السبت، 23 أيلول، 2023
شهدت "عاصمة الشتات” الفلسطيني، مخيّم عين
الحلوة، اشتباكات مسلّحة في الآونة الأخيرة أسفرت عن عشرات الضحايا والجرحى ونزوح
أكثر من 65% من سكّانه، وخسائر مادية كبيرة طاولت مدارس "الأونروا” داخل المخيّم
ما قد يؤخر التحاق نحو 6 آلاف طفل فلسطيني بالعام الدراسي الجديد. ليست المخيّمات
الأخرى بحال أفضل، إذ غرق 33 لاجئاً فلسطينياً غالبيتهم من سكّان مخيّم نهر البارد
على متن مركب للهجرة غير الشرعية في أيلول الماضي. هذه المأساة مجتمعة تُذكّر
بالمعاناة التي يعيشها الشباب الفلسطيني في لبنان، الذي نشأ وترعرع في ظل عدم استقرار
وحرمان من حقوقه الاجتماعية والمدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية الأساسية،
إلى جانب التمييز وخطاب العنصريّة التي تشتدّ وتيرتها بشكل دوريّ. فلا يزال
الشبّان (19-35 سنة) الذين يشكّلون 63% من اللاجئين في لبنان اليوم، يعانون قيوداً
منهجية تحول دون تحقيق آمالهم وتطلّعاتهم. في موازاة ذلك، يقدّم الشباب الفدائي في
فلسطين المحتلّة نموذجاً ناصعاً في مقاومة الاحتلال يقابله انخراط تام لدول
الهيمنة العالمية بدعم "إسرائيل” وتواطؤ العديد من الدول العربية في التطبيع مع
الكيان "الإسرائيلي”. فأين الشباب الفلسطيني في ظل كل هذا، يجيبنا بعض منهم في ما
يأتي.
شذى عبدالعال، الغابسيّة، قضاء عكّا - مخيّم
برج البراجنة
"أنا من وين؟ ليش
عايشة هون؟ وكيف يعني فلسطيني بس موجود في لبنان؟ كانت هذه تساؤلاتي منذ ولادتي في
مخيّم نهر البارد”، تقول شذى عبدالعال (27 عاماً) التي ترعرعت في مخيّم نهر البارد
الأبعد جغرافياً بين المخيّمات عن الحدود الفلسطينية - اللبنانية، الذي تميّز عن
باقي المخيّمات الفلسطيني، قبل تدميره عام 2007، بازدهاره الاقتصادي وحفاظه على
تقاليده الفلسطينية في جوانبه كافة. "عقب الحرب في 2007 أو الهجرة الثانية كما
نطلق عليها، تدمّر هذا الوطن المؤقت وشعرنا أنه لجوء ثان” حيث أحدث دمار مخيّم نهر
البارد متغيّرات نفسية واجتماعية وأمنية عميقة عند الأهالي، كما تراجع ازدهاره
الاقتصادي. تضيف عبدالعال: "منذ انتهاء الحرب وإطلاق إعادة الإعمار شعرت أن العديد
من المفاهيم تغيّرت، نحن لا نريد أن تتغيّر الأولويات حتى تصبح فلسطين ثانوية، لا
نريد أن تصبح الأولوية أن يعاد إعمار منزل اللاجئ، وتقدّم له المساعدات والتمويل”
(راجع "القوس”، 18 آذار 2023، "الجمعيات غير الحكومية في مخيّمات اللاجئين
الفلسطينيين فوضى المساعدات”). ما تزال نحو 1,200 عائلة من مخيّم نهر البارد تعيش
خارج منازلها في بيوت مستأجرة بسبب تأخر عملية الإعمار، والتي كانت من المفترض أن
تنتهي بنهاية عام 2013، بالإضافة إلى مشكلة نقص المياه.
"كان عمري 11 عاماً عندما دخلت مخيّم
نهر البارد بعد انتهاء الحرب، وكنت الطفلة الوحيدة التي استطاعت الدخول حينها، وسط
الألغام ورائحة الجثث بدأت أشرح للصحافيين عن مخيّمنا، أدركت في تلك اللحظة أن لدى
كثير من الأهالي صوتاً لكنه ليس عالياً بما يكفي، لذلك قررت أن أدرس الصحافة”.
