التذرّع بعجز موازنة «الأونروا» مؤامرة
الأربعاء، 03
حزيران، 2015
67 عاماً مرَّتْ على نكبة فلسطين في العام
1948...
48 عاماً مرَّتْ على نكسة حزيران 1967...
قبل 67 عاماً كان ضياع فلسطين، وقبل 48 عاماً
أكمل الاحتلال على ما تبقّى من فلسطين، واحتُلّت القدس أولى العواصم العربية والإسلامية...
33 عاماً مرَّتْ على غزو الاحتلال الإسرائيلي للبنان في حزيران
1982...
على الرغم من نكبة فلسطين وتهجير القسم الأكبر
من أبنائها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو إلى دول الجوار، إلا أنّ المخطّطات
الصهيونية لا تزال قائمةً، وتُبذل الجهود من أجل تنفيذها لتحقيق فكرة "أنّ فلسطين
هي أرض بلا شعب وهناك شعب بلا أرض"، هو الشعب اليهودي، ويجب ترسيخ هذه المقولة
على أرض الواقع من خلال استمرار مسلسل التهجير والتشتيت لأبناء الشعب الفلسطيني، الذين
ما زالوا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948 وفي القدس والضفة الغربية
وقطاع غزّة، فضلاً عن الذين نزحوا قسراً إلى دول الجوار وتحديداً لبنان وسوريا والأردن...
هذا الطرح يهدف إلى "ترانسفير" وتهجير
اللاجئين من الأماكن التي يتواجدون فيها الآن، بما في ذلك دول الجوار، إلى بلدان أخرى
خشية الخطر "الديموغرافي" الفلسطيني في مواجهة عدد اليهود الذين تم استجلابهم
إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهم من الدول العربية والإسلامية والاتحاد السوفياتي،
ما أدّى إلى نفاذ هذا العدد، وبالتالي صعوبة التوجّه نحو الولايات المتحدة الأميركية
والدول الأوروبية لإقناع اليهود بالانتقال إلى الكيان الصهيوني لتحقيق الحلم بإقامة
"دولة إسرائيل اليهودية"...
ولأنّ قضية اللاجئين هي إحدى أبرز قضايا استمرار
الصراع مع الكيان الصهيوني، والتي على الرغم من المحاولات الإسرائيلية بأن يكون انهائها
بنداً أساسياً في الاتفاقيات مع الجانب الفلسطيني، إلا أنّ الفلسطينيين أُفشلوا ذلك،
وأكدوا تمسّكهم بحق العودة وفقاً للقرار الدولي 194.
وإذا كان هناك إصرار على استهداف حق العودة، فإنّ
هناك استهدافاً أيضاً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"،
التي أنشئت بتاريخ 8 كانون الأول 1949 بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة لـ
"الأمم المتحدة" كوكالة متخصّصة ومؤقتة من أجل العمل على تشغيل وإعانة اللاجئين
الفلسطينيين إلى حين عودتهم إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم التي هُجِّروا منها، وهو ما لم
يحصل حتى الآن.
محاولات إلغاء وكالة "الأونروا" مشروع
قديم متجدّد، لأنّها الشاهد الوحيد على اللجوء الفلسطيني في وقت يُصرُّ اللاجئون على
إبقائها شاهداً حيّاً على نكبتهم، وحقّهم بالعودة حتى لو كانت هيكلاً عظمياً، وتقلِّص
الخدمات بين الحين والآخر.
واستحوذ على الاهتمام إعلان مفوّض عام "الأونروا"
بيير كرينبول عبر مذكّرة وزّعها بتاريخ 14 أيار 2015 - تزامناً مع ذكرى نكبة فلسطين
- عن "أنّ "الأونروا" بصدد اتخاذ بعض التدابير التقشّفية في مناطق عملياتها
الخمس، بذريعة الحفاظ على استمرارية عمل "الأونروا" في تقديم الدعم للاجئين
في لبنان والنازحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان".
توقيت غير بريء!
