباعا سلبيا جدا يجعل المطلوبين يترددون ألف مرة إذا فكروا أن يسلموا أنفسهم للأجهزة الأمنية. ويطالب الفلسطينيون وبعض الفعاليات السياسية والاجتماعية اللبنانية بهذا الخصوص أن يمنح المطلوبون عفوا خاصا، أو تتم تسوية لهم يحفظ حق الدولة اللبنانية وأمنها واستقرارها وهيبتها ويعالج مشكلتهم، على غرار تسويات أمنية حصلت سابقا.

رابعا: الواقع الصحي في المخيمات في أسوأ أحواله: ومن أهم التحديات التي تواجه سكان المخيم هو ارتفاع حاجات الناس الطبية وكثرة الأمراض، وكذلك تداخل شبكة مياه الشرب مع شبكة الصرف الصحي. كما أن المريض في المخيم شأنه شأن كل المرضى الفلسطينيين يضطر لأن يسلك طريقا صعبا للوصول الى هدفه بإجراء عملية جراحية، خصوصا إذا كانت غير مشمولة من قبل الأنروا - وما أقل العمليات التي تغطيها الأنروا- عندها يطرق أبواب الجمعيات الخيرية، والمساجد وفاعلي الخير، وأحيانا لا يجد من يساعده.

فضلاً عن أن اكتظاظ المنازل وانعدام الشروط الصحية للبناء يترك أثرا مباشرا على صحة وحياة السكان. ويعتبر العامل الصحي هاجسا حقيقيا يلاحق الفلسطينيين في لبنان.

سادسا: ارتفاع مستويات الفقر في المخيم؛ وذلك لا يخفى عن الزائر لأي مخيم من المخيمات بأن حياة ساكنيه لا تطاق، وأن المعاناة الإنسانية لا يمكن وصفها بكلمات. الفقر الشديد المنتشر بين سكان المخيم يدفع النساء لجمع الخردة فجراً وهن يخفين وجههن خوفا من الظهور، فالحاجة والفاقة دفعتهن لجمع الخردة، اعتقاداً منهن أن حلكة الليل يمكن ان تخفي وجوههن ولكنها – في الوقع – تفضح بكاء الاطفال الجائعين. الأطفال المتسربون من المدراس ينتظرون شاربي تنك البيبسي من الانتهاء ليتصارعوا عليها من اجل بيعها في الخردة. فقراء من مخيم عين الحلوة يذهبون عصرا الى حسبة صيدا القريبة من المخيم للبحث في القمامة عن خضار أو فاكهة يمكن استصلاحها والاستفادة منها. الشباب العاطل عن العمل يتسكعون في الطرقات طولاً وعرضاً لتمضية ساعات النهار الطويلة، الآفاق المسدودة والآمال المقطوعة بأن تتحسن الظروف يوماً ما تجعل حياة الناس مملة وناقمة على كل شيء بانتظار فرصة للخلاص من هذا الوضع الردئ. إن معدلات الفقر المرتفعة بيئة خصبة للانحراف والعنف.

إن التمييز في التعاطي بين اللبنانيين والفلسطينيين ليس له ما يبرره؛ فالمصطلحات الخاصة بالمخيمات كمخيم الإرهابيين، ومخيم الفارين، والمخيم مخازن أسلحة، ومخيم المخلين بالأمن والنظام، وأن معظم الحوادث الأمنية التي حصلت ويمكن أن تحصل لا بد وان يكون المدبرون أو المنفذون قد عاشوا في المخيم، المخيمات جزر أمنية. هذه المصطلحات التي طبعها الإعلام باسم المخيمات لا يجد إمكانية للفكاك منها. مع العلم أن ما توصف به المخيمات موجود في كثير من المناطق اللبنانية سواء عل صعيد المطلوبين الذين لا تستطيع الدولة اللبنانية الوصول إليهم. وإذا كان في المخيم أسلحة، فإن الأحداث الأمنية المتكررة في المناطق اللبنانية هنا وهناك كشفت أن كل لبناني يحمل سلاحا، وكل القوى السياسية تملك سلاحا خفيفا وثقيلا، بل وهناك عشرات اللبنانيين قد قتلوا على أيدي مسلحين لبنانيين، ثم كانت مصالحة واتفاق وانتهى كل شيء.

إن نعمة الأمن والاستقرار مطلب ملح لسكان مخيمات لبنان كما هو مطلب جميع اللبنانيين. وإن المعاملة الإنسانية العادلة مطلب جميع البشر، ومن هنا نتساءل هل ستتعاطى حكومة الرئيس ميقاتي بخصوص الملف الفلسطيني من منطلق إنساني خلافا للحكومات السابقة، ومن دون المزايدات السياسية والحسابات الطائفية والديمغرافية وغيرها من المصطلحات الكثيرة التي توضع عقبة أمام التعاطي مع الفلسطيني كإنسان. إننا نوصي الحكومة اللبنانية أن تراعي الجوانب الإنسانية عند تعاملها مع المخيمات الفلسطينية وأن ترفع الحظر على حقوق الفلسطنيين الإنساني، وتمنحهم هذه الحقوق كلها وعلى رأسها حق العمل والتملك وتشكيل الجمعيات، والعيش بكرامة. ونوصي الحكومة اللبنانية بضرورة التسوية الشاملة لملف المطلوبين كخطوة هامة تتخذها باتجاه تعزيز الاستقرار والأمن الاجتماعي، خصوصا أولئك الذين ارتكبوا جنحا، أسوة بتسويات سابقة، والجميع يترقب. ا.هـ.

المصدر: صيداويات