القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

الدولة اللبنانية «تكتشف» مخيم برج البراجنة: صندوق للأطفال والمسنين

الدولة اللبنانية «تكتشف» مخيم برج البراجنة: صندوق للأطفال والمسنين
أبو فاعور في المخيّم: خطوة أولى للدولة؟
 

الخميس، 26 كانون الثاني، 2012

اكتشفت «الدولة اللبنانيّة» مخيّم برج البراجنة، أمس، ممثلة بوزير الشؤون الاجتماعية، وائل أبو فاعور، الذي زار المخيّم، على رأس وفد من الوزارة، فالتقى مواطنين يسكنون منازل متصدّعة، وآخرين مصابين بأمراض مستعصية، كما تجوّل في الدهاليز، مرافقاً من أهل المكان، قبل أن يوقع اتفاقية تعاون مع «الأونروا»، قضت بإنشاء «صندوق للمخيّمات»، و«تبادل الخبرات»..

هناك، على بوابة المخيّم، يقف المسلحون بثبات غريب لا يشبه منازلهم. هم أشد صلابةً منها شكلاً، لكن آثار الفقر هي ذاتها على وجوههم وعلى جدران المخيّم. لا تعرف من سيسقط قبل الآخر. في المخيّم السكان آيلون للسقوط أيضاً. أمس، على بوابة المخيّم، من جهة طريق المطار، وقف رجلٌ بدا معروفاً من الجميع، يقولون له أبو محمد. كان يستعير اهتمام الكاميرات والصحافيين، ويقول: «يكنسون الطريق عندما يكون هناك وفد قادم وحسب، الطريق أسوأ من هكذا بكثير، لا تصدّقوا». كانت الطريق سيّئة حتى بعد تنظيفها، ولو لم يقل الرجل شيئاً لما انتبه أحد إلى أنها يمكن أن تكون أسوأ مما هي عليه. وبعد البوابة بقليل، وقفت ناشطة في وزارة الشؤون الاجتماعية، ترتّب الأوضاع قبل وصول الوزير وائل أبو فاعور.

دردشت مع الصحافيين. طمأنت بعض الفلسطينيين، الذين ألقوا آذانهم في المكان، إلى أن زيارة الوزير «تفقدية»، في ما يخص البناء الهش في المخيّم. هم أتوا للمعاينة فقط. وسيعدّون تقريراً «مفصلاً». ثم سيرفعونه للهيئة العليا للإغاثة. خطوات كبيرة إذن. باغتها لاجئ بسؤال عن «الشؤون الاجتماعية الأخرى»، فارتبكت قليلاً.. «بتعرفو يعني بدنا نشوف التمويل». وما هي إلا دقائق، حتى وصل أبو فاعور. ما كان ينقص إلا حمله على الأكتاف. تهافت عليه اللاجئون. أكدوا أنه «الوزير الأول الذي يزور المخيّم». تابعت الناشطة في الوزارة تأمين الطرق للصحافيين داخل الزواريب الضيقة. وبدأت الرحلة. توجه الجميع إلى المحطة الأولى في الزيارة: مقرّ الأونروا. عملياً، هذا المقر يتبع لمنظمة الأمم المتحدة، لكن مقارنته بالمبنى الرسمي للأمم المتحدة في الأسكوا مثلاً، ستكون أمراً مضحكاً. مقرّ الأونروا أقرب إلى صورة المخيّم منه إلى صورة الأمم المتحدة.