توقيت ذلك ليس بريئاً، لأنّ طرح هذا الموضوع بين
الحين والآخر يكون تزامناً مع تأزّم الوضع السياسي، خاصة تجميد المفاوضات الفلسطينية
- الإسرائيلية، ومحاولة الضغط على الطرف الفلسطيني، في مسعى لتقديم تنازلات بدلاً من
الضغط على الكيان الإسرائيلي، الذي يتهرّب من تنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق
الدولية، بما في ذلك ما نصّت عليه الجمعية العمومية لـ "الأمم المتحدة"،
وهو ما يطرح جملة من التساؤلات:
- هل إنّ الدول المناحة تنفّذ سياسة قصاص ضد "الأونروا" من
أجل الضغط على الشعب الفلسطيني ودفعه للرضوخ والقبول بأي تسويات، خصوصاً بشأن وضع اللاجئين
في الشتات؟
- لماذا محاولة إلغاء "الأونروا" في هذه الظروف بالذات مع
الانشغال العربي بما يجري من قضايا داخلية؟
- ماذا تغيّر لتتحوّل "الأونروا" من وكالة لإغاثة وتشغيل
اللاجئين إلى ممارسة القهر والإذلال لهم؟
- هل مطلوب أنْ تؤدي هذه القرارات إلى جيش من العاطلين عن العمل، بدلاً
من تأمين وظائف، وهو ما يُتيح أرضية خصبة لتغلغل الآفات الاجتماعية وتنفيذ المشاريع
والمخططات؟
واللافت أنّ العجز الذي تُعاني منه وكالة
"الأونروا" يبلغ حوالى 100 مليون دولار أميركي، جرّاء عدم تنفيذ بعض الدول
المانحة لالتزاماتها مع "الأونروا" من أجل القيام بواجباتها التي أنشئت من
أجلها.
وتشير المصادر إلى أنّ "الأونروا" بحاجة
إلى مبلغ 30 مليون دولار أميركي من أجل القيام بتنفيذ القضايا الطارئة، التي لم يحصل
منها خلال العام 2015 إلا 21% فقط، وهو ما يؤدي إلى تأثّر تقديمات الإغاثة من قبلها.
والمؤسف أنّ الدول العربية تلتزم بـ8% من موازنة
"الأونروا"، وهي منذ العام 1998 لا تساهم بأكثر من 2% سنوياً، وفي العام
2008 ساهمت بأقل من 1%.
وفي السابق كانت وكالة "الأونروا" تتذرّع
بأنّ هناك انقساماً بين القوى السياسية الفلسطينية في لبنان، فتتلكأ عن القيام بالدور
المنوط بها، أما الآن فإنّ وحدة الموقف الفلسطيني للقوى الوطنية والإسلامية، أربكت
إدارة "الأونروا" لعدم استطاعتها الدخول من هذا الباب، حيث تتحرّك كافة الفصائل
والقوى والهيئات الفلسطينية بموقف موحّد، وهو ما ظهر جلياً بالتحرّك نحو مقر
"الأونروا" الرئيسي في بئر حسن - بيروت، وأيضاً أمام مكاتب مدراء المناطق،
ومدراء المخيّمات، احتجاجاً على سياسة تقليص الخدمات.
لكن بات ضرورياً أنْ يتم التحرّك من خلال تنفيذ
اعتصامات أمام مقرّات الدول المانحة التي تتهرّب من تنفيذ التزاماتها، من أجل الضغط
عليها لسداد المستحقات بذمتها.
القرارات التي اتخذتها وكالة "الأونروا"
كانت مدار عدّة اجتماعات بين سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور ومدير عام
"الأونروا" في لبنان ماتياس شمالي في مقر سفارة دولة فلسطين، حيث أبلغه دبور
بضرورة وقف القرارات التي اتخذتها وكالة "الأونروا" نظراً إلى الأوضاع والظروف
الصعبة التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني في لبنان أو اللاجئ الفلسطيني الذي نزح من سوريا،
وخطورة انعكاس ذلك على أوضاع اللاجئين.
وقد أبدى شمالي تعاطفه الشخصي وتأثّره تجاه اللاجئين
والنازحين الفلسطينيين، ودعوته المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته تجاههم.
خطوات المعالجة
لقد شكل قرار وكالة "الأونروا" باتخاذ
خطوات تقليصية بذريعة العجز والنقص الحاد في التمويل، أزمة حقيقية، وهو ما يستوجب إلغاء
ما تقرّر ووقف كافة مفاعيله بشكل سريع من خلال:
- عدم تقليص الخدمات المقدّمة للاجئين الفلسطينيين القادمين من مخيّمات
سوريا، بدفع بدل الإيواء البالغ 100 دولار أميركي، وعدم تخفيض المبلغ المقدّم عن الأفراد
من 45 ألفاً للفرد الواحد إلى 17 ألفاً فقط، لأنّ اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى
لبنان يعانون ظروفاً صعبة، ومن غير المسموح لهم العمل في لبنان بسهولة، ما يصعّب حياتهم.
