آية من غزة: من حقي التعلم وإثبات الوجود
الثلاثاء، 03 نيسان، 2012
صمودنا ليس قصة أو حكاية نرويها لأطفالنا وأحفادنا، بل هي حقيقة لا يختلف عليها اثنان، الحقيقة التي تعجز الحكايا عن تسطير فصولها في كتاب أو حتى مجلدات، لذا من واجبنا أن نسرد جزءً من تفاصيلها هنا في محاولة منا أن نرسم الصورة كما يحبها فنانها، وبريشته هو يمزج فيها ما يشاء من الألوان ويضيف التناقضات التي يهوى.
تستيقظ آية صباحا كأي طفلة صغيرة تستعد للذهاب إلى مدرستها، تغسل وجهها وتمسك فرشاة أسنانها بأصابع قدميها، ثم ترتدي ملابسها وتجهز حقيبتها المدرسية وتهم منطلقة إلى مدرستها.
خلقت آية مسعود ابنة العشرة أعوام بلا يدين وعاشت كمن لهم ذلك، دفعها إصرارها إلى أن تكتب وتأكل بقدميها، وتفتح حقيبتها وكراستها دون مساعدة أحد، بل انها تتوضأ وتصلي، وتغسل الأطباق بنفسها، وقد أوصلها هذا التحدي إلى أن تكون طالبة متميزة في مدرستها، ومحبوبة بين مدرسيها وزميلاتها.
رسالة لكل أطفال العالم
آية بإصرارها الكبير هذا توصِل رسالة إلى كل أطفال فلسطين بل العالم، بأن لا شيء مستحيل وأنها برغم الإعاقة ترفض الرضوخ، إصراراً منها على المثابرة في الدراسة، وتحدي المستحيل، مؤكدة على حقها في الحياة وتحقيق أمالها وطموحاتها المشروعة.
فرحة دائما هكذا عرفناها وهكذا هي بالفعل، فقد قالت لنا وعيناها تشع أملا وحبا للحياة : " أحمد الله على ما أصابني خُلقت بدون يدين، واجهت صعوبات وتحديات في البداية، فأنا بالنهاية إنسانة من حقي أن أعيش كأي طفلة، ومن حقي التعلم وإثبات الوجود، عانيت كثيراً حتى تمكنت من مساعدة نفسي للتأقلم مع وضعي، ولكن قدرة الله سخرت لي موهبة القدرة على أن أقوم بجميع المهام بقدمي ودون مساعدة أحد".
الطفلة مسعود تستعين بقدميها لتمارس حياتها
آية من آيات الله منحها الله لعائلة مسعود، فقد خلقت طفلتهم "آية" بدون أيدٍ، حيث شكلت هذه الطفلة معجزة ربانية في قطاع غزة، فرغم أنها خُلقت بدون أيدٍ إلا أنها تمارس حياتها كإنسانة عادية تأكل وتشرب وتلعب وتذهب للمدرسة وتحفظ القرآن الكريم في المسجد وتستخدم الكمبيوتر وتقوم بأداء واجباتها اليومية بقدميها تارة وبفمها تارة أخرى دون مساعدة أحد.
راضية بقدرها
الطفلة البريئة آية مسعود " 9سنوات" تخرج يومياً إلى مدرستها مع رفيقتها وابنة عمها "أمل" من شارع الجلاء، حاملة على أكتافها شنطتها التي بداخلها عددا من كتبها وكراساتها وتبتسم لمن يمر عليها حتى تزيل نظرات الشفقة التي صنعها ما ألم بها من إعاقة في عيون من ينظرون إليها في ذهابها وعودتها من المدرسة، رغم ما تعيشه هذه الطفلة إلا أن الابتسامة الخجولة لا تفارق شفتيها، وقد ولدت بدون يدين لكنها رفضت الاستسلام لهذا الواقع ولا تنتظر نظرة الشفقة من هذا أو ذاك بل هي راضية بقدرها مصممة على أن تكون مثل أي طفلة في عمرها، من حيث مواظبتها على التوجه لمدرستها والاجتهاد وأداء الواجبات على أكمل وجه واللعب مع صديقاتها وحفظ القرآن ومساعدة والدتها في أعمال البيت.
حياتها كأي إنسانة طبيعية كاملة الجسد، لا تختلف عنهم بشيء، فهي طفلة عادية تمارس حياتها بصورة طبيعية، تستيقظ في الصباح الباكر فتقوم وتعتلي حوض المياه، فتتوضأ وتستخدم فرشاة الأسنان بقدميها ومن ثم تصلي الفجر، ومن ثم تصنع مع أمها طعام الإفطار فهي بارعة في صناعة السلطات حتى أنها تستخدم السكين بقدميها، ومن ثم تبدأ رحلة الذهاب إلى المدرسة فتلبس ملابسها دون مساعدة من أحد وتحضر الكتب والكراسات وتضعهم في الشنطة وتحملها بفمها وتضعها على كتفها، فهي تخرج من منزلها إلى مدرستها متحدية إعاقتها بالمثابرة على الدراسة والتحصيل العلمي المتميز على طريق صنع المستحيل والتمرد على الإعاقة.
