القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

مخيمات اللجوء بلبنان.. أبنية «مدمرة» ومعيشة «متهالكة»

 مخيمات اللجوء بلبنان.. أبنية «مدمرة» ومعيشة «متهالكة»

عبد الله التركماني

يعاني اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات اللجوء بلبنان، من تدهور غير مسبوق في أوضاعهم التعليمية والصحية والاغاثية والبنى التحتية المدمرة، وسط توجه الحكومة اللبنانية لمنع الإعمار والبناء في هذه المخيمات تحت ذريعة «منع التوطين»، فضلًا عن محاولات وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الـ(أونروا) التنصل من مهامها والتقليص من خدماتها.

ويطالب اللاجئون الدولة اللبنانية بمطالب إنسانية أبرزها: تعديل قانون التملك، والسماح بمزاولة المهن الحرة، والسماح بزيادة مساحة المخيمات لكي تتناسب مع الزيادة المطَّردة لعدد السكان، حرية التنقل، وخصوصاً في مخيمات الجنوب ومخيم نهر البارد، وتغيير الصورة النمطية عن المخيمات وعدم التعاطي معها كبؤر أمنية، وضرورة النظر إليها نظرة إنسانية ومراعاة الخصوصية السياسية لها.

احتجاز جثة!

ويوضح اللاجئ ياسين ياسين أن أوضاع اللاجئين في لبنان تسير من سيئ إلى أسوء بشكل مستمر، مشيرًا إلى أن مشاكلهم تتركز في القطاع الصحي والمعماري.

وقال ياسين الذي يعمل في شركة بناء في مخيم عين الحلوة (3 كم جنوب صيدا) لـ«فلسطين»: «معظم مخيمات لبنان تشتكي من سوء البنية التحية والصحية والطبابة، فالـ(أونروا) لا ترعى مصالح اللاجئين بالشكل المطلوب حتى إنها لا تغطي العمليات الجراحية سوى حجز السرير في المستشفى».

وأضاف: «ومثال على هذا توفي جاري واسمه حسن عويص قبل أيام قليلة في مستشفى حمود في صيدا، ولكن عائلته لا تستطيع حتى الآن إخراج جثته منها، لأن عليهم دفع 8 آلاف دولار أجرة المستشفى».

ولفت إلى أن جميع شرائح اللاجئين يعانون من تدهور أوضاعهم الاجتماعية والحقوقية في المخيمات اللبنانية، مضيفًا: «إن المهندس والطبيب الفلسطيني في مخيمات لبنان لا يحق لها العمل إلا كمساعد للمهندس أو للطبيب».

كما بيّن أن أبرز ما يضيق على اللاجئين في المخيمات هو انتشار الحواجز الأمنية على مداخل المخيمات والتفتيش والتدقيق «وكأننا في أرض عدو».

واتهم ياسين مدير الـ(أونروا) في لبنان سلفاتوري لومباردو، بالفساد المالي والإداري في ظل تراجع خدمات الوكالة الدولية للاجئين، وقال: «لومباردو ومنذ توليه هذا المنصب، رفع رواتب الموظفين بنسبة 60 بالمائة، وعمل على شراء ذمم الموظفين وأصبح من السهل أن يمرر ما يريده على الموظفين، خاصة أنه يجد سهولة لقبول ذلك من قبلهم لأن معظمهم ينتمون إلى حركة فتح التي تتماشى مع سياسة الـ(أونروا)» ـ وفق رأيه.

«لا يطاق»

أما اللاجئة هالة محمد (49 عامًا) وتقطن في مخيم عين الحلوة، تحدثت أيضًا عن الوضع الصحي في المخيمات الفلسطينية في لبنان وتقول: «إن الوضع لم يعد يطاق، لقد بتنا نعاني من أوضاع صحية مزمنة مع عدم قدرتنا على تأمين العلاج اللازم لأطفالنا وأهلنا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة».

وأوضحت أن المعالجات الحكومية اللبنانية لأوضاع اللاجئين «خجولة جداً»، وأن هناك تراجعاً دولياً خطيراً في تقديم المساعدات للاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وأكدت أن اللاجئ الفلسطيني في لبنان يمنع من العمل بموجب القرار 289/1 لسنة 1982، ومن التملك بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء في 31/3/2001، في حين يعانون من تردي أوضاعهم الصحية باستمرار.

