الأمن العام «في قبضة المجتمع المدني» في ندوة حول اللاجئين
في خطوة هي الأولى من نوعها، اجتمع ممثلون عن الهيئات والجمعيات المدنية المدافعة عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين الناشطة في لبنان مع ممثلين عن القوى الأمنية، بدعوة من «الشبكة الأوروبية - المتوسطية لحقوق الإنسان» بالتعاون مع جمعية «روّاد/فرونتيرز» و»المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان».
فمنذ سنتين من النضال المستمر، سواء عبر البيانات أو ورشات العمل أو المؤتمرات الصحافية، لم تفلح الجهات الناشطة في جذب الجهات الأمنية إلى طاولاتها. وكانت سبل التحاور مقطوعة إلا من خلال «ردّ» و»ردّ على الردّ» عبر الصحف والمجلاّت.
وكان المجتمع المدني تواقاً إلى الاستماع إلى «المنطق» الأمني، على الأقل إلى طرح أسئلته مباشرة على ممثليه وبالتالي مناقشته متسلّحاً بحوادث وبراهين وشهود... وأكثر، بأحكام قضائية.
ولكن قبل الغوص بـاللقاء الثنائي المدني - الأمني، لا بدّ من طرح سؤال حول دافع الأمن العام اللبناني لقبول الدعوة إلى التحاور بعدما غاب عن ورشات عمل متعددة. هل لأن الجهة الداعية هي أوروبية؟ أم أنه خطأ يسجّل على الهيئات المدنية التي ربما اتُخذت بمدافعتها عن حقوق اللاجئين إلى درجة أنستها دعوة أبرز الفاعلين في القضية؟ وفي تفكير أكثر إيجابية، هل يمكن أن نشهد تحوّلاً في إدارة ملف اللاجئين غير الفلسطينيين (لارتباطه مباشرة بالأمن العام وتحديداً بمديره العام) فتكون أولى الخطوات قبول التحاور؟
في اللقاء الثنائي الذي شهدته إحدى قاعات فندق «كراون بلازا» بعد ظهر الجمعة الماضي، لم يتراجع الأمن العام عن موقفه «المستمدّ من القوانين اللبنانية» على حدّ تعبير الملازم أول عامر رفيق، الذي حضر ممثلاً الأمن العام. وكان بإمكان المجتمع المدني بأطيافه المتعددة، ناشطين ومحامين وداعمين... أن يسجّل أهدافاً عديدة في مرمى الأمن العام لولا إدارة الندوة فرنسياً، حيث أدّت الناشطة كاترين تول دور الوسيط مانعة أي تعليق على جواب أو أي حوار يمتد لأكثر من سؤال و»ردّ غطائه»، معلنة أن الهدف من الندوة ليس السجال. وقد أزعج قرارها ناشطين انتظروا طويلاً فرصة لمواجهة «خصومهم»، وقد جاءهم «الخصم» متهيباً بداية، ومن ثم مرتاحاً لتبرّع تول بنفسها كدرع مجاني...
«هي لا تفهم الوضع اللبناني»، قالها أكثر من ناشط منع من الاستفاضة بسؤال أو الردّ على جواب بسؤال آخر. وفي ذلك الجوّ والإطار، دار حوار استمر من الثانية والنصف إلى حوالى السادسة مساء من دون توقّف.
وعرضت عضو اللجنة التنفيذية للشبكة ماريا لافرانتيادو لعمل الشبكة في المجال، قبل أن تتحدث برنا حبيب باسم «فرونتيز» عن انعدام الحماية للاجئين غير الفلسطينيين وعديمي الجنسية الذين يتشاركون عدم وجود إطار قانوني يرعى شؤونهم، معتبرة أن أقسى ما يعانون منه هو «الاحتجاز المطوّل» من دون مسوّغ قانوني، لا سيما وأن منهم من يبقى في السجن على الرغم من إنهاء مدة حكمه.
كما لفتت حبيب إلى عدم احترام السلطات لإرادة اللاجئين في عدم العودة إلى بلدانهم فتعمد إلى إعادتهم قسراً، بقرار من المدير العام للأمن العام كما من القضاء اللبناني، موضحة أنه مع تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس مجلس الوزراء وانتهاء أعمالها بتقرير خاص باللاجئين غير الفلسطينيين بقيت الأمور على ما هي عليه، أي بلا حلّ للاحتجاز التعسفي أو الإرغام على العودة قسراً.
