تستهلك ثلث راتب الأسرة الفلسطينية
الدروس الخصوصية انعكاس لفشل النظام التعليمي في الأونروا
بيروت- أحمد الحاج
أم يوسف، امرأة في العقد الرابع من العمر، مع أن تجاعيد وجهها توحي أن عمرها أكبر من ذلك بعقد على الأقل. تسكن مخيم برج البراجنة، زوجها يعمل في مهنة "الدهان". وما يجنيه شهرياً لا يتجاوز الـ 500 دولار. ولديه ثلاثة أولاد يتوزعون ما بين المرحلة الابتدائية والمتوسطة. تقول أم يوسف إن أولادها يشكون من ضعف في التحصيل العلمي، وهم بحاجة إلى دعم في المنزل، وبما أن التحصيل العلمي الذي نالته وزوجها لا يمكّنهما من ذلك فهي اضطرّت إلى تسجيل أبنائها الثلاثة في أحد معاهد "التقوية" في المخيم، بدفعات شهرية تقارب الـ 150 دولاراً، أي ما يوازي ثلث راتب زوجها.
حكاية أم يوسف ليست وحيدة في المخيم، بل إلى جانبها عشرات الحكايات المماثلة. ففي مخيم برج البراجنة هناك ما يقارب 600 طالب يتلقون دروساً خصوصية (عدد سكان المخيم حوالى 22 ألف نسمة). وإذا اعتبرنا أن كل طالب يدفع 50 دولاراً قسطاً شهرياً، فإن المبلغ الذي يدفعه سكان المخيم هو 30 ألف دولار شهرياً، وما يقارب 300 ألف دولار طيلة العام الدراسي، هذا على أقل تقدير. فالدروس الخصوصية باتت تستنزف جزءاً مهماً من ميزانية الأسرة الفلسطينية، في وقت تعاني هذه الأسرة من قلة دخلها، وضعف إيراداتها، وقلة العمل، بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المعروفة.
هذه الأرقام تطرح جملة من المعطيات من أبرزها أن مجانية التعليم التي كنا نتحدّث عنها لم تعد واقعية. فالمصاريف التي تتكبدها الأسرة الفلسطينية في لبنان على الدروس الخصوصية قد توازي أحياناً قسطاً مدرسياً في مدرسة خاصة، خاصة إذا ما أضفنا ضعف القدرة الشرائية لدى الأسرة الفلسطينية مقارنة مع مثيلتها اللبنانية (66.4 في المائة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان فقراء مقابل 35 في المائة من اللبنانيين، حسب إحصاء الأونروا والجامعة الأميركية).
إن الدروس الخصوصية، التي أصبحت ظاهرة مجتمعية، لا يمكن أن تشكل رافعة تعليمية بديلاً من المدرسة. ولنا في الدول التي تنتشر فيها هذه الظاهرة بشكل كبير دليل واضح على أن الدروس الخصوصية هي انعكاس لواقع تدهور النظام التعليمي، وتراجع دور المدرسة. ففي مصر كل وزير تعليم يتسلّم منصبه يضع على رأس أولوياته مكافحة هذه الظاهرة من خلال دعم المدرسة والنظام التعليمي، فأصبح من المسلّم به أن ظاهرة الدروس الخصوصية تسهم في تدهور الواقع التعليمي. وفي حالتنا هذه فإن مدارس الأونروا قد فشلت فشلاً ذريعاً في إدارتها التعليمية (انظر النتائج المخيبة التي حققتها أكثرية هذه المدارس). ومن هنا يجب أن تتضافر الجهود للضغط على الإدارة التعليمية في (الأونروا) لتحسين أدائها.
وكثير من الأهل والطلاب أصبحوا ينظرون، مخطئين، إلى الدورس الخصوصية بصفتها بديلاً عن المدرسة، ويمكن أن تقوم بوظائفها التعليمية، بينما الأمر خلاف ذلك تماماً، فالدروس الخصوصية مهما بلغت مهنية واحترافية المعلمين الذين يدرّسونها تبقى عاجزة عن لعب دور المدرسة لعدة أسباب، من بينها أن الوقت الذي يقضيه الطالب في المدرسة هو أكبر بكثير من الوقت الذي يمضيه في معاهد ودروس التقوية. ونظراً لقصر الوقت في هذه الدروس فإنه من الصعب أن يُضيف القيمون عليها أهدافاً تربوية أخرى، وإن كان البعض بدأ يحاول فعل ذلك.
إن الدورس الخصوصية، ومعاهد التقوية، يجب أن تكون مكملاً للمدرسة في العملية التعليمية. ومن هنا، فإن الأمر يتطلّب تنسيقاً على عدة مستويات، أولها بين معاهد التقوية، وثانيها بين هذه المعاهد ومدارس الأونروا، للتشاور في القضايا التعليمية، وسُبل بناء نظام تعليمي متكامل، بعدما أصبح هذا النظام أشبه بالبنيان المتهالك نتيجة عوامل شتّى.
إن ظاهرة الدروس الخصوصية بدل أن تشكل دعماً للطلاب الذين يعانون من ضعف تحصيلهم العلمي، أصبحت تمثّل خطورة كبيرة، حيث إن الطلبة يركنون في كثير من الأحيان إلى الدورس الخصوصية، مبتعدين عن التركيز داخل الصف، والمشاركة الجماعية والتفاعل مع أساتذتهم في المدرسة.
ولعلّ من المفيد الإشارة إلى أن من أسباب انتشار الدروس الخصوصية هو عجز الأهالي عن القيام بهذا الواجب نتيجة ضعف تحصيلهم العلمي الناتج بمعظمه عن الآثار الاجتماعية والتعليمية التي تركتها الحروب التي مرّت على المخيمات الفلسطينية في لبنان.
خلاصة القول إن مدارس الأونروا تعاني خللاً تعليمياً قاد إلى بروز ظاهرة الدروس الخصوصية، ومع ذلك، يمكن استثمار هذه الظاهرة بشكل إيجابي لتصبح مكملاً للمدرسة لا بديلاً عنها.
المصدر: مجلة البراق