حكم «إيجابي وواعد» إزاء قضايا حرية الرأي والتعبير: المحكمة العسكرية تقرّ ببراءة إسماعيل الشيخ حسن
عمر ابراهيم – السفير
أُقفل «على خير» أمس فصل قاتم في تاريخ الحريات في لبنان، وانتهى نهاية واعدة، مع إعلان محكمة الشمال العسكرية براءة المهندس الناشط اسماعيل الشيخ حسن بعد اتهامه بشتم الجيش اللبناني، وذلك لمجرد انتقاده، علنا، بعض الاجراءات العسكرية التي تتخذ في حق لاجئي مخيم نهر البارد. وتخضع تغطية أحداث المخيم الذي دمر في العام 2007، وأوضاع أهله من النازحين الى مخيمات اللجوء الأخرى في لبنان، الى الكثير من الضغوط المعنوية والرقابة المتمثلة بوجوب الحصول على أذون مسبقة للتمكن من زيارة المخيم.
«براءة لعدم كفاية الدليل» كانت خلاصة الحكم الذي صدر عن المحكمة العسكرية المنفردة في الشمال بحق المهندس إسماعيل الشيخ حسن، الذي كان يواجه حكماً بالسجن لمدة شهر بتهمة «شتم الجيش اللبناني» خلال مشاركته في تظاهرات نهر البارد وفي مقال نشره في «السفير» في 12 أيار 2011 عنوانه «شر البلية ما يضحك؟ دليل القوانين والإجراءات الرسمية في مخيم نهر البارد».
وأبلغ الشيخ حسن بالحكم القاضي المنفرد العسكري في الشمال العميد الركن فريد الخوري، بعدما استمع إلى إفادته بحضور محاميه نزار صاغية، طالبا منه في الوقت ذاته أن «يخفف من حدة كتاباته»، علما أن «السفير» نشرت مقالا ثانيا للشيخ حسن الشهر الماضي يتناول وثيقة مطروحة لتنظيم شؤون المخيم الأمنية والاجتماعية.
وقال صاغية لـ«السفير» إن الحكم «يعّبر عن حساسية إيجابية تجاه أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في نهر البارد من قبل محكمة عسكرية، وهو أمر لافت في عمل محكمة قلما يكون لها قرارات في تكريس حقوق الإنسان».
وكان إسماعيل قد حضر إلى قصر العدل في طرابلس عند التاسعة من صباح أمس برفقة عدد من المتضامنين والناشطين في مجال الدفاع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان، وبناء لدعوى من المحكمة العسكرية في بيروت التي كان أحيل إليها يوم الجمعة الماضي بعدما أمضى يوماً في سجن الأمن العام فور عودته من السفر، حيث أوقف في مطار رفيق الحريري الدولي.
وفي قصر العدل في طرابلس، بدت علامات الاستغراب والاستهجان على وجوه المتضامنين مع الشيخ حسن الذين حضروا من بيروت ومن مخيمات فلسطينية عدة، ولم يخفف منها صدور الحكم الذي طرح في صفوفهم المزيد من التساؤلات التي لم تتوقف عند دور المحكمة العسكرية في النظر بقضايا من مهمة محكمة المطبوعات، باعتبارها تندرج في إطار إعلامي بالدرجة الأولى، فضلا عن حرية الرأي والتعبير.
وعند الثانية من بعد الظهر، أي بعد خمس ساعات من الانتظار، مثل فيــها الناشــط اللبناني أمام القاضي نحو عشر دقائق فقــط، وأمضى ما تبقى من الوقت منتظرا الحكم، خرج الشيخ حسن متحصناً بالبراءة، وانهالت عليه الاتصالات المهنئة وسط حالة فرح عمت المتضامنين معه.
وقال الشيخ حسن لـ«السفير» معربا عن ارتياحه للحكم انه «يوم الخميس الماضي تم توقيفي في المطار بعد عودتي من السفر، ولم أكن قد أبلغت مسبقا بوجود دعوى ضدي، وأمضيت يوما في سجن الأمن العام قبل أن أرحّل إلى المحكمة العسكرية، حيث حددوا لي تاريخ اليوم (أمس) موعدا للنظر في القضية وإصدار الحكم».
أضاف: «التهمة التي كانت تواجهني هي شتم الجيش اللبناني خلال تظاهرات في البارد فضلا عن مقال نشر في «السفير». وتابع: «سألني القاضي خوري إذا كنت قد شتمت الجيش اللبناني خلال التظاهرات، وأبلغني أن مخابرات الجيش أبلغوه بذلك، وهناك بلاغ بهذا الخصوص، ولدى سؤالي عن الجهة التي قدمت البلاغ تبين لي انه غير مذيل بتوقيع احد، وطبعاً أنا نفيت التهمة، وأبلغت القاضي بأن كل ما أقوم به لا يتعدى الحديث عما يجري في مخيم البارد من انتهاكات وعن تأثير الحالة العسكرية والإجراءات الأمنية على حياة اللاجئين».
وقال: «ما يحصل معي لا ينفصل عما يحصل في البارد من توقيفات يتعرض لها الكثيرون بسبب إبداء رأيهم حيال الوضع في المخيم، وأنا حظي جيد لأن الإعلام اهتم بالموضوع. إلا ان هناك أشخاصا يتم توقيفهم يوميا ولا يستطيعون التحدث بسبب ظروف إقامتهم في البارد».
وحول تأثير ما يحصل على مواصلة عمله، قال: «أنا سأستمر ولن أتوقف حتى يحصل مخيم البارد على براءته. ولكن هذه الممارسات قد تدفع البعض إلى إعادة التفكير ملياً قبل القيام بأي عمل».
واعتبر صاغية من جهته أن الحكم «جيد جداً، وإن شاء الله يكون مقدمة لاحترام من يدافع عن حقوق الناس، ويعطي حقا مشروعا لمن تبرعوا في الدفاع عن حقوق أبناء البارد».
بدورها اعتبرت الناشطة فرح قبيسي (عضو في «التجمع اليساري من أجل التغيير») والتي كانت قد أوقفت قبل فترة لدى مخابرات الجيش في منطقة القبة بطرابلس بعد مشاركتها في اعتصام تضامني مع أبناء البارد «ان ما يحصل مع المهندس إسماعيل يجب عدم السكوت عنه، ونحن هنا للتضامن معه ومع حرية التعبير، ولنقول إننا ضد الانتهاكات التي تحصل في البارد».
أضافت: «في البارد هناك الكثير من التشديد ومحاولات من قبل مخابرات الجيش لمنع اللاجئين من التعبير عن موقفهم ومن الدفاع عن حقوقهم، وهذا الأمر يفرض على الحكومة اللبنانية التدخل لحماية حرية الرأي ووضع حد لملاحقة الصحافيين وإنهاء الحالة العسكرية المفروضة في البارد».
وقال الناشط عمرو سعد الدين: «نحن اليوم نتضامن مع إسماعيل دفاعا عن حرية التعبير، لأن ما نشره في «السفير» لم يسئ لأحد، وهذا من حقه وحق آخرين لكي يعبّروا عن رأيهم بحرية، ولكن ما يحصل على الأرض من توقيفات ومضايقات يتنافى مع كل الأصول القانونية».
إشارة إلى أن الشيخ حسن قد ساهم، متطوعا، في إعادة إعمار عيتا الشعب بعد حرب تموز، قبل أن ينتقل للمساهمة في جهود إعادة إعمار البارد مع الحرص على الحفاظ على نسيجه الاجتماعي وحاجات سكانه.