تنقّلت شذى بين مخيّمات عدة، ترك ذلك أثره على شعورها بعدم الاستقرار، وتلفت إلى
أنه "رغم ذلك، تبقى أولويتي أن أوظّف قدراتي في خدمة القضية الفلسطينية أولاً،
فبالنسبة لي لا أرى أننا نعيش لهدف آخر، حتى الرفاهية لم تعد شيئاً أساسياً بقدر
عودتنا إلى فلسطين”.
علي أبو جبارة، قلقيلية، الضفة الغربية -
الضاحية الجنوبية لبيروت
أمّا علي أبو جبارة ( 26 عاماً)، من أب فلسطيني
وأمّ لبنانية، والحاصل على شهادتين جامعيّتين في الجغرافيا والإعلام، فقد كانت
نشأته مختلفة عن بقية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. يستذكر طفولته ويقول: "لم
نسكن المخيّم، ونادراً ما كان لدينا أي تواصل مع أشخاص فلسطينيين، عاش أبي طفولةً
كهذه لذلك لم يحاول أن ينقل لنا أي أخبار عن فلسطين أو يعمّق صلتنا بأقربائنا”.
يصف علي حالته: "بالنسبة لنا كنا لبنانيّين نحمل وثيقة فلسطينية”.
قرر علي بعد بلوغه سن الرشد أن يبحث من جديد عن
جذوره وهويّته، ويعيد ارتباطه بوطنه المحتلّ، "أصبحت أتابع الأحداث اليومية في
فلسطين، وأتعرّف على أبناء شعبي وأخوض بأدق التفاصيل، أصبح مثلي الأعلى الشباب
المقاوم الذي ينفّذ عمليات نضالية”. على صعيد آخر، حُرم علي كما غيره من الشبّان
الفلسطينيين، من فرص مهنية "لمرّات عديدة كنت أُقبل في وظيفة أو عمل معيّن لكن حين
نصل إلى مرحلة التوقيع وتقديم الأوراق، كنت أُرفَض ويُقدّم لي الاعتذار”.
وصلت نسبة الفقر بين اللاجئين الفلسطينيين في
لبنان في السنوات الأخيرة إلى ما يقارب %93 وفق إحصائيات وكالة الأمم المتحدة
لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وارتفعت نسبة البطالة إلى ما
يقارب الـ%80*. وكان وزير العمل مصطفى بيرم قد أصدر قراراً في تشرين الأول 2021،
تضمّن في المادة الثانية منه استثناء للفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية
والمسجلين بشكل سجلات وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية بالعمل في المهن المخصصة
للبنانيين (لحظها القرار بمادته الأولى)، باستثناء المهن المنظمة بقانون، ما أحدث
انقساماً حاداً بين الأطراف اللبنانية بين مؤيّد ومعارض وفتح الباب أمام تبادل
الاتّهامات والتخويف. يتحدّث أبو جبارة مراراً عن معاناة التنقّل خاصة عندما كان
يقصد قرية أمّه حولا، "كان يجري إرجاعي مرّات عدة ومعاملتي بشكل قاسٍ أحياناً
لأنني لم أحمل تصريحاً والذي يستلزم الحصول عليه قطع مسافات جغرافية بعيدة عن
سكني، لكن على الأقل كان لديّ وثيقة سفر وبطاقة لاجئ”.
سالم شحادة (اسم مستعار)، حيفا - مخيّم البداوي
واحدٌ من 4750 لاجئاً فلسطينيّاً محروماً من
الشخصية القانونية*، "نحن كالموجودين في لبنان خلسة، غير معترف بنا بسبب فقداننا
للأوراق الثبوتية”.
وإن كان "الحظّ” قد حالف علي لحصوله على بطاقة
لاجئ، فإنه لم يحالف اللاجئين الفلسطينيين الذين يحملون هويّات إثبات جنسية فقط من
السفارة الفلسطينية والمتزوجين من لاجئات فلسطينيات في لبنان مسجلات في المديرية،
إذ لا يستطيعون إثبات وقوعات الزواج الخاصة بهم، وبالتالي تسجيل مواليدهم لاحقاً.
يوضح سالم: "عندما كنا صغاراً لم يكن الأمر ذا
تأثير، لكن عندما تزوجت وأنجبت أطفالاً دخلت في حلقة لا تنتهي من المأساة التي
ورثها أولادي أيضاً، كيف يمكن لهم أن يتزوجّوا وينجبوا أطفالاً دون أي وثائق رسمية
فعليّة؟”.