كالعادة، كانت الكهرباء مقطوعة في المقرّ الأزرق. تشوّش ذهن الوزير الشاب وهو يتلقى الأرقام من جميع الجهات: 3 ساعات، 4 ساعات، 5 ساعات. لم يرتفع الرقم أكثر من ذلك. وبفضل نعمة البطاريات، أطلعت إحدى الناشطات الاجتماعيات الزوار على نشاطات «الأونروا» الاجتماعية في برج البراجنة، متحدثة عن «برامج توعية» و«تدريب فني»، إضافة إلى كون المركز متخصصاً في «البرامج النسائية». خمس دقائق في مقر الأونروا تخللها زعيق وصرخات استغاثة من الوضع المعيشي الصعب، انتهت بلمح البصر، وتوجه الجميع إلى منزل قاسم شحادة، الكائن في «حي الجامع». نظر الوزير إلى السقف كمن ينظر إلى الموت. تجمدت عيناه لشدة ميلان السقف. أخبرته ربة المنزل أن الأولاد ينامون في المطبخ، وأنهم تلقوا وعوداً كثيرة. فبادر مجدداً إلى سؤالها بلطف: كم يكلّف إصلاحه؟ هنا بدا كأنه جار يقطن في المنزل القريب، لكن الإجابات أتته من كل حدب وصوب. جميعها أكدت أن تكلفة إصلاح السقف المائل، الذي يلعب الأطفال تحته، لا تقل عن ثمانية آلاف دولار. في الأساس، ممنوع دخول الباطون إلى المخيّم، ودخوله، يخضع لآلية معقدة، لا يخفى على الوزير أنها تمرّ برشوة رجال الأمن، كما همس لاجئون صعدوا بدورهم ليعاينوا نموذجاً أوضح من النماذج الموجودة في منازلهم، مضيفين إن «نقل الرمل في زواريب المخيّم الضيقة يضاعف ثمنه كثيراً، نظراً إلى ضيق الطرقات». وهي طرقات، لا يخفى على أحد، أنها أحياناً تتسع لشخص واحد فقط، وإن كان سميناً، فقد يواجه مشاكل جدية.

توجه أعضاء الوفد الوزاري إلى منزل عاينوا فيه المشاكل الجدية عن قرب. انتظروا دورهم لاختراق الزحمة، ومروا واحداً واحداً في دهاليز المخيّم. رجته الزوجة أن يساعدها، ويسهم في معالجة زوجها المصاب بالتصلب اللويحي، ولم يأخذ الحقن المطلوبة من الدواء منذ أسبوع. بدأت تعرض له الحقن القديمة وتشير إلى رأس الرجل المستلقي على السرير كأنه مقعد. تغيرت معالم قاطنة المنزل الفتحاوي، حين وعد الوزير بالمساعدة. يحسب للوزير أن الخلافات السياسيّة غابت تماماً عن جولته في المخيّم، بينما حضرت الكاميرات معه بقوة، ما أثار حفيظة بعض اللاجئين الفلسطينيين. اشتد التزاحم على أبواب «الشيخوخة». وهذا الاسم، هو الذي يعرف به الفلسطينيون اسم الجمعية التي ترعى المسنين في المخيّم. هناك انقسم المسنون إلى مجموعات. مجموعة تلعب «الباصرة». مجموعة تلعب «البرجيس». وعلى الأطراف، مسنات يرسمن ويلوّنّ كأنهن أطفال. رمين أعمارهن خلف ظهورهن وتفرغن للتلوين. جلس الوزير، مجدداً، مع المشرفة على الجمعية، واستمع إلى مطالبها. دعا الجميع إلى زيارة راشيا، فبادلوه الود وقدموا إليه فنجاناً.

انتهت محطة «الدولة» في المخيّم داخل مركز «أحلامنا». هناك، وقّع الوزير اتفاقية تعاون بين وزارة الشؤون الاجتماعية والأونروا، قضت بإنشاء «صندوق خاص لرعاية أطفال ومسني المخيّمات الفلسطينية في لبنان». لم يعط الوزير أية تفاصيل إضافية، بينما همست إحدى الناشطات في وزارته للصحفيين، مؤكدةً، «الصندوق بحاجة إلى تمويل وسنرى الاتحاد الأوروبي والجمعيات». حتى الآن، الاتفاقية بمجملها «تبادل خبرات»، أو «خطوة أولى» من مسؤول رسمي داخل المخيّمات. هذا ما يفسر ترحيب المدير العام للأونروا في لبنان، سالفاتوري لومباردو، بالوزير أبو فاعور، الضيف الجديد، متمنياً أن تكون «زيارة وزير الشؤون الاجتماعية مقدمة لزيارة وزراء آخرين».

بدوره، نفى أبو فاعور أن تكون هذه الزيارة هي الأولى له. فهو «يتردد دائماً على المخيّمات»، مؤكداً أن «الصور التي رآها في المخيّم كافية لتصيب أي لبناني بالخجل».

المصدر: أحمد محسن – الأخبار