- عدم تخفيض أو إلغاء برنامج التعليم الخاص للطلاب الفلسطينيين من سوريا
وهو مموّل من خطة الطوارئ.
- عدم اعتماد تقليص عدد الصفوف والمدرّسين، ما يؤدي إلى اكتظاظ الصف
الواحد، بحيث يصبح يستوعب 50 طالباً، فيتحول البرنامج التعليمي من نوعي إلى كمي، من
خلال عدم إمكانية الطالب الاستيعاب كما هو مطلوب، والمدرس الشرح بسهولة، ومن نتائج
ذلك أنْ تكون هناك بطالة إضافية للمعلّمين والموظّفين، بدلاً من قيام "الأونروا"
بمهمتها وتأمين تشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وليس الاستغناء عن الموظّفين الحاليين.
- تجميد التقليصات في قطاعَيْ الصحة والإغاثة، المموّلين من الموازنة
العامة لـ "الأونروا" ومن برامج تعاقدية هي بالأساس منخفّضة جداً، فكيف سيكون
الحال في حال التقشّف الجديد؟
مع تسلّم المدير العام لوكالة "الأونروا"
في لبنان ماتياس شمالي مهامه أمل اللاجئون بأنْ تكون ولايته فترة يستفيدون خلالها من
خدمات وكالة "الأونروا"، وإذا بهم يتفاجأون مع الذكرى الـ 67 للنكبة بالإعلان
عن تدنّي تقديمات "الأونروا"، مع العلم بأنّ اللاجئ الفلسطيني في لبنان وهو
ما ينطبق أيضاً على اللاجئ الفلسطيني من سوريا، هو الأكثر حاجة إلى الخدمات، جرّاء
جملة من الأسباب.
هذا الإجراء يهدّد 43 ألف لاجئ فلسطيني من سوريا
إلى لبنان، كانوا يحصلون على مساعدة نقدية شهرية كبدل إيواء بقيمة 150 ألف ليرة لبنانية
للعائلة، وبدل غذاء بقيمة 45 ألفاً للشخص الواحد، وهو ما يهدّد الحصول على بدل الغداء
بعدما تقرّر وقف دفع بدل الإيواء.
وفي ضوء ذلك، فإنّ هناك مخاطر جمّة يمكن أنْ يواجهها
اللاجئون سواء من المبالغ المخصّصة ضمن الموازنة العامة لـ "الأونروا" أو
المساعدات الدورية الطارئة أو العقود بين "الأونروا" والمموّلين، حيث تنوي
"الأونروا" القيام بإجراءات تشمل:
- تجميد التعيينات الجديدة ومراجعة السياسة بخصوص الموظّفين المياومين.
- مراجعة العقود الدولية المبرمة مع "الأونروا".
- مراجعة التقديمات المموّلة من الموازنة العامة.
- وقف بناء وترميم المنازل الآيلة للسقوط داخل المخيّمات أو لذوي الحاجات
والعوز.
تقليص برنامج الدعم الدراسي المموّل من
"اليونيسف" وبرنامج المنح الجامعية المموّل من "الاتحاد الأوروبي"
بناء على عقود بينها مع "الأونروا" ما يؤدي إلى احتمال تقليصه.
الخشية من عدم دفع رواتب الموظّفين خلال الفترة
المقبلة.
وقف مساعدة بدل الإيجار للنازحين وتخفيض قيمة
المساعدات الغذائية.
وقف عمل موظّفين مياومين في العيادات والصحة البيئية
في المخيّمات.
واستناداً إلى هذه القرارات، يُخشى أنْ تكون هناك
توجّهات سياسية دولية للمس بقضية اللاجئين خاصة مع الانشغال العربي بالقضايا الداخلية.
استهداف المخيّمات
وإذا ما جرى استعراض واقع "الأونروا"،
فإنّها ليست المرّة الأولى التي تتعرّض فيها الوكالة الدولية إلى أزمات مالية، ولكن
يستشف أنّ هناك محاولات للضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات بشأن قضية اللاجئين،
والتي تعتبر المخيّمات ركيزة أساسية لها.
لذلك، فإنّ استهداف المخيّمات ليس بجديد، بل هو
حلقة متواصلة، وما زال أهالي مخيّم نهر البارد - شمالي لبنان، يعانون من أزمة إعادة
إعمار المخيّم الذي دُمِّر، بعدما خطفته مجموعة "فتح الإسلام" الإرهابية،
واعتدت على الجيش اللبناني في أيار 2007.
