القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

الحاجة حليمة.. مرارة التهجير وحلم العودة إلى المجدل

الحاجة حليمة.. مرارة التهجير وحلم العودة إلى المجدل


محمد فروانة - السفير

لا تزال الحاجة الفلسطينية أم زكريا تحتفظ بـ«الطاحونة» التي يعود عمرها إلى أكثر من 70 عاماً، والتي كانت تستخدمها لطحن حبوب القهوة والقمح من أجل إعداد «خبز الطابون»، وهو الخبز الفلسطيني المشهور. هذه الطاحونة هي الشيء الوحيد تقريباً الذي تمكنت أم زكريا من نقله من قرية نعليا في قضاء المجدل التي هُجرت منها في العام 1948 إلى غزة.

معالم الحياة الزراعية والمُعاش قبل النكبة، كلها تبقى في ذاكرة اللاجئة الفلسطينية الثمانينـية حليمة سمور (85 عاماً)، التي تسكن اليوم في مخيم الشاطئ للاجئين في قطاع غزة.

تستذكر أم زكريا أدق تفاصيل قريتها وبساتين العنب والبرتقال وأشجار الزيتون، وحتى بيتها الذي دمرته قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولا زالت تحفظ جزءا من شكله.

ومع مرور 66 عاماً على النكبة، لم تغب عن أم زكريا مشاهد قريتها الأصلية والحياة اليومية، إذ تقول في حديثها إلى «السفير» إنّ «الحياة هناك كانت جميلة، كنا وقت الحصاد نجمع القمح والشعير ونخبز على فرن الطابون، ونُعد كل شيء كالطعام والشاي على النار، ونوزعه على الجيران أيضاً».

وتتابع قائلة إنّ «علاقة الناس الاجتماعية كانت متماسكة ومترابطة، حتى أيامنا وأفراحنا التي كان لها طقوس خاصة كانت جميلة، في الأغاني التراثية الفلسطينية والسامر، والذبح وغيرها».

تأتي الدموع في غير مكانها ربما. فالثمانينية لم تستمر في السرد عن الأيام الجميلة وعن أيام الرخاء التي عاشتها في قريتها بعدما قاطعتها دموعها التي انهمرت من عينيها، وبدأت تتذكر لحظات الألم والوجع التي ألمت بها وعاشتها إبان النكبة، بعدما استولى جيش الاحتلال الإسرائيلي على القرية وهجر أهلها وأفقد معالم الحياة الفلسطينية البسيطة.

تضيف والدموع تسيل من عينيها «يا ريت أروح بس أشم رائحة البيت، دائماً أتذكره ومن شدة شوقي له ولأرضنا التي سلبها الاحتلال أبكي بمرارة وحسرة».

وتروي الحاجة حليمة لحظات خروجهم من المجدل بعدما دفعهم الاحتلال إلى ترك منازلهم، إذ مكثوا يوما ونصف اليوم وهم في طريقهم إلى غزة سيراً على الأقدام في الكثبان الرملية «السوافي»، ولم يحملوا معهم أمتعتهم ومستلزماتهم التي تركوها هناك، ولم يسلموا حتى من هجمات قوات الاحتلال عليهم، ليسقط الشهداء أيضاً على درب الرحيل.

وتقول إنّ «أكثر من 15 شخصا من عائلتنا استشهدوا في المجدل، منهم عمي ونجله، وخالي ونجله أيضاً، والغالبية كلهم شبان لا تزيد أعمارهم عن 20 عاماً».

وتتابع «وصلنا إلى غزّة بأعجوبة، واستقرينا في منطقة الفواخير قرب سوق فراس في وسط غزة، وكانت الطائرات تقصفنا، لدرجة أن الرمال انهالت علينا مراراً، وكنا ننام إلى جانب الصبر وتجرعنا مرارة التهجير بصور متعددة».

ومن هنا بدأت معاناة أخرى للحاجة حليمة، وهي كغيرها من الفلسطينيين الذين هُجروا من بلداتهم ومن قراهم في العام 1948، ما تزال آمال العودة إلى قريتها شاخصة أمام ناظرَيها، إذ تقول وهي تردد المثل الفلسطيني «يا ريت دامت ودمنا... وعلى الشوك والمُرار نِمنا»، في إشارة إلى حلم العودة والبقاء في أرضها وتحمّل المرارة والمعاناة حتى لو على الشوك.

تختم وعلى وجهها ابتسامة «إن لم أعد إلى قريتي، حتماً سيعود إليها أبنائي وأحفادي، فهذه أرضنا ووطننا، الذي يسري حبه في عروقنا».