الحرب في سوريا تنعكس انقسامات على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
الجمعة، 06 نيسان، 2012
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" اليوم الخميس تحقيقاً عن المخيمات الفلسطينية في لبنان وانعكاسات الاحداث الجارية في سوريا على تلك المخيمات، وحرص مسؤولي الفصائل الفلسطينية فيها على تسليم الاشخاص الموجودين هناك والمطلوبين للدولة اللبنانية الى سلطات لبنان من اجل تجنب تكرار ما حدث في مخيم نهر البارد في 2007 عندما تمترس اعضاء جماعة تسمى "فتح الاسلام" هناك ما ادى الى تدخل الجيش اللبناني لاخراجهم واسفر ذلك عن تدمير المخيم بصورة شبه كاملة وتشريد سكانه اللاجئين. وهنا نص التحقيق: "في الوقت الذي أدى الصراع المتواصل في سوريا منذ عام كامل إلى تصاعد التوترات في لبنان المجاور بين قطاعات مؤيدة للنظام السوري واخرى معارضة له، فاقم التناحر والاقتتال بين الفصائل في المخيمات الفلسطينية حالة عدم الاستقرار في البلاد.
وأصبحت المخيمات في لبنان ساحة قتال "متصاعد" بين المؤيدين والمعارضين لنظام بشار الأسد، وفقا لما يقوله سري حنفي، الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت.
يوجد في لبنان 12 مخيما رسميا للاجئين الفلسطينيين، يقطنها حوالي نصف الفلسطينيين في لبنان، الذين يقدر عددهم بين 260 ألفا و 400 الف. وتتصف الحياة في المخيمات في معظمها بالفقر والاكتظاظ والتهميش، وندرة فرص العمل والتعليم والمستقبل الأفضل.
وخلال الاحتلال السوري لأجزاء من لبنان بين عامي 1976 و 2005 عززت دمشق علاقاتها مع المنظمات الفلسطينية. لكن الروابط مع سوريا ضعفت بعد انسحابها، وإن بقيت فيها ولاءات ما تزال مستمرة.
وقالت كيلي صالح، وهي محللة لمنظمة إدارة النزاعات الدولة: "في ما يخص القضايا المحيطة بسوريا هناك الكثير من نقاط الاشتعال في لبنان. المخيمات الفلسطينية واحدة منها، وهي واحدة من اكثرها خطورة لأنك لا تجد اي حضور للدولة في المخيمات".
عين الحلوة، وهو أكبر المخيمات يقع في ضواحي مدينة صيدا، وله سمعة سيئة بشكل خاص على انه ملاذ آمن ومتسيب وعنيف للفصائل المتطرفة والمطلوبين الهاربين من الحكومة.
وفي عين الحلوة، حيث الاحوال المعيشية القاسية التي تدهورت بسبب تاريخ طويل من المعارك الفصائلية تعد الاغتيالات والتفجيرات والمعارك أحداثا مألوفة بالنسبة الى سكانه الـ 70 ألفاً. وتحتفظ قوات الأمن اللبنانية بوجود مكثف في مداخل المخيم لكنها لا تغامر بالتوغل فيه.
وأتاح غياب فصيل واحد مسيطر وعدم قدرة المنظمات على التوحد لمواجهة الأخطار المشتركة، وحملات التجنيد الناجحة التي تقوم بها المنظمات الإسلامية المتطرفة للمنظمات الجهادية مثل "عصبة الأنصار" و"جند الشام" و"كتائب عبد الله عزام" أن تتجذر في المخيم.
وظهرت قدرة المخيم على التشويش على السلام اللبناني الهش واضحة الشهر الماضي، عندما قالت الحكومة إنها اكتشفت واعتقلت خلية في الجيش لها علاقة بكتائب عبد الله عزام، وهي منظمة جهادية دولية لها ارتباط بـ"القاعدة". ووفقا للحكومة، فإن أعضاء الخلية كانوا يخططون لهجمات على أهداف عسكرية. ويعتقد أن قائد كتائب عبد الله عزام، توفيق طه، يقيم في المخيم.
وقبل أكثر من خمسة اعوام بقليل استفاد مقاتلو حركة "فتح الإسلام" التي تستلهم افكار القاعدة من الضعف المؤسساتي، والانقسامات الفصائلية في مخيم نهر البارد الفلسطيني شمالي لبنان لإقامة قاعدة عمليات هناك. وفي أيار (مايو) 2007 وبعد مناوشات بين المقاتلين وقوات الأمن اللبنانية في طرابلس المجاورة- أشعلتها غارة للشرطة على بيت يستخدمه افراد الحركة- فرض الجيش اللبناني حصارا على المخيم.
