استمرار تدفق أهالي اليرموك.. هرباً من الموت
الأربعاء، 19 كانون الأول، 2012
تواصل أمس، تدفق النازحين الفلسطينيين عبر بوابة منطقة المصنع (سامر الحسيني) وافدين من المخيمات الفلسطينية في سوريا، وتحديدا مخيم اليرموك. وسجلت مصادر الأمن العام اللبناني دخول أكثر من 1200 فلسطيني خلال أربع وعشرين ساعة أمس. وسبق ذلك دخول أكثر من 800 فلسطيني.
مرة جديدة، يجد أبناء مخيم البداوي (عمر إبراهيم) أنفسهم أمام عبء استضافة نازحين، وهم الذين كانوا تنفسوا الصعداء خلال العامين الماضيين، بعد عودة القسم الأكبر من نازحي مخيم نهر البارد إلى منازلهم. وذلك بعد إقامة قسرية استمرت لعدة سنوات كان لها تداعيات اجتماعية ومعيشية داخل المخيم الذي لا تتجاوز مساحته كيلومتر واحد، ويقطنه نحو 30 ألف فلسطيني.
لا إحصاءات رسمية عن عدد العائلات الفلسطينية السورية التي نزحت إلى المخيم منذ بدء الأزمة، ولكن كل التقديرات تشير إلى وجود نحو 300 عائلة هربت خلال تلك الفترة وأضيف عليها خلال اليومين الماضيين نحو 50 عائلة نزحت من مخيم اليرموك في ظروف صعبة أملت على الغالبية منها الإقامة داخل منازل تقطنها أكثر من عائلة، وبعضها حل ضيفا في منزل تقطنه خمس عائلات، كما أوضحت أم احمد من مخيم البداوي، والتي أكدت أن منزلها المؤلف من ثلاث غرف بداخله نحو 50 شخصا نزحوا تباعا وبينهم 15 شخصا وصلوا أمس الأول.
ظروف النزوح المستجد عبرت عنها العائلات المضيفة او اللجان التي تهتم بشؤونها، كون غالبية العائلات رفضت الحديث عما يحصل في المخيم مكتفية بالقول «لقد خسرنا كل شيء».
السياسة كانت حاضرة لدى بعض العائلات النازحة، والتي كسرت حاجز التحفظ على الكلام، كاشفة عن تهجير ممنهج رتب لها قبل خروجها من قبل قوى الأمر الواقع (المعارضة المسلحة) التي فرضت سيطرتها على المخيم وأجبرت العائلات على الخروج في مهلة زمنية محددة مقدارها ساعتان فقط، «حرصا على حياتها».
ولفت مصدر مسؤول في وكالة «الأونروا» إلى أن عدد العائلات التي سجلت أسماءها خلال اليومين الماضيين بلغ عشر عائلات فقط، «ونحن ننتظر أن تتوافد بقية العائلات بعد ترتيب وضعها لكي تسجل أسماءها»، مؤكدا «أن الأونروا لا تملك إمكانيات لتوفير المساعدات الغذائية أو الإقامة، وهي تكتفي بتقديم الاستشفاء والتعليم فقط». وتقول الفلسطينية أم عامر من مخيم اليرموك: «لقد وصلت أمس الأول إلى مخيم البداوي بعد رحلة شاقة، مع أولادي الثلاثة. وقد طلب منا المسلحون الخروج في مهلة أقصاها من الساعة السادسة صباحا وحتى الثامنة صباحا وهي مهلة اتفق عليها مع الجيش السوري النظامي الذي أوقف العمليات العسكرية إفساحا في المجال أمام خروجنا الآمن». تضيف: «لم نستطع أن نحمل معنا أمتعتنا او أي شيء آخر، خصوصا انه لا توجد وسائل نقل والخروج كان سيراً على الأقدام. ولقد استيقظنا صباحا في المخيم ووجدنا أعدادا كبيرة من المسلحين في الشوارع. وكانوا يحملون أعلام المعارضة السورية ورايات إسلامية، وكانت لهجتهم سورية وغير سورية. وقد قاموا بتوقيف بعض الشبان الفلسطينيين واقتادوهم إلى جهة مجهولة. وأدخل ذلك الرعب إلى قلوبنا، فضلا عن أن الجيش السوري يعد العدة لكي يقتحم المخيم، فقررنا الهرب ونحن نعلم أننا يمكن أن نعود ونجد المخيم ركاماً».
