القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

منتديات اللاجئين على الإنترنت.. مخيمات «رقمية» تتحوّل جسوراً للتواصل في الشتات - عمر وهبه

منتديات اللاجئين الفلسطينيين على الإنترنت
مخيمات «رقمية» تتحوّل جسوراً للتواصل في الشتات

ساهم الانتشار السريع والواسع للإنترنت في السنوات الأخيرة بنقل الحياة الاجتماعية من الواقع الى شبكته شيئاً فشيئاً، ومعه انتقلت يوميات اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان إليه. وأُنشئ العديد من المواقع والمنتديات بأسماء مخيمات، لتكون فسحة تحمل أخباراً ومقالات وصوراً لهذا المخيم أو ذاك ولأبنائه الذين يتفاعلون على الصفحات الإلكترونية عبر مناقشات وتعليقات على المواضيع المنشورة.

البداية كانت مع مخيم نهر البارد عام 2001، عندما أطلقت جمعية «النجدة» موقعاً إلكترونياً خاصاً بالمخيم ضمن مشروع «عبر الحدود»، لكنه توقف بعد أربعة أعوام. بعد ذلك، بادر بعض الأشخاص في المخيم وآخرون مقيمون في الإمارات إلى تكرار التجربة وإطلاق موقع بسبب شح المعلومات المتداولة والحاجة للاطمئنان الى أوضاع أهاليهم وأخبار مخيمهم.

تبعه إطلاق موقع خاص بمخيم البداوي، وأصبح لمخيم عين الحلوة في مدينة صيدا موقعه الإلكتروني الخاص وآخر لمخيم البرج الشمالي. وتطور الأمر إلى إنشاء رابطة المواقع التفاعلية لفلسطينيي الشتات لتوسيع رقعة العمل وتجميع الجهود، وهي تضم غالبية المواقع الخاصة بالمخيمات باستثناء بعض الـمواقع التي يطغى عليها الطابع الشخصي.

ويشعر المتصفح لتلك المواقع بأنه يعيش أجواء المخيم ويلتقي أبناءه لحظة بلحظة، سواء من أخبارهم أم من خلال المواضيع الاجتماعية المتداولة والصور التواصلية المنشورة داخله. يقول محمد القصقوص مدير موقع ومنتدى «نهر البارد»، إن «الهدف من تأسيسه نـقل أخبار المخيم بسـبـب تجـاهل المؤسسـات الإعـلامـية لأوضاع أهله وتركيزها على الجانب الأمني، وأن يكون جسر تواصل بين أبنائه في المخيم وخارجه، ونـشر الثقافة الـوطـنية والـوعي الديـني بين رواد الموقع».

ويضيف القصقوص أن الموقع نجح في استقطاب أبناء المخيم المغتربين الذين يُعدّون من الزوار الأساسيين للموقع، لأن المشرفين عليه عُنيوا بأخبارهم ونشر صورهم ليطلع عليها ذووهم وتكون في متناولهم.

وتحتوي المواقع على أخبار المخيم السياسية والاجتماعية والنشاطات المقامة في داخله، ويضم أيضاً أقساماً متخصصة لأفراح المخيم تنقل خبر كل من يتزوج أو ينجب طفلاً أو يعقد قرانه ومرفقة بالصور طبعاً، يقابلها قسم «أحزان المخيم» وفيه حالات الوفاة وأخبار المرضى.

واسـتحدث أخـيـراً قـسـم ينـقل أخبار أبناء المخيم القادمين من خارج لبنان. ويـقـول عيسى المقيم في بيروت، أنه علم بقدوم قريب له بعد نشر صورته على المـوقع جالساً أمام بيته في مخيم نهر البارد، فـسارع إلـى لـقائه به بعد غياب دام 4 أعوام.

هذا المـحـتوى يلـخص المشهد اليومي لكل مـخـيم ويــدفـع أبـناءه المقيمين خارجه إلى متابعة أخبار المكان الذي عاشوا فيه، وكـيـف تــسـير حـيـاة أهـلـهـم وأصحابهم. عامر الذي يعمل في الخليج وناصيف الذي يـدرس في تركيا مثالان على الأشخاص الذين يدخلون موقع مخيمهم يومياً للإطلاع على كل المستجدات. ويشاركان في المناقشات التي تدور حول الأخبار المنشورة، كما يرسلان كلمات التهاني لأصحاب الأفراح والتعازي لذوي الفقيد.