صنعت الحياة
ولم تتوقف حياتها عند هذا الحد، بل تجهز نفسها للذهاب لحلقات التحفيظ في المسجد المجاور فتلبس ملابس الصلاة وتذهب إلى المسجد وتحفظ بعض صور القرآن الكريم، فهي تملك صوتاً ندياً في قراءة القرآن حتى أن محفظتها وزميلاتها يحبونها كثيراً فهي فتاة ذكية وتحفظ سريعاً.
ولأنها فتاة ذكية في دراستها فهي التي صنعت الحياة من وسط العجز والمعاناة، حيث كرمتها مدرسة أسماء بنت أبي بكر التي تدرس فيها كطالبة مثالية لحسن أدائها وأخلاقها وتصميمها على المضي قدماً في مسيرتها التعليمية وفي ممارسة الأنشطة اللا منهجية.
أما والدها الذي بدأ حديثه بالحمد والثناء على الله على إكرامه بهذه الطفلة البريئة، فقال:" هي آية من كتاب الله ومعجزة في البيت برغم ولادتها بدون أطراف إلا أنها تعيش معنا كفتاة عادية لا تطلب مساعدة من أحد، فهي تقوم باحتياجاتها بنفسها تكتب وتلعب وتأكل وتتوضأ دون مساعدة". وعن كيفية ولادتها كذلك تشاركنا الحديث والدتها قائلة:" كنت في كل مرة أذهب للطبيب واخذ صورة للجنين ولا يظهر أي تشوه أو عيب خلقي في الطفل وهذا ما طمأننا على أن صحة الجنين جيدة، وعند ولادتها تم نقلها سريعا إلى الحضانة، وعندما طلبت أن أراها قالوا بعد ساعة حتى تخرج من الحصانة ومرت الساعات ولكنها لم تأتِ فسارع والدها للاطمئنان عليها رغم رفض الأطباء والممرضات، حتى كانت المفاجأة لنا وقال الطبيب:"إن الطفلة ولدت بدون أيدٍ". ولقد رضينا بما كتبه الله لنا وحمدناه على منته وعطائه ولم ننكرها". وتنظر إلى تلك الوجه الملائكي المبتسم كعادته قائلة:" إنها منة جميلة من الله لعائلتي ونحمد الله على أنه رزقنا بهذه الطفلة البريئة فهي أجمل شيء في البيت، رغم إعاقتها فهي تلهو وتلعب من حولنا، وحركاتها في البيت لا تتوقف، فإخوتها يحبونها كثيراً ويحاولون مساعدتها إلا أنها ترفض وتستخدم قدميها في كل عمل تقوم به ولا تطلب حتى مساعدة والدتها".
الإرادة والتحدي
وينظر إلى آية التي بدورها بادرته بابتسامتها الطفولية وكأنه يشد من عزيمتها ويثني على ما تقوم به قائلاً:" أنا أحب فيها صفة الإرادة والتحدي وتخطي الصعاب وتجربة كل أمر تقوم به، فهذه صفة لا تجدها في الكبار الذين فقدوا أطرافهم، فمنهم من فقد يدا واحد ويشعر أن الحياة هزمته وأخذت منه أجمل أيام حياته ويجلس وحيداً بعيداً عن الناس يبكي أيامه السابقة عندما كان صحيحا ً، لكن آية طفلة صابرة وتحدت كل الصعاب فلم تقف جامدة حتى يهزمها الزمن بل هي من هزمته وقاومت ونجحت بشهادة مدرساتها ومن عرفها". وتعاود والدتها الحديث عن الأعمال التي تقوم بها آية في البيت قائلة:" تعيش كإنسانة عادية تشاركني في المطبخ ولا تضايقني في طلباتها فهي تلبس لمدرستها وتحضر كتبها وتأكل دون مساعدة، كما أنها محبوبة بين رفيقاتها في المسجد والمدرسة فمعلماتها يحبونها ليس من باب شفقة عليها ( على حد قولهن) بل لأنها طفلة ذكية في المدرسة وحسنة في التعامل معهن، ورغم إعاقتها فإنها تفهم الدرس بسرعة وتسابق زميلاتها في الكتابة والحفظ وكذلك يحدث في المسجد فهي سريعة الحفظ وما أن عندما تعود من المسجد تدخل إلى غرفتها وتحفظ ما أخذته في المسجد وتبدأ بتلاوة بعض الآيات بصوتها الجميل الحنون رغم صغر سنها".
أمل في الحياة
ويعاود والدها حديثه عن هذه الطفلة فيقول:" آية تحب بنات عمها فهن رفيقاتها إلى المدرسة وفي اللعب، فإنها تمارس جميع العاب الأطفال ولا تجد صعوبة في ممارسة أي منها، لأنها في قرارة نفسها فهي تريد أن تعيش بكل حرية وبشكل طبيعي حتى أنها لا تشعرنا بعجزها في البيت بل هي إنسانة طبيعية ولديها أمل كبير في الحياة، حيث تستخدم الحاسوب بشكل طبيعي وكأنها تستخدم يدها، رغم أنها ولدت بدون أيدٍ إلا أن الله لم يحرمها نعمة الحياة، صارت تمارس حياتها بأطرافها السفلية، "الحمد لله على هذه النعمة الجميلة التي منّ الله بها علينا، فهي بركة في بيتنا ووجودها يزيدنا سروراً لأنني لم ارفضها يوماً أو أنكر نعمة الله بل دائماً اشكره على هذه النعمة".
المصدر: إيمان جمعة - موقع بانيت وصحيفة بانوراما