وتشير أم خالد من حي التضامن: «لقد هربت قبل فترة إلى منزل عائلتي في مخيم اليرموك مع زوجي وأولادي الخمسة، بسبب الاشتباكات، وبعد دخول المسلحين إلى المخيم، سمعنا أن هناك مهلة محددة لمن يرغب بالخروج، فتركنا كل شيء وخرجنا، ومعنا عائلات ما تزال على الحدود اللبنانية ـ السورية، لأنها لا تملك أموالاً لكي تدفع رسم الخروج من سوريا والدخول الى لبنان».
وأوضح مسؤول «لجنة النازحين الفلسطينيين السوريين» في المخيم ربيع دامس أن «معظم العائلات التي وصلت مؤخرا لا تملك أموالاً او أي شيء يساعدها على العيش، وهي حاليا تقيم عند أقارب او معارف لها، ونحن نقوم بإحصاء العدد لكي نتمكن من الوقوف على احتياجاتها في حال توفرت الإمكانيات، لافتا النظر إلى وجود أعداد من العائلات وصلت أيضا إلى مخيم نهر البارد».
عين الحلوة
كما وصل عدد العائلات النازحة من سوريا إلى صيدا ومخيماتها إلى نحو 2400 عائلة، بينهم 750 عائلة فلسطينية. والعدد إلى تزايد، الأمر الذي تطلب من هيئات الإغاثة اللبنانية والفلسطينية رفع الصوت عالياً أمس، والإعلان عن أن طاقاتها قد استنزفت بالكامل وأنها باشرت بتأمين بعض من مستلزمات النازحين «من لحمها الحي»، بعد غياب أي مساعدات جدية وإغاثية من «الأونروا»، ومن الدولة اللبنانية، ومن الجهات الدولية. ولم يعد بمقدورها تحمل الأعباء الإضافية الطارئة والمستجدة كل يوم.
ويشير أمين سر «اتحاد المؤسسات الإغاثية الإسلامية» في عين الحلوة إبراهيم المقدح أبو اسحاق، إلى أن «المخيم استقبل ليلة أمس الاول مئة عائلة فلسطينية نازحة من اليرموك، وأمس استقبل 50 عائلة. ونحن ننتظر وصول أكثر من 150 عائلة، خلال 48 ساعة، وهناك آلاف العائلات قرب المصنع عند الحدود بين لبنان وسوريا، وعين الحلوة لم يعد بمقدوره استقبال عائلات إضافية. وفتحنا خلال الساعات الماضية عدة تجمعات لإيواء النازحين من بينها في «مدرسة الكفاح»، و«روضة البهاء»، في تعمير عين الحلوة، إضافة إلى البيوت، ولدى الأهل في المخيم. ولفت إلى أن الوضع صعب للغاية. ونحن لا نستبعد أن نرى تجمعات للنازحين على الطرق، والمستديرات، والحدائق في صيدا»، مشدداً على أن «الأونروا» لم تتحمل لتاريخه أي اعباء جدية، ذلك فيما المؤسسات الدولية واللبنانية مؤسساتها غائبة عن السمع.
أما أمين سر «اتحاد المؤسسات الإغاثية للنازحين السوريين في صيدا» كامل كزبر، فلفت إلى صعوبة تأمين أماكن إيواء للنازحين، لذا عمدنا إلى فتح تجمع لهم في «مدرسة الإيمان» في عبرا، وفي «مركز الامام الاوزاعي» شمالي صيدا (وهو مبنى قيد الإنشاء). وقد نضطر إلى فتح مدارس إضافية، لاستيعابهم لأن العدد وصل إلى 2400 عائلة. وذلك الرقم، إلى تزايد يومياً، محذراً من أن طاقاتنا استنزفت ولم نتلق إلا مساعادت أهلية من المجتمع المحلي، والهيئات المدنية والأهلية، ونحن بتنا بحاجة ماسة إلى كل شيء من البطانية والفرشة، وصولاً إلى حبة الدواء.
وكانت اللجان الشعبية لـ «منظمة التحرير الفلسطينية»، و«تحالف القوى الإسلامية»، قد نفذت اعتصاما مشتركا أمس، أمام المقر الرئيسي للوكالة في صيدا، لمطالبتها بتحمل مسؤولياتها تجاه توفير الخدمات للنازحين، وتأمين المأوى لهم. وقد شارك في الاعتصام عدد من النازحين من مخيمات سوريا، الذين توافدوا إلى مكان الاعتصام، خصوصا من مخيم اليرموك، بمشاركة أعضاء اللجان الشعبية، الذين استنكروا سياسة تجاهل الأونروا لمأساة النازحين من مخيمات سوريا.
المصدر: السفير