الجمعة، 04 آب، 2023
ما إن تهدأ الأمور
بمخيم حتى تشتعل في آخر، اشتباكات وإشكالات وانفلات أمني يبدو أغلبه دُبّر بليل
ضمن مخطط مدروس لفرض معادلات معينة في المخيمات الفلسطينية في لبنان التي يسكنها
الوجع منذ النكبة.
ومع الحصيلة القاسية
للاشتباكات في مخيم عين الحلوة التي ارتفعت إلى 13 قتيلا وأكثر من 60 جريحًا في
غضون أيام قليلة مع هدنة متأرجحة على وقع هواجس بتفجر الأمور وتوسعها، تشير
تقديرات بوجود أيدٍ مشبوهة تعمل على تأزيم الموقف لأهداف خاصة.
اشتباكات تثير الريبة
يؤكد أيمن شناعة
المسؤول السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس” أن الاشتباكات التي تندلع بين
الحين والآخر في المخيمات الفلسطينية تثير الريبة والاشتباه.
ويقدر شناعة في حديثه وجود
أيدي خبيثة تعمل لمصلحة أجندات خارجية تصب في خدمة العدو الصهيوني الذي يسعى إلى
تهجير الفلسطينيين من المخيمات ونزع صفة المخيم لرمزيته التي وجد عليها منذ عام
1948.
ويعيش نحو 300 ألف
لاجئ فلسطيني في 12 مخيمًا رسميًّا معترف بها من الأونروا، من أصل 17 مخيمًا،
إضافة إلى وجود لاجئين يقيمون في 158 تجمعًا مختلفًا بلبنان.
ويوضح شناعة أن
الاشتباكات التي تحدث بالمخيمات غالبا مفتعلة، وأحيانا فردية، مبينًا أن غالبية
الحوادث المفتعلة تهدف إلى تسليط الضوء على السلاح في المخيمات، وترمي لتجريم
المخيمات وصولاً إلى تنفيذ مخططات ترمي لإنهاء رمزية المخيم وتوطين الفلسطينيين.
وأكد أن الأحداث التي
تضرب المخيمات لا سيما مخيم عين الحلوة، لا يمكن أن تأتي في سياق العمل الفردي،
وإنما في سياقات منظمة تسعى لضرب المخيمات لتحقيق أجندة إقليمية ودولية، تستهدف
اللاجئين الفلسطينيين.
وتنتقل الأحداث
والإشكالات المسلحة من مخيم لآخر لكن تتركز أغلبها في عين الحلوة، وفق القيادي
شناعة؛ الذي يعزو ذلك لأن المخيم يضم أكبر عدد من اللاجئين (70-80 ألف لاجئ وفق
التقديرات)، إضافة إلى وجود تنوع فصائلي وفكري بالمخيم بشكل لا يحصل في أي مخيم
آخر.
ويكمن السر وراء
الحالة الحاصلة بالمخيمات بين الحين والآخر إلى أن هناك من يريد أن يمسك بأمن
المخيمات الفلسطيني وهو الأمن الوطني الفلسطيني، وفق الكاتب الإعلامي ياسر علي.
ويوضح علي في حديثه أن
الأمن الوطني الفلسطيني هو مشروع مشترك بين أكثر من جهة وهو يتبع حركة فتح لكي
يمسك السلاح الفلسطيني بالمخيمات ويمنع أي فلسطيني أن يكون له أي سيطرة وبالتالي
يصبح قرار المخيمات بيده، وهذا أمر ترفضه بالمجمل الفصائل الفلسطينية.
وفي المخيمات
الفلسطينية تنشط الفصائل الفلسطينية المعروفة، إلى جانب مجموعات وتشكيلات إسلامية
أخرى يتركز أغلبها في مخيم عين الحلوة، مثل الشباب المسلم وعصبة الأنصار وجند
الشام وغيرها.
ويؤكد شناعة أن هذا
التعدّد ليس بجديد، بل قديم، عازيا ذلك إلى أن كل الفصائل لها وزن وحضور وتمتلك
قوى وأذرع مسلحة بالمخيم، مشيرا إلى أن هناك بعض الحالات المسلحة قد تكون خارجة عن
السياق الفلسطيني التقليدي.
أما الإعلامي ياسر علي
فيؤكد أن تنوع القوى وحالات التوتر موجودة في بيروت وصور وكل مكان لكن الأمر أكثر
بروزًا وحدة في مخيم علين الحلوة، مبينًا أن هناك أسبابا متعلقة بالموقع
الجيوسياسي ولها علاقة بدور المخيم كأكبر مخيمات وعاصمة الشتات، ولذلك هو هدم عدة
جهات لمحاولة إنهاء رمزية المخيم فيه.
إشكالات مفتعلة
وتسود تقديرات بأن
غالبية حوادث الإقلال بالأمن عمليات مفتعلة ومدروسة ضمن مخطط يرمي لخلق بيئة
لشيطنة سلاح المقاومة والتمهيد لسيناريوهات بانتزاعه أو تحييده عن المواجهة مع
الاحتلال.
