القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

وحدة الشعب الفلسطيني ورمزية يوم الأرض


نبيل السهلي *

يحيي الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده داخل فلسطين التاريخية وفي مناطق الشتات القريبة والبعيدة يوم الاثنين المقبل الثلاثين من آذار/ مارس الجاري الذكرى الرابعة والأربعين (1976-2020) لهبة يوم الأرض الذي أصبح رمزاً لوحدة الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه الوطنية.

اتخذت هبة يوم الأرض في السبت الثلاثين من اذار/ مارس 1976 شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية عارمة في المدن والقرى والبلدات داخل الخط الأخضر رداً على سياسات دولة الاحتلال وفي المقدمة منها مصادرة الأراضي. وقد أعملت خلالها قوات الاحتلال في الفلسطينيين قتلاً وإرهاباً واعتقالا، إذ فتحت النار على المتظاهرين، مما أدى إلى استشهاد ستة فلسطينيين، هم: خديجة شواهنة، رجا أبو ريا، خضر خلايلة من أهالي سخنين، خير أحمد ياسين من قرية عرَّابة، ومحسن طه من قرية كفركنا، ورأفت علي زهدي من قرية نور شمس واستُشهد في قرية الطيبة، هذا إضافة لعشرات الجرحى والمصابين. وبلغ عدد الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الصهيوني أكثر من 300 فلسطينيي.

مصادرة آلاف الدونمات

كان السبب المباشر لهبّة يوم الأرض هو قيام السلطات الصهيونية بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي عرّابة وسخنين ودير حنّا وعرب السواعد وغيرها، لتخصيصها للمستوطنات الصهيونية في سياق مخطّط تهويد الجليل. يشار هنا إلى أن السلطات الصهيونية قد صادرت خلال الأعوام 1948-1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي التي استولت عليها السلطات الصهيونية، بعد سلسلة المجازر المروّعة التي ارتكبها جيش الاحتلال وعمليات الإبعاد القسّري التي مارسها بحق الفلسطينيين عام 1948. فهبّة يوم الأرض ليست وليدة صدفة بل كانت وليدة مجمل الوضع الذي يعانيه الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة منذ عام 1948. وأصبح يوم الأرض مناسبة وطنية فلسطينية وعربية، ورمزاً لوحدة الشعب الفلسطيني في الداخل الفلسطيني والشتات.

احتفظت منطقة الجليل، بأغلبيتها العربية، رغم كل السياسات الصهيونية فهي المكان الذي أمعن فيه الصهاينة في تطبيق سياسة التهويد لمحاولة فرض يهودية الكيان، فأعلنت السلطات الصهيونية في أوائل عام 1975 خطة لتهويد الجليل تحت عنوان: مشروع «تطوير الجليل عام 2020»، وهي الخطة التي تعد من أخطر ما خططت له دولة الاحتلال، إذ اشتملت على تشييد ثماني مدن صناعية في الجليل، مما يتطلب مصادرة 20 ألف دونم من الأراضي العربية، ذلك أن نظرية الاستيطان والتوسع توصي بألا تُقام مظاهر التطوير فوق الأراضي المطورة، وإنما فوق الأراضي البور والمهملة، وهي التسميات التي تُطلق على الأراضي التي يملكها العرب. وفي هذا السياق طبقت السلطات الصهيونية قوانين عدة لعزل الأقلية العربية عن محيطها العربي، كما سيطرت السلطات الصهيونية على القسم الأكبر من أراضي العرب في داخل الخط الأخضر.

ففي حين يشكل العرب (21) في المئة من السكان ، فإنهم لا يستحوذون إلا على (2) في المئة من المساحة التي أنشئت عليها دولة الاحتلال. وقد شكّلت عملية تهويد الجليل ولا تزال هدفاً من أهداف الحركة الصهيونية، فقد حدد بن غوريون هذا الهدف بقوله: «الاستيطان نفسه هو الذي يُقرر ما إذا كان علينا أن نُدافع عن الجليل أم لا». وتبعا لذلك، احتلت العصابات الصهيونية عام 1948 أراضي واسعة من منطقة الجليل، وتمت إقامة 350 مستوطنة فيها، وبرر الصهاينة عملية الاستيلاء على الأراضي بأنها أراضٍ للغائبين، ولم تقتصر عملية التهويد على أراضي الغائبين، وإنما تمت السيطرة المباشرة على «أملاك» حكومة الانتداب البريطاني، وتقدر هذه الأراضي بحوالي ثلاثة ملايين دونم، لكن دولة الاحتلال لم تكتفِ بتلك الأراضي، وإنما امتدت يدها إلى أراضي الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم .

ومنذ عام 1948، أصدرت السلطات الصهيونية قوانين متعددة من أجل شرعنة السيطرة على الأرض الفلسطينية، ومنها: قانون الغائب، وقانون الأراضي البور، والمناطق المغلقة، وبهذا تمكنت السلطات الصهيونية من السيطرة على حوالي مليون دونم من أخصب الأراضي العربية.

سياسات محكمة

وخلال العقد الأخير أصدرت دولة الاحتلال رزمة قوانين للحد من التواصل الديمغرافي العربي بين المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 والمحتلة عام 1967، واعتمدت المؤسسة الصهيونية تنفيذ سياسات محكمة بغرض فرض يهودية الدولة وترسيخها، حيث تمت عملية مبرمجة لتهويد الأماكن التاريخية العربية، ناهيك عن تهويد المقدسات، وفي المقدمة منها المساجد والكنائس. وتركزت عملية التهويد في منطقتيْ الجليل والنقب في شمال وجنوب فلسطين المحتلة، بغية فرض يهودية الدولة على أكبر المناطق مساحة، ويبلغ عدد السكان العرب داخل الخط الأخضر في بداية العام الحالي 2020 نحو مليون وتسعمئة ألف عربي فلسطيني يمثلون 21 في المئة من سكان دولة الاحتلال.

ويبقى القول أن يوم الأرض أصبح يوماً وطنياً فلسطينياً في تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني، حيث يحيي الشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين التاريخية (27009 كيلومترات مربعة) وفي الشتات تلك الذكرى، التي كانت بمثابة منحى جديد لتكريس وحدة الشعب الفلسطيني من أجل الدفاع عن أرض أجداده، والعمل لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم الوحيد فلسطين.

* كاتب فلسطيني مقيم في هولندا