
الإثنين، 23
تشرين الأول، 2023
يُقَلِّبُ
الفلسطيني يوسف الزريعي كفّيه وهو يحبس أنفاسَه بانتظار أن يستطيع الاتصال
بأقربائه في قطاع غزة، ليَطْمَئن عليهم بعد العدوان الإسرائيلي وارتكاب المجازر
بحق المدنيين وهدْم منازلهم بطريقة وحشية لم يسبق لها مثيل.
يوسف،
الذي يقطن مع عائلته في مخيم عين الحلوة (صيدا - الجنوب)، لديه أقرباء كثر في غزة،
منهم جدّه عبدالمرزوق الزريعي وعمّاه ناصر ومنصور، وجميعهم يسكنون في شارع النخيل
في دير البلح جنوب القطاع الذي تعرّض لغارات إسرائيلية دمرت المنازل واعتقد أنهم
قضوا من ضمن الذين هُدّت بيوتُهم فوق رؤوسهم.
ويقول
يوسف لـ «الراي»: «أبي الوحيد الذي نزح من غزة إلى لبنان، وبقيت عائلته بأكملها
هناك، واستمرّ التواصل معها في مختلف الظروف والأحوال. ولكن الوضع اليوم يختلف
تماماً، فالاتصالات الهاتفية صعبة وتكاد تكون مستحيلة، والمَجازر الإسرائيلية
كثيرة وتتنقّل من مكان إلى آخَر، والأهلُ والأقرباء يصرّون على البقاء في منازلهم
من دون النزوح عنها».
ويضيف:
«قبل أيام قصفتْ الطائرات الإسرائيلية شارع النخيل في دير البلح، واعتقدتُ أن
المنزل الذي يقيمون فيه دُمّر. وحاولتُ الاتصال بهم مراراً وتكراراً ولم أُوفَّق
إلا بعد ثلاث ساعات من المحاولات الدائمة. الحمدلله أنهم بخير ولكن الوضعَ صعبٌ
للغاية وخطير وهم يرفضون مغادرة المنزل. يقول جدي عبدالمرزوق لن نكرر النكبة مرة
أخرى، وأكثر من ذلك ليس هناك مكان آمن في القطاع».
ويتابع:
«لقد استشهد جيران جدي وأعمامي بعدما انهار المنزل على رؤوس قاطنيه وتم سحب ثماني
جثث، إسرائيل لا تفرق بين عسكري ومدني، وكل شيء أمامها هدفٌ مشروع، وللأسف المجتمع
الدولي لا يرى إلا بعينٍ واحدة هي عين الاحتلال».
وأجمعت
تقارير المنظمات الحقوقية والدولية والإنسانية على أن ما تقوم به إسرائيل إبادة
جماعية، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة أن 55 عائلة
فلسطينية أبيدت بالكامل في الغارات الإسرائيلية ومُسحت من السجل المدني وتتوقع أن
يكون «الحبل على الجرار».
في
عين الحلوة وصيدا ومخيمات لبنان الأخرى، هناك مئات العائلات الفلسطينية التي لها
أهل أو أقرباء في غزة وكلهم اليوم يعيشون مثل يوسف القلقَ والخوفَ من استهدافهم،
ويحاولون الاتصال بهم يومياً للاطمئنان عليهم، ولكن الحصارَ المفروضَ على القطاع
بات يعقّد الأمور ويجعل التواصل صعباً.
الشاب
جهاد النوري واحد من هؤلاء، يعيش القلق اليومي بعدما وفد من غزة قبل نحو ستة أشهر
من أجل إكمال دراسته في إحدى الجامعات، ولم يكن يدرك أنه سيترك عائلته المؤلّفة من
الوالدين وخمسة أشقاء تحت خطر الموت في ظل تَصاعُد العدوان الإسرائيلي على القطاع.
ويقول
جهاد لـ «الراي»: «عائلتي تقطن في مخيم البريج وقد تعرّض الحي للدمار. وأكثر من
سبعة مبانٍ سُوّيت بالأرض وبيت عائلتي واحد منها»، مشيراً إلى أن «إسرائيل أنذرت
أحد المنازل المجاورة المؤلف من ستة طوابق فتم إخلاؤه ولكنها قصفت المنطقة بكاملها
ومنهم منزلنا، ما أدى إلى سقوط نحو 50 شهيداً».
ويضيف
بحرقةٍ لا تخلو من حَسْرَة: «لقد دُمّر المنزلُ وتَهجرت عائلتي إلى إحدى مدارس
وكالة(الأونروا) في مخيم النصيرات ومازالت تقيم فيها وسط ظروف إنسانية وإغاثية
صعبة للغاية. حتى ماء الشرب انتهى، وتوفيرُ الطعام أمر في غاية الصعوبة. إنه حصار
عسكري وغذائي للمدنيين بلا رحمة».
ويوضح
«كل يوم أحاول الاتصال بالعائلة من أجل الاطمئنان عليها ولكن للأسف الإنترنت مقطوع
وخطوط الهاتف العادية ضعيفة ولا تستجيب في كثير من الأحيان والصوت مشوش»، وقال:
«أعيش القلق والتوتر خوفاً على عائلتي لأن إسرائيل لا تُميِّز ودأبت على ارتكاب
المجازر كما فعلتْ في مستشفى المعمداني وفي إحدى مدارس(الأونروا) وهي تابعة للأمم
المتحدة»، متسائلاً «أين منظمات حقوق الإنسان، أين الأمم المتحدة لتحمي مؤسساتها
والمدنيين وهم أبرياء، لماذا هذا الصمت المطبق؟».
منذ
بدء عملية «طوفان الأقصى» لم تهدأ المخيمات في متابعة الأخبار العاجلة، وأبناؤها
تسمرّوا أمام شاشات التلفزيون لمعرفة التفاصيل وما ترتكبه قوات الاحتلال
الإسرائيلي من مجازر.
ويقول
أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في مخيمات لبنان عبدالمنعم عوض لـ «الراي»، إن
«الشعب الفلسطيني موحّد في الداخل والخارج، ومَن ليس له أهل في غزة له أقرباء أو
أصدقاء أو معارف، ومن الطبيعي أن يبقى على تواصل معهم في ظل العدوان الإسرائيلي
للاطمئنان عليهم»، مشيراً إلى أنه «ليست هناك إحصائية للأعداد ولكن بالتأكيد هم
بالمئات وفي مختلف المخيمات الفلسطينية في لبنان».