السلفية في الرشيدية: انتماءات فردية لا ظاهرة جماعية
الخميس، 15 كانون الأول، 2011
من أين تدخل السلفية إلى الرشيدية؟ من الطريق الدولية، بدءاً من مدخل صور الجنوبي، وصولاً إلى حاجزي الجيش وحركة فتح؟ أم من طريق البحر المشرعة حركة الدخول والخروج منها؟
بعيد وقوع تفجيري صور قبل شهر، لوّح مصدر أمني باحتمال وقوف جماعة سلفية جديدة في مخيم الرشيدية وراء العمليتين. تلويح صدم الكثيرين الذين فوجئوا بقدرة السلفيين على إثبات حضورهم في هذا المخيم تحديداً من جهة، وبتطور تحركهم وانقشاع أهدافهم في المنطقة من جهة أخرى. من هنا، حاز الأمر اهتماماً بالغاً، ليس من الأجهزة الأمنية فحسب، بل من الأحزاب والقوى اللبنانية والفلسطينية على حد سواء، لمواجهة خطر اختراق الفكر السلفي والمتشدد للجنوب المتصالح مع طوائفه كافة من جهة ومع مخيماته من جهة أخرى. فالصيت الواصل عن المخيم إلى المنطقة المحيطة به، أنه من أكثر المخيمات الفلسطينية في لبنان هدوءاً وأمنا وتنظيماً وترتيباً. فضلاً عن أنه ظل لسنوات يمثّل عرين حركة فتح وملعبها الممسوك، بسبب تمركز أمين سرها السابق في لبنان اللواء سلطان أبو العينين، فيه. الهدوء وقلة عدد الحوادث والإشكالات الأمنية، مثّلا عامل جذب لهيئات وبرامج دعم إنسانية محلية ودولية افتتحت مراكز لها بجوار تجمع مدارس الأونروا ومستشفى بلسم. مع ذلك، لا تختلف معاناة سكانه الذين يزيدون على ثمانية وعشرين ألفاً، عن أقرانهم من اللاجئين. البطالة متفشية، لا لأنهم فلسطينيون ممنوعون من معظم الوظائف فحسب، بل لأن محيطهم الذي كان يعتمد على عمالتهم في بساتين الليمون، قد قرر استبدالها بحقول موز لا تحتاج إلى يد عاملة كثيرة.
يحتاج الباحث عن السلفية في الرشيدية إلى كثير من السرد والنقاش والمناورة لكي يستحصل على معلومة بسيطة عن الأمر من أحد سكان المخيم، لا من شخص عادي؛ لأن الأهالي يجمعون على ألا علم لهم بوجود ظاهرة كهذه في مخيمهم «الذي عرف بانفتاحه وميله إلى العقائد الوطنية واليسارية». تلك المعلومة السلفية تخرج على مضض من لسان كادر في أحد الفصائل الفلسطينية: «لا يمكن وصف السلفية بالظاهرة، بل هي عقيدة يتبناها فردياً عدد قليل جداً من رجال المخيم». ويستحضر عشرات الأدلة لإثبات حكمه «إما لعدم تضخيم شيء غير موجود في الأساس، وإما لعدم التأثير المعنوي على حضور الفصائل الأخرى التاريخي في المخيم»؛ إذ إن «أكثر المتضررين من انسياق بعض الأشخاص إلى الفكر السلفي، هي فتح بالدرجة الأولى» يقول. والسبب أنها كانت «تمسك بالمخيم لسنوات بيد من حديد. وهو الواقع الذي تغير بعد مغادرة اللواء أبو العينين من جهة، وازدياد الانشقاقات والخلافات الداخلية بين صفوفها من جهة أخرى، إضافة إلى الشح المالي الذي كان سائداً بين عناصرها».
تراجع القوى الوطنية واليسارية فسح المجال بداية أمام القوى الإسلامية للتقدم. حركتا حماس والجهاد الإسلامي حجزتا مكاناً لهما، قبل أن تتسلل بنحو محدود جداً التيارات السلفية عبر رئيس جمعية الاستجابة (يمولها شيوخ كويتيون) المنشق محمد ساري قدورة الذي نشط بعيد الاحتلال الأميركي للعراق في إعطاء المحاضرات الدينية التوعوية في الرشيدية، إلى جانب أنشطة حزب الدعوة و«أحباب الله».
في المجالس الضيقة، يفصح كوادر الفصائل الفلسطينية بعضهم لبعض عن التطور الذي تشهده الحالة السلفية في المخيم. حتى وقت قريب، وصل عدد المنتمين إليها نحو ستين شخصاً، جميعهم من فلسطينيي الرشيدية، حيث يؤلفون ما يعرف بـ«الحركة الإسلامية المجاهدة» المرتبطة بمرشدها الروحي الشيخ بلال خطاب الموجود في مخيم عين الحلوة. هؤلاء يستفيدون من أجواء الانقسام التي تسود «فتح» في الآونة الأخيرة، حيث وقعت حالات انشقاق عدة بعد قرار إنشاء الشرطة المدنية التي تهدف إلى تنظيم حمل السلاح، فضلاً عن ضعف التنظيم والموارد المالية التي أصابتهم بعد إقصاء أبو العينين.
مع ذلك، لا ينحصر الصراع بين فتح والسلفيين فحسب، بل إن الجهاد وحماس تقفان لهما بالمرصاد بنحو أقوى؛ ففي شهر شباط الفائت، وقع إشكال مسلح بين عناصر من حماس وسلفيين على خلفية شائعة منع الحركة للسلفيين من الدخول إلى أحد المساجد، حيث كان أحد الشيوخ يستعد لإلقاء خطبة تروج للفكر المتطرف والتحريضي. ذلك الإشكال لم يكن الأخير، بل أعقبته منازلات مسلحة عدة لاحقاً بين السلفيين وعناصر من الفصائل الأخرى، لكنها كشفت للعيان حجم السلاح المتطور الذي يملكه السلفيون، وتواصلهم معاً عبر أجهزة لاسلكية، الأمر الذي يثير التساؤلات عن الأطراف التي توفر لهم الدعم المالي الضخم. هنا، يضع العارفون احتمالات لا تستثني بعض دول الخليج ومشايخها، ولا سيما السعودية والكويت، لكنها ترصد الاحتمال المستجد، وهو أن تركيا دخلت أخيراً على خط دعم التيار السلفي.
وصل عدد السلفيين إلى نحو ستين شخصاً، جميعهم من فلسطينيي الرشيدية أنشأوا «الحركة الإسلامية المجاهدة».
المصدر: آمال خليل - الأخبار