أهالي سهل الحولة: عين على الحقوق وعين على «قبلة العرب فلسطين»
الثلاثاء، 15 تشرين الثاني، 2011
فتح توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الدفعة الأولى من مراسيم سحب الجنسية اللبنانية «من أشخاص اكتسبوها وتبين لاحقاً أنهم لا يستحقونها استناداً إلى قرار مجلس شورى الدولة»،وفق ما جاء في المرسوم، الباب واسعاً أمام «هواجس» لدى مجنسين منذ العام 1994. وجاء المرسوم بعد 17 عاماً على منح الجنسية لهؤلاء الأشخاص انفسهم، وبعدما بنوا حياة جديدة بعد تجنسهم، لا سيما أن الدفعة الأولى، شملت حوالى 180 شخصا، من بينهم نسبة لا بأس بها من الفلسطينيين، الذين قيل أنه «تبين أنهم ما زالوا مسجلين ضمن قيود «الأونروا»»، ومديرية شؤون اللاجئين بصفة لاجئ. وكان عدد كبير من الفلسطينيين الذين تجنسوا قد انخرطوا في سوق العمل، لا سيما أن عددا كبيراً من الأعمال، وخاصة المهن الحرة، ممنوعة على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بالإضافة إلى أن عددا منهم قد خدم في الجيش اللبناني، وآخرون قد توظفوا، أو تقدموا إلى وظائف.
وصحيح أن إعادة الجنسية لآلاف الأشخاص الفلسطينيين، الذين حرموا من جنسيتهم اللبنانية بعد إعلان «دولة لبنان الكبير»، و«معاهدة سايكس - بيكو»، لم تغير من نمط حياتهم، وأماكن سكنهم، لكنها في المقابل جعلت العائلات، التي حظيت بالجنسية اللبنانية في مرسوم التجنيس الصادر في العام 1994، أكثر راحة وأملاً في حياتهم وتنقلاتهم ومستقبلهم، برغم تمسكهم بالعودة إلى أرض فلسطين، التي ولدوا فيها. ويقطن الحائزون إعادة التجنيس، وهم بالأساس من قرى وبلدات سهل الحولة، الذي يضم 36 بلدة، يقطنون في مخيم البرج الشمالي للاجئين الفلسطينيين بالقرب من مدينة صور. ولا تختلف معاملتهم وحياتهم داخل المخيم عن أقرانهم الفلسطينيين، حيث تجمعهم المعاناة في مخيم يعتبر من أكثر المخيمات فقراً واكتظاظاً.
كل ما تغير لمنير حسين منذ نيله الجنسية، التي يستحقها بعدما أعيدت إليه، أنه أصبح يملك لوحة عمومية، يؤمن من خلالها ضماناً صحياً واجتماعياً لعائلته، وملاذا آمنا للعمل. يقول حسين: «إن عملية إعادة التجنيس، التي طاولت الكثيرين ممن تقدموا إليها، أعطتنا جزءاً من حقوقنا». وقبل سنوات خدم أحد أبناء أم محمد في الجيش اللبناني، وهي حصلت بدورها على إعادة التجنيس مع أفراد عائلتها. وكانت خدمته في الجيش «لإكمال واجبه تجاه وطنه». تلفت أم محمد إلى أن «إعادة التجنيس خلقت فرصاً لأفراد العائلة، لناحية التعليم، وحرية التنقل، والتملك، وتصويب العين نحو وظيفة ما لأحد ابناء العائلة المكونة من سبعة أفراد».
وفي داخل «مركز جمعية الحولة»، في الطرف الشرقي للمخيم، الذي حصل على ترخيص رسمي من الدولة اللبنانية في العام 1997، بعد منح الجنسية اللبنانية لعدد كبير من أبناء سهل الحولة، ومن بينهم أبناء قرى الناعمة، والذوق التحتا والفوقا، والخالصة، يتابع أحمد باهتمام تفاصيل تهجير أهالي سهل الحولة إلى لبنان في العام 1948، بعدما كانت قد اقتطعت بلداتهم اللبنانية الأصل إلى فلسطين التي كانت خاضعة للانتداب الإنكليزي. يتلمس أحمد أهمية حصوله على الجنسية، التي منحت بعد سنة من ولادته، يقول: «إن إعادة التجنيس فتحت أمامي آفاقا أفضل لمستقبلي الاجتماعي والحياتي وحق الانتخاب، برغم أنه على المستوى الآني لم تغير كثيراً من حياتنا، فنحن متساوون في المعاناة داخل المخيم».
انتخب محمد خضر في الدورة الماضية مختارا لبلدة البرغلية شمال صور، خضر المقيم في مخيم البرج الشمالي، وكان قد سجل نفوسه في البرغلية أثناء إعداد طلب الحصول على إعادة التجنيس، يسجل عددا من الحسنات لذلك التجنيس، الذي «أعاد الحق إلى أصحابه». يؤكد المختار خضر أنه «برغم الحصول على الجنسية اللبنانية، فإن فلسطين ستبقى قبلة للعرب والمسلمين، ولن ننسى أرضنا التي ولدنا فيها». ويشير إلى أن «التجنيس قد أتاح مجالات للعمل، ولا سيما لأصحاب المهن الحرة كالأطباء، والمهندسين، والمدرسين وسواهم، حيــث أصبح باستــطاعة هؤلاء الدخول في نقاباتهم والعمل في الدولة والشركات الممنوعة على الفلسطينيين».
وفي المقابل، فضل أفراد من عائلة سعيد، التي تنتمي إلى إحدى قرى سهل الحولة عدم تقديم الطلبات للحصول على إعادة التجنيس أسوة بأبناء المنطقة. ويؤكد نادر سعيد، وهو نائب رئيس «جمعية الحولة» أن «الفكرة المبدئية المتعلقة بالتشبث بالعودة إلى فلسطين، واستمرار النضال بأساليب مختلفة كانت الدافع وراء عدم التقدم إلى طلب الجنسية». ويقول: «إن أعدادا كبيرة، تقارب الثلث من أبناء الحولة لم يتقدموا للحصول على إعادة التجنيس، ولكل منهم أسبابه، ومنها الظروف المادية، وعدم أخذ الموضوع على محمل الجد»، مؤكدا أن «كثيرين من هؤلاء كانوا يراهنون على عدم وقف عملية إعادة التجنيس التي يستحقها أصحابها».
المصدر: حسين سعد - السفير