لا يقتصر الأمر على ذلك، إذ يُحرم اللاجئون
الفلسطينيون في هذه الحالة، من سهولة التنقل والسفر، والاستفادة من خدمات
الاستشفاء والتعليم لدى الأونروا والمؤسسات الرسمية اللبنانية، بالإضافة إلى عدم
استطاعتهم تحصيل أي مساعدات أو تحويلات مالية. ويشير سالم إلى أنهم توجهوا "إلى
جهات عدة ومؤسسات فلسطينية ولبنانية وأجنبية لكن دون جدوى، كلّ محاولاتنا لتحصيل
وثائق تبوء بالفشل”.
خالد أبو النعاج (اسم مستعار)، صفورية، قضاء
الناصرة - مخيّم عين الحلوة
"من أزقة مخيّم
عين الحلوة، كنّا ننظر إلى الخارج اللبناني ونلعب الطابة، دون أن نفهم ماذا تعني
كلمة حقوق”، لكن خالد (21 عاماً) يشهد اليوم هجرة معظم أصدقائه إلى الخارج "بسبب
الحالة اليائسة للشباب الفلسطيني”. يشرح خالد موقفه المتفهّم لهجرة الشباب من
لبنان "بصراحة، أنا كلاجئ لا أستطيع أن أبني مستقبلي في لبنان لأن الدولة
اللبنانية لا تستطيع أن توفر لي حاجاتي كالطبابة والضمان وحقي في العمل والتملّك
(راجع "القوس”، 5 شباط 2022، "يوبيل الذل: ترميم المخيّم جريمة”)، لذلك لولا
دراستي الجامعية لما كان هناك أي شيء يربطني بلبنان”.
ما يقوله خالد تؤكّد عليه تقارير عدة للأونروا
واليونيسف ومؤسسات حقوقية، فتوضح المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد” أنه "مع
اشتداد الأزمة الاقتصادية ارتفع متوسّط كلفة السلة الغذائية عشرات الأضعاف، إلى
جانب الارتفاع بتكلفة المياه والوقود والكهرباء والغاز والنقل والرعاية الصحية
وحليب الأطفال، في ظل وجود نقص متزايد في الأدوية خاصة الأمراض المزمنة
والمستعصية، وفي هذا الإطار لم يعد عدد كبير جداً من عائلات لاجئي فلسطين قادراً
على دفع تكلفة الرعاية الصحية الثانوية”*.
من جهة أخرى يشدد خالد على التزامه بهوّيته
الفلسطينية، "عندما كبرنا أدركنا أن هناك شريحة واسعة من اللبنانيين تجهل مطلقاً
كل ما يتعلّق بنا، أردنا أن نري للعالم والمجتمع اللبناني أننا شعب، رغم كل المأساة
التي يعيشها، متعلّم ومكافح ويحبّ الحياة ويقاوم لاسترجاع أرضه، وليس كما يصوّره
الإعلام”.
يرفض خالد الاتّهامات التي يكيلها البعض
ويعمّمها على جميع الشباب الفلسطيني المهاجر، "فإذا سافرت على أميركا أو أوروبا
للعمل أو التعلّم لا يعني أنّني أخدم المشروع الصهيوني أو أنني أتخلى عن حق
العودة، المشروع الصهيوني يكمن بتيئيس اللاجئين والشباب الفلسطيني وباستهداف أمن
المخيّمات وتقاعس الجهات المسؤولة عن القيام بواجباتها وبانخراط العديد من الدول
العربية بمشاريع التطبيع المخزية”، مؤكداً أنه "مؤمن بالكفاح المسلّح كطريق وحيد
لتحرير فلسطين، ومتمسك بهويّتي الفلسطينية ولو بعد 75 عاماً. وبعيداً عن خلاصنا
الفردي، أؤمن أننا كشبان قادرون على صنع حالة ثوريّة أينما كنا حول العالم، غير
متمسكّين بتحرير فلسطين فقط، بل بتحرير بلادنا العربية كافة من الاستعمار”.
·استندت المعلومات والأرقام الواردة حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين
في لبنان إلى التقرير السنوي للمؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد”، حول أوضاع
اللاجئين الفلسطينيين في لبنان 2022.
من ملف : العدد 80 من "القوس” - جريدة الأخبار
اللبنانية