القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

وثائق «الجزيرة» عن المفاوضات الفلسطينية الصهيونية تنازلات هائلة في سبيل دولة وهمية

وثائق «الجزيرة» عن المفاوضات الفلسطينية الصهيونية
تنازلات هائلة في سبيل دولة وهمية
ومؤشر على أن الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة

رأفت مرة- بيروت

لم يفاجأ اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بالوثائق التي نشرتها أو بثّتها قناة الجزيرة الفضائية، والمتعلقة بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والتي تتناول النقاشات والحوارات والعروض التي قدّمتها السلطة الفلسطينية للحكومات الإسرائيلية في السنوات التي غطّتها تلك الوثائق من عام 2000 إلى عام 2010، لكن أكثريتها جاءت بين عامي 2008 و2010.

فالوثائق تسجّل المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وتتناول قضايا جوهرية وحساسة، مثل قضايا القدس والأرض والحدود والمستوطنات واللاجئين وخط الانسحاب المعروف باسم خط الرابع من حزيران 1967.

وتتألف الوثائق من 1600 وثيقة، وهنا الأهمية:

1- فالسلطة لا تستطيع أن تدّعي وتقول إن الجزيرة، أو أي طرف آخر، شوّهت أو زوّرت الوثائق.

2- إن الوثائق، كما ظهر، مأخوذة من داخل الفريق الفلسطيني التفاوضي، ومن داخل مكتب صائب عريقات تحديداً.

3- إن هذه الوثائق عُرضت على مختصين وخبراء أكّدوا صحة ما فيها، حيث إن سياقها ومضمونها يتوافق بالكامل مع مسلسل الأحداث وتدرّج الوقائع.

4- إن السلطة الفلسطينية لم تنكر ما جاء في الوثائق، بل ادّعت أن قناة الجزيرة أخرجت بعض العبارات من سياقها العام، ووظفتها بطريقة تخدم أهدافاً سياسية معينة.

خطورة الوثائق

تظهر الوثائق حجم التنازلات التي قدّمتها السلطة في أهم محاور القضية الفلسطينية، وهنا أهم النقاط:

1- قبلت السلطة ببقاء المستوطنات الصهيونية في مدينة القدس الشرقية، ما عدا مستوطنة جبل أبو غنيم التي يسميها الصهاينة «هار حوما».

2- قبلت السلطة بتبادل الأرض بنسبة 1 إلى 50.

3- قبلت السلطة بتمديد خط الرابع من حزيران 1967، وهو المعروف باسم خط الانسحاب أو الخط الأخضر أو الخط الذي يرسم حدود الدولة الفلسطينية، إلى مشارف الحرم القدسي الشريف، أي وسّعت السلطة الحدود الصهيونية.

4- تنازلت السلطة عن الإشراف أو إدارة الحرم القدسي الشريف من ناحية سيادية، لصالح هيئة دولية تشرف على ذلك.

5- تنازلت السلطة عن حق الفلسطينيين المتواجدين في سوريا ولبنان والأردن وباقي الدول في تقرير مصيرهم بناء على أي استفتاء.

حق العودة

لم تكتف السلطة الفلسطينية بهذه التنازلات، بل أقدمت على تنازل آخر، إذ قبلت بعودة خمسين ألف لاجئ فلسطيني إلى الضفة الغربية أو إلى قطاع غزة، وذلك بمعدّل خمسة آلاف لاجئ كل سنة، طوال عشر سنوات.

وهذا يعني أن السلطة الفلسطينية تنازلت عن حق ستة ملايين لاجئ في العودة إلى ديارهم التي هُجروا منها عام 1948، وشطبت حقوق هؤلاء بـ«جرّة قلم»، وتجاهلت معاناتهم، والحرمان والظلم الذي عاشوا فيه طيلة عقود، وتجاهلت التضحيات التي قدّموا طوال 62 عاماً، تحمّلوا خلالها القصف الصهيوني والاعتداءات والمجازر، وقدّموا آلاف الشهداء والأسرى والجرحى.

وهذا التنازل الذي قدّمته السلطة ليس جديداً، إذ هو يتوافق مع كل التنازلات التي أقدمت عليها هذه السلطة في مسائل حق العودة، من وثيقة بيلين – عباس 1995، إلى وثيقة جنيف عام 2004، وما بينهما من اتفاقيات ومحادثات.

ولقد قدّم محمود عباس شخصياً تنازلات خطيرة في مسألة حق العودة، فهو صرّح في أوقات مختلفة أن الفلسطينيين الذين عاشوا في الخليج وأوروبا لن يأتوا إلى فلسطين. وصرّح في لبنان أن حق العودة هو لمائة ألف لاجئ فقط، وهو يعمل على توطين الفلسطينيين في كردستان في العراق، وعرض مرات كثيرة على الحكومات اللبنانية المتعاقبة منح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان جوازات سفر صادرة من سلطته، وبهذا المقترح تسقط عن هؤلاء صفة اللاجئ، ويسقط عنهم حق العودة، وتتخلى الأونروا عن مسؤوليتها عن تقديم الخدمات لهم.

مدلولات التنازلات

دلّت الوثائق التي عرضتها الجزيرة للمفاوضات على التالي:

1- إن هذه السلطة هي أداة بيد الاحتلال، وهي عبارة عن جهاز وُجد ليخدم الاحتلال، ويشرّع بقاءه ووجوده، وليتنازل عن القضية الفلسطينية، وليحمي الاحتلال الإسرائيلي من المقاومة وأجنحتها العسكرية.

2- إن هذه السلطة لا تمتلك استراتيجية تفاوضية، ولا تكتيكات تفاوضية، وهي سلطة جاهلة في أساليب المفاوضات وألاعيبها. وهم قدّموا كل شيء، وتنازلوا عن حقوق الشعب الفلسطيني قبل أن يبدؤوا بإجراء المفاوضات الرسمية، لأن هذه الجلسات كما قالوا هم هي جلسات حوار وتبادل تصورات.

3- إن هؤلاء تخلّوا عن الثوابت، وتنازلوا عن الأسس والمرتكزات التي تقوم عليها القضية الفلسطينية، وهي الأرض والقدس وحق العودة.

4- إن سلطة عباس أثبتت بالدليل الملموس أنها صرفت النضال الفلسطيني عن طبيعته ومساره التاريخي، وأن الأولوية عندها هي لإقامة الدولة، وليس للتخلص من الاحتلال، وهذا ما يجعلها في موقع مناقض لشعبنا ولقواه المقاومة.

من هنا نستنتج أن هذه السلطة لا تمثّل أحداً، فهي لا تمثّل نفسها لأنها أداة للاحتلال، ولا تمثّل منظمة التحرير الفلسطينية، لأن قيادة المنظمة لم تعرف بهذه المناقشات ولم تطلع على هذه الوثائق، ولا تمثّل الفلسطينيين لن الفلسطينيين لاجئين وغير لاجئين لا يفرّطون بحق العودة.

وما جرى في هذه المفاوضات هو فضيحة مدوية للسلطة، قبل أي جهة أخرى، فإذا كانت هذه السلطة قدّمت كل هذه التنازلات، ولم تحصل على شيء، فماذا ستقدّم بعد؟! وكل هذا لم يجلب لها ثقة الإسرائيليين.

وهذه المفاوضات أكدت أن اللغة الوحيدة التي يفهمها الاحتلال هي لغة القوة، أي المقاومة، التي تجبره على الانسحاب والسقوط.