ونوهت إلى أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة لا تمارس أي دور في إدارة شئون المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وبذلك ليس للوزارات أو المؤسسات أو البلديات اللبنانية أي دور تجاه الشئون الحياتية أو اليومية للفلسطينيين، «باستثناء الدور الرسمي الذي تمارسه الحكومة اللبنانية لجهة تسجيل اللاجئين ومنحهم بطاقات هوية ووثائق سفر، وخضوع الفلسطينيين للقوانين اللبنانية من أصول محاكمات وأحوال مدنية وتجارية».

وبيّنت اللاجئة محمد أن الحكومة اللبنانية اتخذت مجموعة من القرارات التي تنتقص من حقوق اللاجئين، لتصبح سارية قوانين: منع التملك، والحرمان من الإرث، وحرمان الفلسطيني من العمل في أكثر من 70 مهنة، ومن حقوقه المدنية، مثل الانتساب إلى نقابات أو جمعيات، ما فاقم معاناتهم وزاد مشاكلهم.

جهل القيادات

أما نسيم عواد من مخيم نهر البارد المدمر (38 عامًا) فيرى أن المخيمات الفلسطينية في لبنان عانت منذ تأسيسها من جهل القيادات الفلسطينية في منظمة التحرير الفلسطينية داخلها، بسبب عدم اهتمامها باللاجئين بالدرجة الأولى، ما خلق حالة من البؤس في أجواء المخيمات الفلسطينية.

وبخصوص تعامل الحكومة اللبنانية مع اللاجئين الفلسطينيين، يجد عواد أنها تمارس عنصرية ضد اللاجئين بسبب عدم مساواتهم في الحقوق الأساسية مع مواطنيها، في حرية التنقل والعمل وتحسين الوضع الصحي والمعماري والبنى التحتية، وأضاف: «نحن في دولة عنصرية حقًا».

كما ألقى عواد تهم التقصير والإهمال على الـ(أونروا) وقال: «إنها أصبحت تحتوي على عصابات مافيا، ولم تعد تقدم الخدمات للاجئين، بل بات مسئولوها من الصف الأول منشغلين بالسرقة ونهب أموالنا من الدول المانحة».

وأضاف: «إن ممارسات الـ(أونروا) الأخيرة كشفت الغطاء عنها وأظهرت دولة منشأها فهي صناعة أمريكية وإسرائيلية وتعمل على تصفية القضية الفلسطينية، وتحديدًا حق عودة اللاجئين».

حالة فريدة

من ناحيته، يقول المدير العام لمنظمة «ثابت» لحق العودة في لبنان عليّ هويدي: «إن حالتنا نحن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان فريدة من نوعها تختلف عن باقي أماكن وجود اللاجئين في الأقطار الخمسة التي تشرف عليها الـ(أونروا)، فنحن محرومون من الحقوق المدنية والاجتماعية، كما أن هناك مشكلة حقيقية في التوزيع الجغرافي للاجئين في هذه المخيمات.

وأوضح لـ«فلسطين» قائلاً: «أن الدولة اللبنانية تمارس علينا سياسة التمييز المزدوج، إذ تعاملنا كأجانب أولاً وهذا مخالف لقوانين حقوق الإنسان، والتمييز الآخر بأنها لا تعاملنا معاملة باقي الأجانب، فنحن نعاني من مشاكل اجتماعية وأمنية وصحية وتربوية نفسية».

وبحسب مدير منظمة «ثابت» لحق العودة فان نسبة البطالة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين فاقت 60%، فيما وصلت نسبة الأمية إلى 25%، وبلغت نسبة الازدحام السكاني 33%، مشيراً إلى أن عدد اللاجئين في لبنان في بدايات النكبة كان 126 ألفًا ووصل الآن إلى 430 ألفًا، لا يزالون يقيمون في نفس مساحة المخيمات المتعارف عليها من قبل الدولة اللبنانية.

كما بيّن أن نسبة التسرب المدرسي وصلت إلى 18%، فيما كان ولا يزال المعدل الوسطي لبيوت المخيمات تحوي 2,2 غرفة للمنزل الواحد قائماً على مساحة لا تتجاوز 4 أمتار مربعة يقطنها 6,5 أشخاص.

ونوه إلى أن ما نسبته 35% من أطفال مخيم «شاتيلا» يعانون من قصر النظر، بسبب الرطوبة والظلام والانقطاع الدائم للكهرباء، وأضاف: «وهل تعلم أن الضحية رقم 19 من مخيم برج البراجنة قد توفي بصعقة كهربائية فقط قبل حوالي شهر نتيجة تداخل أنابيب المياه مع أسلاك الكهرباء بسبب انعدام البنية التحتية».