ويرى شناعة أن هناك من
يسعى دائما لبقاء المخيمات في حالة نزف لتنفيذ مشاريع التوطين والتهجير وضرب قضية
اللاجئين في لبنان وكل ذلك يجعلها تحت الأضواء.
وقال: لذلك نرى كلما
هدأت في مخيم اشتعلت في آخر، وهناك بالذات في مخيم عين الحلوة، مشددا على أن هذا
الأمر مدروس وهناك من يخطط له والقضية الفلسطينية على المحك.
وأضاف أن قضية
اللاجئين على صفيح ساخن، وهناك من يسعى لنسف المخيمات، من أجل رسم خارطة جديدة في
المنطقة، وأن أحداث عين الحلوة لا يمكن فصلها عما يجري في الإقليم والأوضاع
الملتهبة في المنطقة، مؤكدًا العمل على إفشال تلك المخططات.
وأشار إلى أن هناك من
يسعى للضغط على لبنان للقبول بحلول أولها توطين الفلسطينيين وهذا على الطاولة
للبحث من عدة جهات خارجية إقليمية ودولية، مقدرًا بأن كل ما يحدث مرتبط بهذه
المشاريع التي يسوق لها البعض الفلسطيني.
ويجمع الباحثون
والمتابعون أن غالبية الإشكالات الأمنية في المخيمات ترتبط بحركة فتح أو عناصر
تتبع لها.
ويشير الإعلامي ياسر
علي إلى أن كل المعارك التي جرت في مخيمات اللاجئين في لبنان منذ 20 عاما وحتى
الآن فتح طرف فيها؛ لأن الأخيرة تكرّس منظومة الأمن الوطني الذي يمسك بزمام الأمور
في المخيمات وكل من يقف ضدها تعده جهة إرهابية وتحاربها.
ويعزو شناعة ذلك إلى
أن حركة فتح تنظيم كبير وعدد عناصره كبير وهناك أقطاب متعددة وليس هناك مركزية في
العمل التنظيمي بساحة اللبنانية لذلك تكثر المشاكل وتبرز صعوبات إنهاء أي إشكال
بسبب وجود عناصر متفلتة أحيانا.
العين على السلاح
الفلسطيني
الأخطر وفق تقدير
العديد من المراقبين الفلسطينيين، هو المحاولات الرامية لخلق بيئة مواتية لاستهداف
السلاح الفلسطيني بعد شيطنته، وفي هذا الإطار جاء الربط من بعض المتابعين بين
زيارة رئيس مخابرات السلطة ماجد فرج إلى لبناء في 24 يوليو الماضي، والأحداث في
مخيم عين الحلوة.
وفي هذا الصدد، يذهب
الكاتب الصحفي أحمد الحيلة، إلى أن هناك تياراً داخل حركة "فتح” والأمن الوطني
الفلسطيني معني بالتصعيد وتوسيع دائرة الاشتباك المسلح انطلاقاً من عين الحلوة، ما
يخلق أزمة داخل لبنان عنوانها السلاح الفلسطيني.
وأوضح الحيلة في مقالة
له أن هذا يدفع إلى القول، لا سيّما في الأوساط اللبنانية، بأن هذا السلاح بات
يُشكّل تهديداً للبنان وللمدنيين اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء، أي بمعنى
تحويل السلاح الفلسطيني من عنوان وطني في مواجهة الاحتلال إلى عنوان أزمة أمنية
داخل لبنان لا بد من إعادة النظر فيه والتخلّص منه.
أحمد الحيلة: هناك
تيار داخل حركة "فتح” والأمن الوطني الفلسطيني معني بالتصعيد وتوسيع دائرة
الاشتباك المسلح انطلاقاً من عين الحلوة، ما يخلق أزمة داخل لبنان عنوانها السلاح
الفلسطيني.
ورأى أن ذلك بالضبط ما
أراده ماجد فرج عندما زار بيروت والتقى جهات رسمية لبنانية في 24 يوليو الماضي
ودعاها إلى ضرورة سحب وإنهاء السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها باستثناء
سلاح الأمن الوطني التابع للسلطة الفلسطينية.
ووفق تقدير الحيلة؛
فإن ماجد فرج جاء لتنفيذ أجندة محدّدة، تسعى لتقويض وجود حركات المقاومة
الفلسطينية في لبنان ولا سيّما حركتي؛ الجهاد الإسلامي، و”حماس” التي حمّلها
الاحتلال المسؤولية عن إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان إلى شمال فلسطين في
السادس من نيسان / إبريل الماضي دفاعاً عن القدس والأقصى.
واتفق معه الكاتب ياسر
علي بإشارته إلى أن ما جاء من أجله له ماجد فرج طلب محدد بضبط السلاح الفلسطيني
والسيطرة عليه من الأمن الوطني؛ بزعم أن المقاومة جنوب لبنان تسبب تحرشات بالكيان
الصهيوني وأنها قد تسبب مشاكل إلى الدولة اللبنانية.
ولم يكن هذا التقدير
بعيدًا عما تحدث به رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، عندما قال:
"توقيت الاشتباكات في الظرف الإقليمي والدولي الراهن مشبوه، ويندرج في سياق
المحاولات المتكررة لاستخدام الساحة اللبنانية لتصفية الحسابات الخارجية”.