ويعتبر مدير موقع نهر البارد ذلك «إنجازاً» بعدما أصبح رابطاً حقيقياً بين أهله ويتميز بالاستقلالية السياسية في تعاطيه مع الأحداث وعدم الانحياز مع طرف ضد آخر في مجتمع يتلوّن بالتعددية الحزبية. فأخبار الفصائل تنشر في شكل موضوعي على رغم أن بعضهم حاول في وقت سابق ضم الموقع إلى صفه وتسويق أفكاره التنظيمية على الزوار الذين يتجاوز عددهم الـ 1700 متصفح يومياً من بينهم 300 عضو من أصل 5000 عضو مسجل لدى الموقع.

ويـشـير القـصوص الذي شـارك أيـضاً في تأسـيس مـنـتـدى ومـوقع آخـر لمخـيـم الـبـداوي وموقع «رابطة فلسطينيي الشتات»، الى أن الفصائل تخضع لقانون اشتراك صارم يهدف إلى الحد من أي مساس بالثوابت الوطنية ومنع نشر أي مواد تؤدي إلى إثارة جرح الانقسام الفلسطيني وتعميقه عبر السماح بالجدال والنقاشات الجارحة.

ومن خلال التفحص الدقيق في المحتوى لمواقع اللاجئين يُلاحظ أن مديري المواقع يمارسون رقابة ذاتية، ويعون مدى خطورة الانزلاق الى دوائر الشبهات أو إفساح المجال لتأجيج الفتنة الداخلية من خلال فضاء الانترنت الذي تنخفض فيه الرقابة الرسمية.

كما يؤكد القيمون على منتديات التواصل أنهم يسعون إلى لفت انتباه متتبعي أخبار المخيمات الى جوانب الحياة الحقيقية والمهمشة، ليروا أنهم شعب «يريد الحياة ويعشقها» وليسوا «بؤراً إرهابية أو خارجة عن القانون كما يحاول البعض تصويرهم».

العمل في هذه المواقع غالباً ما يكون تطوعياً أي من دون مقابل. وهناك مؤسسات دعمت إنشاء بعض المواقع كجمعية «الصمود» التي ساهمت في إنشاء موقع خاص بمخيم «البرج الشمالي». لكن صلب العمل يعتمد في شكل أساسي على العمل التطوعي، حتى إن المشاريع انتقلت الى الأرض عبر إقامة نشاطات ورعاية مسابقات وأعمال ثقافية كان آخرها رسم خريطة تفصيلية لفلسطين تتضمن إحصاء للمجازر والقرى المدمرة ومعلومات أخرى حول النكبة.

وتواجه المواقع والمنتديات عوائق مختلفة تـحـول دون نـشـر رسالـتها، وفي طليعتها انتشار «أمـيـة الكومـبـيـوتـر والإنـتـرنـت» فـي فـئة الـراشـدين والكبار، ويـلـيها عدم تـواجـد الإنـتـرنـت في مـنـازل اللاجـئين كـافة، بسبب تكلفة الاشتراك المرتفعة نسبة الى مدخول الأسـرة والحـاجة لامتلاك الكومبيوتر.

إضافة إلى ذلك، يـشيـر القـصـقـوص إلـى أن الـمـواقـع عـلى رغـم نجاحها، لا تلقى اهـتـمام عـدد لا بأس بـه من مـثـقـفي المخيم بالانترنت الذين يعتبرونه وسـيـلة كمالية وليـست أسـاسية، ملقياً باللوم على «المؤسـسات الثقافية والاجتماعية في المخيم إذ تبدي تعاوناً كبيراً معنا في نقل التحقيقات والأخبار عن نشاطاتها ودورها الاجتماعي أو الثقافي، إلا أنها غير فاعلة في عملية صـناعة الـطرح داخـل المنـتدى أو الموقع».

وتبقى المواقع والمنتديات بحاجة للدعم المادي والتقني على رغم النقلة التي أحدثتها وعكست الحياة اليومية في المخيمات لتصبح مجموعة من المشاهد والصور والكلمات على صفحات الانترنت وفي متناول الجميع.

عمر وهبه – الحياة