وأضاف مستهجنًا: «وهل تعلم أن أعلى معدل لأمراض الثلاسيميا في لبنان موجود في مخيم البرج الشمالي، ففيه حوالي 70 حالة، وهل تعلم أيضًا أن هناك حوالي 4 ألاف لاجئ فلسطيني من فاقدي الأوراق الثبوتية ممنوعون من التنقل إلى خارج المخيم ومحظور عليهم التعليم والاستشفاء والزواج، وأن 36% من اللاجئين لا يتمكنون من الحصول على أي مورد رزق».

انتكاسة كبيرة

بدوره، يقول الإعلامي الفلسطيني في لبنان سيف موعد: «على الرغم من أن المنظمة الدولية قدمت خدمات شبه حكومية ومنتظمة للاجئين الفلسطينيين، حتى عام 1982 حيث بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان، لتبدأ مرحلة جديدة من التقطير التدريجي إلى عام 1993»، «حيث شهد الوضع الفلسطيني انتكاسة كبيرة نتيجة توقيع اتفاقية أوسلو، الأمر الذي زاد من التدابير التقشفية التي قامت بها الـ(أونروا) وانعكست على نوعية وحجم ومستوى خدماتها».

ولفت إلى أن وكالة الـ(أونروا) تشهد تراجعات ملحوظة باتت هي السمة العامة في برامج الوكالة, في مختلف مواقع وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عمليات الوكالة الخمسة المعروفة، مشيرًا إلى أن ذلك يعود لعدة أسباب، أبرزها سعي الولايات المتحدة لإنهاء عمل الوكالة، وإلقاء مهامها على الدول المضيفة للاجئين (سوريا، لبنان، الأردن) إضافة للسلطة الفلسطينية.

وأوضح أنه رغم المظاهرات التي دعت لتحسين أوضاع اللاجئين، «إلا أن الأمور بقيت على ما هي عليه في بعض الأمكنة وبعض المواضيع، بل وازدادت سوءاً في أماكن ومواضيع أخرى».

ولأنه لا يمكن فصل الوضع التعليمي عن مجمل التطورات التي لحقت بالمجتمع الفلسطيني، وبرغم أن الإقبال على التعليم كان في مستويات جيدة، إلا أن عوامل عدة أدت إلى تراجع هذه المستويات، منها الحروب إلى جانب تقليص وكالة الـ(أونروا) لخدماتها وتراجع مستوى التعليم المتوافر في مدارسها.

وقال موعد: «بالنسبة للواقع التعليمي الراهن لهؤلاء اللاجئين، هناك 87 مدرسة للاجئين في لبنان يدرس فيها نحو 39 ألف طالب وطالبة، مقارنة بـ118 مدرسة في سوريا يرتادها نحو 64 ألفًا».

وبيّن أن تدني خدمات الـ(أونروا) التعليمية، تبدأ بسياسة التوظيف، والأبنية المدرسية ولوازم التعليم والضغوط والإهمال، مرورًا بانعكاسات السياسة التعليمية للـ(أونروا) على نسب الرسوب والتسرب المدرسي والأمية، ومسألة التعليم ما بعد الثانوي، وليس انتهاءً بالتعليم الجامعي ومشكلاته.

أما على المستوى السياسي، أوضح أنه لا يوجد مرجعية سياسية موحدة للفلسطينيين في لبنان، على أن وجودها يعد مهمًا لجهة التعاطي مع الدولة اللبنانية والحوار معها، وقال: «إن إجراء انتخابات في المخيمات الفلسطينية لاختيار ممثلين لهم أمر مهم جدًا يتيح القدرة على مواجهة كل التحديات التي تعصف بالفلسطينيين في لبنان.

هروب من المسئوليات

من جهته، رأي الكاتب الفلسطيني في لبنان سمير أحمد، أن ما يجري اليوم داخل مؤسسة الـ(أونروا) هو «هروب من المسئوليات ضمن برنامج ممنهج لتقليص الخدمات، وتفريغ المؤسسات من جوهرها، وبالتالي تقويضها وترك اللاجئين في مهب الريح».

وبيّن لـ«فلسطين» أن تراجع الخدمات كان «سياسة دولية مدروسة تستهدف استكمال أهداف العدوان الإسرائيلي على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولاسيما استثمار مجزرة صبرا وشاتيلا لدفع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين لترك لبنان واللجوء إلى المنافي البعيدة»، لافتًا إلى أن غياب المرجعية الفلسطينية ساهم في تأزيم أوضاع اللاجئين إلى مستويات كارثية في كثير من الأحيان.

المصدر: جريدة فلسطين - غزة