القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 13 تشرين الثاني 2025

تقارير إخبارية

اعتصام جماهيري أمام مكتب الأونروا في بيروت رفضًا للتقليصات ومطالبةً بإنقاذ الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين


بيروت – شبكة لاجئ نت || الأربعاء، 12 تشرين الثاني 2025

في مشهدٍ يعكس عمق الأزمة المتصاعدة بين اللاجئين الفلسطينيين ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، نفّذت لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين والحراك الفلسطيني في المخيمات، بمشاركة واسعة من اللاجئين الفلسطينيين والمهجّرين من سوريا، اعتصامًا جماهيريًا حاشدًا أمام المكتب الرئيسي للوكالة في بيروت، للمطالبة بوقف سياسة التقليصات المستمرة التي طالت قطاعات التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية.

صرخة اللاجئين: "كرامتنا لا مساومة عليها"

شهد الاعتصام رفع المشاركين الأعلام الفلسطينية ولافتات حملت شعارات مثل: "لن نقف صامتين... كرامتنا لا مساومة عليها” و"أوقفوا سياسة الإفقار والتقليص”، فيما ردّد المعتصمون هتافات تطالب إدارة الأونروا بتحمّل مسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ووقف ما وصفوه بـ"سياسة الإهمال والتراجع المتعمّد في الخدمات”.

وأكد المتحدثون باسم لجنة الدفاع أن الاعتصام يأتي رفضًا لسياسات إدارة الأونروا بقيادة المديرة دوروثي كلاوس، معتبرين أن ما يجري يشكل جزءًا من "خطة تقليص ممنهجة” تهدف إلى تقويض دور الوكالة تدريجيًا.

وخلال الاعتصام، ألقى خالد عبد الرحيم "أبو عايد" كلمة باسم لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين، موضحًا أن التحرك الشعبي رسالة واضحة ضد سياسة الإهمال والتقليص التي تمس حياة اللاجئين وكرامتهم اليومية. وأضاف: "قطاعا التعليم والصحة يمران بمرحلة خطيرة، ودمج الصفوف الدراسية ووقف التعاقد مع المعلمين يهدد مستقبل الطلاب، بينما تقليص تغطية العمليات الطبية يعرّض حياة المرضى للخطر. ندعو الدول المانحة للتحرك العاجل لإنقاذ الخدمات الأساسية”.

كما تخلل الاعتصام كلمة عدنان الرفاعي أبو محمد، أمين سر لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، الذي قال: "الفلسطيني يُقتل أمام المستشفيات بسبب إهمال الأونروا، وبيوته متهالكة، والظروف الاقتصادية تجبره على المخاطرة بحياته في قوارب الموت. الفلسطيني يُقتل يوميًا نتيجة الحرمان والقهر. لن نقبل بتهجير اللاجئين أو توطينهم في لبنان. نؤكد حق العودة، ومشروعنا سياسي بامتياز. على المجتمع الدولي والمفوض العام للأونروا في عمان السعي لتأمين التمويل والمساعدات المالية للاجئين الفلسطينيين، ولن نسكت على هذا الصمت القاتل”.

أصوات من الميدان: "بدنا نعيش بكرامة"

تنوّعت شهادات المعتصمين بين الألم والغضب، لكنها اجتمعت على مطلبٍ واحد: الكرامة وحق العيش بإنسانية.

قالت أم فادي، لاجئة من مخيم برج البراجنة: "ابني مريض قلب، وكان ياخد دواء على حساب الأونروا. اليوم بطل عندي إمكانية أشتري الدواء. بدهم يخلونا نختار بين العلاج أو الأكل! نحنا بشر مش أرقام”.

أما أبو حسن من مخيم شاتيلا، فعبّر عن استيائه من سياسة الدمج في المدارس قائلًا: "الصف صار فيه فوق الـ45 طالب! كيف المعلم بده يعلّم وهيك ازدحام؟ أولادنا عم يخسروا مستقبلهم يوم بعد يوم”.

ومن مخيم نهر البارد، قالت ام عبد الله، وهي من المتضررين الذين لم يعودوا إلى بيوتهم بعد: "صار لنا 17 سنة ناطرين الإعمار، وكل سنة بيقولوا قريبًا. بدنا نرجع عبيوتنا ونعيش حياة طبيعية متل كل الناس”.

وأضاف لاجئ مهجّر من سوريا يدعى أبو أحمد: "ما بقى في مساعدات، ولا بدل إيجار، ولا شي. نحنا منسيين، بس اليوم نزلنا عالشارع حتى نقول إنو في ناس بعدها عايشة وبدها حقها”.