استهداف المخيّمات، وخاصة مخيّم عين الحلوة، حيث
يتم تركيز ممنهج باستهدافه، ووصفه بأنّه "بؤرة أمنية" ويأوي مطلوبين، في
محاولة لتوتير الأجواء في المخيّم وحصول إشكالات داخله ومع الجوار.
التهديد الدائم لمخيّمي جل البحر والقاسمية في
صور، تحت ذريعة أنّهما تجمّعان أُقيما على أرض لم تستأجرها وكالة "الاونروا"،
المقصِّرة في خدماتها في أكثر من مكان.
تدمير الجزء الأكبر من مخيّم اليرموك في سوريا،
حيث نزح سكانه إلى مناطق أخرى في سوريا أو إلى خارجها.
هذه المخيّمات الشاهد الحي على النكبة، والتي
يعني الحفاظ عليها صيانة للهوية الوطنية الفلسطينية، واستهدافها تدميراً لها، وما يؤديه
ذلك من تهجير سكانها إلى مناطق أخرى داخل البلدان التي يقيمون فيها أو خارجها، ومنهم
إلى دول أوروبية، وفي الآونة الأخيرة عبر مراكب الموت التي تقل نازحين فلسطينيين من
لبنان وسوريا، حيث لقيت عشرات العائلات حتفها قبل الوصول إلى ملاذ آمن.
مسؤوليات "الأونروا"
"الأونروا" تتذرّع بعجز في الموازنة، وهي مطالبة بتأمين الإغاثة
والعمل والتشغيل للاجئين، ومطلوب منها:
- مكافحة الفساد الداخلي لجهة بعض الرواتب العالية والمصاريف الباهظة.
- ترشيد إنفاق التمويل.
- تحمّل القسم القانوني في "الأونروا" مسؤولياته في توفير
الحماية القانونية، وحل مشاكل الإقامات للاجئين الفلسطينيين من سوريا.
- ضرورة عدم المس بالخدمات الأساسية المقدّمة للاجئين الفلسطينيين عموماً،
وخاصة بالتعليم والصحة والإغاثة، وعدم وقف التوظيف أو التخلّي عن الموظفين وإنهاء عقودهم،
لأنّه بالأساس فإنّ "الأونروا" مقصّرة في أكثر من مجال، وفي الطليعة:
- إنّ البنى التحتية في غالبية المخيّمات باتت مهترئة وتتسرّب منها
المياه الآسنة لتصل إلى شبكة مياه الشفه.
- إنّ العديد من الأزقة والطرقات والشوارع في المخيّمات لم ترَ الزفت
منذ فترة طويلة، فتملأها الحفر والأخاديد، وإنْ تم الترقيع أو التزفيت، فسرعان ما تنتشر
الحفر ومن كافة القياسات.
- إنّ العديد من البيوت ما زالت من ألواح "الزينكو" جدرانا
وسقفاً، حيث تتحوّل فرناً في الصيف ولا تتحمّل البرد القارص شتاءً.
- تراكم أكوام النفايات عند مداخل المخيّمات.
- اهتراء شبكة الكهرباء، التي تتراكم أسلاكها بألواح "الزينكو"،
وهو ما أدّى إلى صعق أكثر من شخص.
- معاناة ذوي الحالات الاجتماعية.
- غياب الخدمات في العديد من التجمّعات الفلسطينية التي يتواجد فيها
فلسطينيون جرّاء ظروف عديدة، حيث تتذرّع "الأونروا" بأنّها أراض غير مستأجرة
من قِبلها.
- عدم اعتراف "الأونروا" بفاقدي الأوراق الثبوتية، الذين
وصلوا إلى لبنان في العام 1967 ما يزيد من مأساة.
- عدم العناية بالاكتظاظ السكاني في المخيّمات التي يتزايد سكانها بشكل
دائم، وأصبح 3 أضعاف العدد الذي وفد إلى لبنان في العام 1948، حيث كان يبلغ عددهم
150 ألف نسمة، وحالياً قرابة الـ 450 ألف نسمة.
- تدنّي تقديمات عيادات "الأونروا" وخاصة للحالات المرضية
مثل: القلب، الضغط، الشرايين، الحساسية، الكلى، الربو والأمراض العصبية والجلدية، وفي
الكثير من المخيّمات والتجمّعات فإنّ المريض بحاجة إلى انتظار اليوم الذي يداوم فيه
الطبيب، هذا فضلاً عن أنّ عدد المرضى يفوق الـ 150 مريضاً على طبيب واحد.
المصدر: النشرة