وتحدثت باسم «المنظمة الفلسطينية» رولا بدران معتبرة أن لازمة التوطين ترافق أي حديث عن إعطاء الحقوق للاجئين الفلسطينيين إلى لبنان، «مع هذا فإن إدراج أوضاعهم ضمن الخطة الوطنية البرلمانية لحقوق الإنسان والتعديلات القانونية في 2010، لا يمكن إدراجه إلا في خانة الإيجابيات، على أساس أنها المرة الأولى التي يسمى فيها اللاجئون الفلسطينيون صراحة في قانون لبناني» كما قالت، موضحة أن «المسيرة ما زالت طويلة قبل وصول الفلسطيني إلى عيش كريم، خصوصاً أن معاناته مستمرة في العمل والتملك والتنقل».
ثم عددّ المحامي نزار صاغية أمام ممثل الأمن العام حالات انتصار القضاء لمصلحة عدد قليل من اللاجئين غير الفلسطينيين وحكم لهم بالإفراج الفوري معترفاً بممارسة الدولة للسجن التعسفي بحقهم، وبالتالي إرغامها بدفع تعويضات لهم.
واعتبر أن تلك الأحكام دفعت الأمن العام إلى استبدال السجن التعسفي بالترحيل القسري، وممارسة الضغوط على من يلجأ إلى القضاء.
من جهته، أكّد الأب روبرت حمد الذي تحدّث باسم الكنيسة الإنجيلية، أن لبنان «يجرّم الهجرة»، معتبراً أن نظام الكفيل سيئ بحق العمال الذين يخسرون إقامتهم القانونية ما أن يتخلى عنهم كفيلهم. كما أشار إلى الظلم الذي يلحق بهم على الصعيد القانوني و»ما اعتقال ثلاث سريلانكيات وأثيوبية لأنهن طالبن بأجورهن إلا مثال على ذلك».
أما وديع الأسمر من «المركز اللبناني لحقوق الإنسان» فلفت إلى أن ملفات اللاجئين على اختلافهم لا تعالج إلا أمنياً «وحين نرفع الصوت يدفع اللاجئون الثمن».
الردود «الأمنية» ...
ردّ رئيس قسم حقوق الإنسان في وزارة الداخلية الرائد زياد قائدبيه على كلام الأسمر بالتأكيد أن الملفات لا ينظر إليها من الناحية الأمنية بل من الناحية الإنسانية، وأعلن عن تعديل مذكرة التفاهم المبرمة بين الأمن العام وبين المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وذلك على أثر اجتماع جمع الأطراف المعنية في 30 تشرين الثاني الماضي على أن يستتبع باجتماعات أخرى لإقرار التعديل، وأن «ذلك نابع من إصرار وزير الداخلية زياد بارود على ضرورة توقيع الاتفاقية الجديدة بين الحكومة اللبنانية وبين المفوضية».
وقد أقرّ أن الاتفاقية الجديدة تحترم إصرار لبنان على أنه «ليس بلد لجوء»، لأن «مساحته صغيرة، ومتعدد الطوائف وشعبه لا يتجاوز الأربعة ملايين نسمة»، كما برّر قائدبيه.
وعدد نقاط الضعف التي تعاني منها الوزارة وهي: عدم ضبط الحدود، والدخول خلسة إلى لبنان حتى لمن يحمل أوراقاً ثبوتية في سوريا، وعدم بذل جهود من قبل بعض السفارات لرعاياها.
وفي ردّه على صاغية أكّد قائدبيه إصرار بارود على تنفيذ الإدارة اللبنانية المسؤولة الأحكام الصادرة بحقها كافة، مفيداً أن الوزير طلب إلى الأمن العام الإفراج الفوري عن اللاجئ السوداني عبد المنعم إبراهيم، بعد مساءلته عن سبب التوقيف، لا سيما وأنه يحمل بطاقة لاجئ واسمه مدرج لإعادة التوطين في كندا.
وردّ رفيق، باسم الأمن العام على شهادات المدنيين بلازمة لطالما رافقت بيانات الجهات الأمنية، فقال «نحن لا يمكننا إطلاق سراح موقوف إلا بإشارة من القضاء». وطالب التمييز بين المهاجر غير الشرعي واللاجئ، موضحاً أن بعض السفارات لا تؤدي الدور المطلوب منها «فننتظر أوراق عدد من رعاياهم لأشهر، من دون أن تؤمنها لهم».
ولم توفّر سهامه «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» مؤكداً أنها «لا تطبّق شروط التفاهم بشكل جيّد، فإذا طلبنا منها البت بأمر أحدهم بقيت أشهراً وأحياناً سنوات».
لم يحضر أي ممثل عن المفوضية للردّ على هذا الاتهام. وقد أكمل رفيق حديثه برسم صورة عن معاناتهم كعناصر أمنية تماماً كما الأجانب من وضع نظارة الأمن العام تحت جسر العدلية، موضحاً أن «جهوداً بذلت في هذا المجال، لنقل النظارة إلى مكان آخر لكنّها تعطّلت لأسباب أمنية وسياسية على حدّ سواء».