مطالب واضحة وشاملة

عرض منظّمو الاعتصام قائمة من ثمانية مطالب أساسية، تمثّلت أبرزها في:

1-إقالة المديرة دوروثي كلاوس نتيجة ما وصفوه بسياساتها "المجحفة” بحق اللاجئين.

2-تحسين الخدمات الصحية ووقف سياسة التراخي والإهمال، خاصة بعد وقف تغطية العديد من العمليات الجراحية.

3-استكمال إعمار مخيم نهر البارد الذي ما زال مئات سكانه بانتظار العودة إلى منازلهم منذ أكثر من 17 عامًا.

4-صرف المساعدات المالية للاجئين الفلسطينيين النازحين من سوريا، بعد توقفها منذ أشهر بحجة نقص التمويل.

5-إلغاء سياسة دمج الصفوف والمدارس التي أدت إلى اكتظاظ غير مسبوق داخل الصفوف الدراسية.

6-تفعيل برنامج الشؤون الاجتماعية وتوسيع قاعدة المستفيدين.

7-إعادة صرف المساعدات النقدية البالغة 50 دولارًا للفئات الأكثر ضعفًا، خصوصًا الأطفال دون 18 عامًا، وكبار السن، وذوي الأمراض المزمنة.

8-ضمان الشفافية في إدارة الأموال والمساعدات الدولية المخصصة للاجئين في لبنان.

تقليصات مستمرة وأزمة تتفاقم

يأتي هذا الاعتصام في ظل تصاعد الغضب الشعبي في المخيمات الفلسطينية بلبنان، بعد أن أقدمت الأونروا على تخفيض خدماتها الأساسية في قطاعات التعليم والصحة والإغاثة، بحجة نقص التمويل الدولي.

ويؤكد اللاجئون أن هذه السياسات تركت آثارًا خطيرة على حياتهم اليومية، إذ يعاني الطلاب من اكتظاظ الصفوف ودمج المدارس، فيما يشكو المرضى من حرمانهم من التغطية الطبية، واضطرار بعضهم إلى وقف العلاج أو تأجيل العمليات الجراحية بسبب التكاليف المرتفعة.

كما توقفت منذ منتصف عام 2025 المساعدات النقدية الشهرية التي كانت تقدَّم للأسر الأكثر فقرًا، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية في المخيمات التي تعاني أصلًا من البطالة والفقر وانعدام فرص العمل.

مخاوف من "إنهاء تدريجي لدور الأونروا"

يرى مراقبون فلسطينيون أن تقليصات الأونروا في لبنان ليست مجرد إجراءات مالية مؤقتة، بل تندرج ضمن مخطط أوسع لتفكيك الوكالة وإنهاء دورها السياسي والإنساني، في إطار الضغوط التي تمارسها بعض الدول المانحة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.

وقال أحد الناشطين المشاركين في الاعتصام لشبكة لاجئ نت: "ما يجري اليوم ليس مجرد تقصير إداري، بل سياسة ممنهجة تهدف إلى إنهاء حقّ العودة من خلال ضرب الأونروا في صميمها. لذلك وقفتنا اليوم دفاع عن الكرامة والحق قبل أن تكون احتجاجًا على المساعدات”.

رغم حجم الأزمة المتفاقمة، يلاحظ اللاجئون صمت المجتمع الدولي وتراجع الدعم المالي المخصص للأونروا، وسط غياب واضح لأي مبادرة لبنانية رسمية تضع حدًا لمعاناة عشرات آلاف اللاجئين المنتشرين في المخيمات.

ويؤكد ناشطون أن استمرار هذا الواقع سيؤدي إلى "انفجار اجتماعي حتمي"، إذا لم تتخذ الوكالة خطوات عملية لاستعادة ثقة اللاجئين بها، وإعادة تفعيل برامجها الأساسية بشكل عادل ومستدام.

كرامة اللاجئين خط أحمر

مع تصاعد الاحتجاجات في المخيمات الفلسطينية في لبنان، يبدو أن الأونروا تقف أمام اختبار حقيقي: إما أن تستجيب لمطالب اللاجئين وتستعيد دورها الإنساني، أو أن تواجه مزيدًا من الغضب الشعبي الذي قد يمتد إلى جميع المخيمات.

فاللاجئون الذين رفعوا اليوم شعار "كرامتنا لا مساومة عليها”، يدركون أن قضيتهم لا تتعلق فقط بمساعدات مالية، بل بحقّهم في العيش الكريم والتعليم والعلاج، وبأن وجود الأونروا هو شاهد سياسي وإنساني على نكبتهم المستمرة منذ عام 1948.