أرض الميعاد
الإثنين، 12 كانون الأول، 2011
أتعرف أن معظم الذين هجروا مخيم القاسمية إلى ألمانيا قد هاجروا «بقوارب الموت» كما يُسميها البعض؟ أي إنهم هاجروا بطريقة غير شرعية عبر البحر في قوارب لا تعرف إن كنتَ ستنزل منها حياً أو ميتاً أو شبه ميت! ولأن ألمانيا بالنسبة إلى معظم شباب القاسمية هي فعلاً «أرض الميعاد»، يرى هؤلاء أن المخاطرة بحياتهم تُستحَقّ ما داموا سيجدون الحياة الكريمة في ذاك البلد، أو بالأحرى، حياة أفضل من تلك التي يعيشونها في المخيم المنسيّ.
كل ما عليك فعله للذهاب إلى ألمانيا، مجرد خطوات بسيطة قبل أن تضع حياتك على كف عفريت. عليك أن تستلف مبلغاً من المال (ما يُقارب عشرة آلاف دولار)، أن تجد ذاك السمسار «الحربوق يلي ما رح يوديك بداهية» مع الدولة اللبنانية، وأن تنتظر الموعد الذي قد يأتيك بأي وقت على حين غفلة.
لا تجزع. إذا أتاك الموعد، فلست بحاجة إلى حقيبة ولا إلى جواز سفر؛ ففي ألمانيا هناك كل شيء. هناك المال الذي سيدفع دَينك، هناك الملابس التي ستغطي جسدك والنسوة اللواتي سيقبلن بك زوجاً مقابل الإقامة والجنسية الألمانية. المسألة مسألة وقت، لا أكثر ولا أقل. قبّل يدي أُمك التي قد لا تراها بعد رحيلك أبداً، وأطلب الرضى منها ودعها تسامحك وتدعو لك بالتوفيق، فقد تعود إلى المخيم بعد هذه المغامرة، وقد تعود من حيث جئت، من التراب وإلى التراب تعود! إن كنتَ لا تجيد السباحة، فلا تذهب؛ لأن القارب الذي يكفي عشرين شخصاً ستجد فيه العشرات، وتحت رحمة عوامل الطقس: إما أن تصل وإما أن لا تصل. كثيرون ماتوا غرقاً وماتت أحلام عوائلهم معهم. من قال لك إن أكثر الأمهات لا يدفعن أولادهن إلى السفر بتلك الطريقة؟ أكثر الأمهات هنّ اللواتي يستلفن النقود، وينتظرن لجوء أولادهن كي يلجأن هنّ من بعدهم. لا تستغرب، فالحاجة كافرة! عندما تصل إلى ألمانيا، ارمِ بأوراقك الثبوتية في البحر، واطلب اللجوء من عسكر الحدود. قد ينهالون عليك بالضرب حتى تدخل المستشفى. هناك، سيمنحك الألمان حقك الديموقراطي الشرعي ويوكلون لك محامياً. ابحث عن محامٍ من أصول عربية! احكِ لهم عن معاناتك في البلد العربي. قل لهم إن حقوقك مهضومة، وإنك لا تعمل. سيقبلون لجوءك وسيمنحونك عملاً في... جلي الصحون!
كم من فتاة انتظرت العريس الآتي من ألمانيا. إن كنتَ تريد البيت والعائلة، فألمانيا هي الحل إن وصلتها حياً. تزوّج الألمانية واحصل على الإقامة. وعندما تحصل عليها، قد تأخذ معاملات الطلاق من عمرك خمساً إلى عشر سنوات لا أكثر. من بعدها، ستصبح فتى أحلام فتيات القاسمية: شاب بعمر الأربعين أو الخمسين، مُطلّق يبحث عن فتاةٍ عشرينية. فعلاً، يا هيك العيشة يا بلا!
المصدر: إيمان بشير – الأخبار