لكنّ قائدبيه أشار إلى شراء الدولة لقطعة أرض في رومية سوف يبنى عليها نظارة للأمن العام «بتمويل من الاتحاد الأوروبي». وهو توضيح استلزم توضيحاً آخر من أحد ممثلي الاتحاد الأوروبي في الندوة، مؤكداً أن «الاتحاد قام بتمويل الدراسات اللازمة لإعداد مركز للأجانب على تلك الأرض. وأنه لن يقوم بتمويل بنائها ما لم يتخذ لبنان خطوات جدّية في ما يخصّ التشريعات الخاصة بالأجانب واللاجئين إليه».
حاولت مديرة الجلسة أن تكون تلك الصفعة الأخيرة إلى الجهات الأمنية الرسمية على الطاولة، لكن الحضور أبى إلا أن يطرح التساؤلات التي طالما حمّلها لبياناته وتوصيات ندواته... فسألت رئيسة «فرونتيرز» سميرة طراد عن أعداد المحتجزين وقد أنهوا أحكامهم ولماذا لم يُفرج عنهم؟ وعاد وسأل صاغية عن سبب عدم الإفراج عمن صدرت بحقهم أحكام للإفراج الفوري؟ وكانت تعليقات من هنا وهناك، فقال ساري حنفي نقلاً عن «أحد الأمنيين» كما قال «نحن لن نعالج مشكلة فاقدي الأوراق الثبوتية قبل الدخول إلى المخيمات». فيما أشار ناشط بلجيكي أنه «لم يسمع قط ببلد يريد ان يكون بلد لجوء. إذ من المضحك إعلان لبنان أنه ليس بلد لجوء فهو أمر لا يناقش في العرف الدولي، لأنه على كل من الدول تحمّل جزء من هذا العبء».
لم يكن بوسع رفيق سوى تكرار ما استهل به حديثه «الامن العام لا يتحّرك الا بقرار قضائي، فنحن ضابطة عدلية مساعدة للنائب العام». ليؤكد أنه «فور جلب الموقوف يفتح ملفه في مدة تقل عن الأربع وعشرين ساعة ليتم تحويله إلى المدعي العام، وغالبية الإشارات القضائية تترك البتّ بأمر الموقوف للمدير العام للأمن العام. ونحن نطبّق القانون بحرفيته». وبالنسبة لرفيق فإن القانون يجرّم على الدخول خلسة إلى لبنان «وهناك أعداد من العراقيين، كمثل، دخلوا البلاد خلسة، فالذين أعلنوا طلبهم للجوء امام الدولة اللبنانية لم يتجاوز أصابع اليد». واعتبر أن مسألة عدم اعتبار الهجرة جرماً «مسألة خاضعة للنقاش وليست أمراً مسلماً به دولياً».
أصرّ صاغية على التأكيد أنه ما من سند قانوني يسمح باستبقاء من أنهوا أحكامهم، فأصرّ رفيق بأن «القانون أعطى المدير العام للأمن العام الحق بالنظر بوضع كل مسجون». وسألت حبيب عن «إيداع أشخاص في رومية لمصلحة الأمن العام، من دون ان ينظر في وضعهم المدير العام للأمن العام». وأجابها رفيق بأن السبب عائد إلى اكتظاظ السجون وتحديداً سجن الأمن العام. وختم «نحن ننفذ القوانين وإذا كان ذلك يرضي المعنيين فاعملوا على سن تشريعات جديدة».
أنهت المديرة الفرنسية السجال، الحاد من حيث المضمون والهادئ من حيث الأسلوب، وتركت المنبر لمدير «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» في لبنان سلفاتور لومباردو، فوعد بكلمة مقتضبة أن تفضح دراسة «علمية» و»موثقة»، أعدّتها «الأونروا» حول أوضاع الفلسطينيين في لبنان، وقائع لطالما كانت مضللة «كالخوف من منافسة اللبناني في سوق العمل من دون عرض الأرقام الصحيحة التي تكشف أن الفلسطيني لن يعمل في ميادين يعمل فيها اللبناني كما أن القوى العاملة الفلسطينية لا تزيد عن الخمسين ألف عامل. وبشكل أدّق إن أجريت التعديلات المطلوبة على قانون العمل فلن تزيد هذه القوى عن عشرة آلاف عامل».
ومع ان عددا من فاقدي الأوراق الثبوتية حصل عليها أخيراً في خطوة متقدّمة للوكالة والأمن العام، فإن لومباردو أصرّ على وضع تعديلات القوانين الأخيرة حيّز التنفيذ، وأكثر العمل على تحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين، خاتماً مداخلته بالقول «إن الوضع الفلسطيني شديد التعقيد وما يزيده تعقيداً الوضع اللبناني».
المصدر : جريدة السفير اللبنانية 6 / 12 / 2010