واستمرت المعركة أكثر من ثلاثة اشهر وكلفت الجيش البناني 169 قتيلا. وعندما انتهت المعركة كان المخم قد تم تدميره إلى حد كبير، ونزح كل سكانه. وبعد خمس سنوات تقريبا على ذلك ما تزال أجزاء كبيرة من المخيم مدمرة، على الرغم من الوعود بإعادة بناء المخيم.
وأدت معركة نهر البارد إلى جو من عدم الثقة المتبادل لدى كثير من الفلسطينيين المتخوفين من نيات الحكومة اللبنانية، واللبنانيين القلقين من أن القضايا الفلسطينية يمكن أن تتسبب في المزيد من عدم الاستقرار في البلاد.
وقالت كيلي صالح: "بدلا من تشجيع الفصائل على نزع سلاحها، فإن معركة نهر البارد جعلت قادة الفصائل الذين لديهم أسلحة يتمسكون بها أكثر، لأنهم يعتبرونها وسيلة لحماية مخيمهم".
وبعد اكتشاف خلية الناشطين في الجيش الشهر الماضي، طالب عدد من السياسيين قوات الأمن اللبنانية بتجريد الفصائل الفلسطينية في المخيمات من السلاح. وطالب سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية المسيحي، بالقيام بعمل ما حتى لو أدى الأمر إلى تكرار سيناريو نهر البارد.
وقالت كيلي إن المشكلة بالنسبة الى كثير من الفلسطينيين، هي انالدرس المستفاد من نهر البارد هو ان التدخل في عين الحلوة "لا يعني أنك ستدخل وتقبض على العناصر المتطرفة. انه يعني أنك ستحول 70 ألف شخص إلى مشردين".
ورغم النداءات للسلطات اللبنانية بالتدخل في عين الحلوة، فإن المحللين يقولون إن مثل هذا التحرك ليس متوقعا لأن الجيش اللبناني متمدد بسسبب الحاجة إلى احتواء التوترات ذات الصلة بسوريا، وسيكون من الصعب عليه تحمل مسؤولية تحد آخر في المخيمات.
وقال إلياس حنا، وهو لواء متقاعد في الجيش اللبناني: "لا يتعلق الأمر بالاستعداد أو الرغبة، ولكن بإمكانية التنفيذ. وإذا أردت أن تتدخل في مخيم أكبر وأكثر تسليحا، فأنت بحاجة للمزيد من الموارد التي لا تمتلكها".
في العام 2007 تمكن بضع مئات من المقاتلين، قليلي العدد وضعيفي التسليح، في نهر البارد من الصمود لعدة اشهر وإلحاق خسائر فادحة بالجيش اللبناني. وفي مخيم عين الحلوة الأكبر بكثير، ومع وجود أعداد من المحاربين أكبر بكثير، فإن حربا مماثلة من المحتمل أن تكون معركة صعبة للغاية".
وقال السيد حنفي، مردداً ما يرى كثيرون انه الطريقة المثلى للخروج من الوضع الحالي: "اذا توصلوا الى حل فيجب ان يكون اتفاقاً بتدخل الفصائل السياسية الفلسطينية" لتوقيف الرجال المطلوبين.
وتريد الفصائل الفلسطينية العاملة بحكم الامر الواقع داخل المخيمات ان تبقى قوات الامن اللبنانية خارجها – كي تحافظ على حرية عملها ومن اجل تجنب تكرار ما حدث في مخيم نهر البارد. وفي مخيم عين الحلوة المضطرب لا يعرف بعد ما اذا كانت الفصائل المستعدة للتصرف ستستطيع بصورة سلمية توقيف المطلوبين للدولة اللبنانية من دون اثارة صراع في المخيم. اما في المخيمات الاخرى فان من الواضح ان الارادة متوافرة.
وقال مصطفى ابو حرب، وهو ناطق باسم حركة "فتح" في مخيم البداوي في شمال لبنان: "نعمل على تجنب تكرار ما حدث في نهر البارد في مخيم آخر. وسنقاتل بقوة كل تلك الاحزاب او الاعضاء الذين يريدون اختطاف مخيمنا".
وكان المتطرفون المتأثرون بافكار "القاعدة" قد حاولوا في بادىء الامر، قبل ان تطأ اقدامهم مخيم نهر البارد، ان يستقروا في البداوي. ولكن الفصائل هناك توحدت تحت قيادة "فتح" في اتفاق امني لارغامهم على الخروج.
وقال: "نريد ان نعيش في سلام مع جيراننا، مع الشعب اللبناني والجيش اللبناني الى ان نعود الى بلادنا فلسطين".
ورأى كاظم حسن، وهو مسؤول في "فتح" في مخيم شاتيلا في جنوب بيروت ان مسؤولية تسليم الرجال المطلوبين الى السلطات اللبنانية يجب ان تكون على عاتق الفصائل الفلسطينية.
وقال ان الفصائل "تريد المحافظة على الأمن في المخيم لأننا ضيوف في هذا البلد. نحن لسنا حكاماً".
المصدر: نيويورك تايمز