العودة تجول على المنازل المهدمة في قطاع غزة
الشتاء يدق خيام أصحاب البيوت المهدمة فيوجع ساكنيها
الثلاثاء، 24 شباط، 2015
في خيمة لا تقي ساكنيها برد الشتاء، ولا
حتى حر الصيف، أقيمت على أكوام من ركام منازلهم المدمرة يجلس أبو عادل وجيرانه الثلاثة،
يحتسون قهوتهم المرّة والتي لا تقل مرارتها عن مرارة عيشهم، يلتفون حول "النرجيلة"
اتخذوها وسيلة يشغلون بها وقت فراغهم، يتناوبون عليها واحداً تلو الآخر، علها تخفف
من حدة تفكيرهم وتنسيهم بعضاً من الحنين لمنازلهم ودفئ فراشهم، تلخص حكاية انتظارهم
لسراب مفاوضات الإعمار التي أعدمت في مهدها.
يفضلون الموت على الحياة
المواطن محمود المصري هو صاحب بيت مكون
من أربع طبقات دمرته المقاتلات الحربية الإسرائيلية بالكامل وتسببت في تشريده هو وأسرته
المكونة من ثماني عائلات، بدا شارد الذهن يفكر بمنزله الذي يجلس على ركامه، وجد نفسه
أمام خياريْن أحلاهما مر، فإما المكوث في مراكز الايواء التي تضيق ذرعاً بساكنيها،
وإما أن يرضى بالعيش في غرفة من الإسبست، والتي لم يجد أمامه سوى القبول بها، نظراً
للتكلفة العالية التي سيتحملها عند لجوئه لاستئجار منزل يؤويه وعائلته.
يقول "نحن كأصحاب بيوت مهدمة وصلنا
لدرجة من اليأس الشديد نسمع أقوال تناقض الأفعال ولا نعلم ماذا نقول وماذا نفعل فالجميع
مشغول عنا لا يتأثر بمصابنا ولا يشعر بحالنا وأوجاعنا، بما فيهم العالم المتحضر الذي
يدعي لنفسه الإنسانية المزعومة، مضيفاً انهم وصلوا لمرحة اصبحوا يفضلون فيها الموت
على الحياة التي يعيشونها مطالبا بضرورة مساعدة أصحاب البيوت المهدمة والإسراع في حل
مشكلتهم مضيفاً أنهم تلقوا الكثير من الموعودات دون أي نتائج ملحوظة أو ملموسة على
أرض الواقع.
مطرحك يا واقف
أبو عمار الكفارنة لم يختلف حاله كثيراً
عن حال جاره محمود المصري فهم في المعاناة سواء، هو الآخر قصف بيته المكون من طابقين
وشردت عائلته، بدأ حديثه ودخان النرجيلة ينبعث من فمه وبتنهيدة وجع طويلة تخفي بعضاً
من علامات القهر والضجر يقول: "لم تكن مشكلتنا في العيش داخل الكرفانات فهي أفضل
من الإيجارات التي تزداد تكلفتها علينا يوماً بعد يوم ولكن المشكلة الآن هي في البرد
القارص الذي يفتك بنا وبأطفالنا فقد بات لا يطاق، فللأسف الشديد كنا نأمل من الجهات
المعنية بمشكلتنا أن تنجز ملف إعمار منازلنا المدمرة قبل فصل الشتاء ولكن ها هو الشتاء
يرحل ومازلنا على نفس الحال، وهذا لم يكن بالحسبان، بل ونخشى أن يأتي علينا الشتاء
القادم ونحن على هذا الحال ندور في نفس الفلك كمن يدور حول نفسه.
وعن دور الأونروا في التخفيف من معانتهم
يتابع "منذ نهاية الحرب الأخيرة وقبل ستة أشهر تقريباً وحتى اليوم ونحن نتلق وعوداً
من الأونروا ومن كافة الجهات التي تدعي لنفسها المسؤولية بتسليمنا مساعدات مالية تمكننا
من استئجار منازل نقيم فيها وللأسف لازلنا ننتظر هذه المساعدة حتى يومنا هذا، مضيفاً
أنهم لا يجيدون إلاّ لغة الوعود الفارغة.
بدت علامات التبرم والتذمر في حديث من التقيناهم
من أصحاب المنازل المدمرة والذين طالبوا بدورهم الجهات المعنية بضرورة الوقوف عند مسؤوليتهم
تجاههم وتجاه النازحين من مناطق سكناهم إلى مؤسسات الاونروا.
يذكر ان "اسرائيل" ومنذ أكتوبر/
تشرين أول من عام 2013، أوقفت إدخالها لمواد البناء إلى قطاع غزة، باستثناء المواد
اللازمة لاستكمال بناء المشاريع التابعة لـ"أونروا" أو المؤسسات الدولية.
كما أدى تشديد الحصار الإسرائيلي على قطاع
غزة، وبالتزامن مع هدم السلطات المصرية للأنفاق الحدودية، إلى كساد في قطاع الشقق السكنية
وارتفاع أسعارها الأمر الذي حال بين أصحاب البيوت المهدمة وبين قدرتهم على استئجارها
وفاقم من معانتهم.
سجل حافل
حال المواطن محمود المصري والمواطن أبو
عمار الكفارنة أهون بكثير من حال غيرهم، فبالأمس القريب وفي مدرسة "الشوا"
التابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) شرق مدينة بيت حانون، أستيقظ النازحون
في هذه المدرسة على حريق شب في احد الغرف التي يقطنها بعض منهم وكانت الفاجعة بوفاة
الطفل "عز الدين الكفارنة" (16 شهراً) حرقاً وإصابة والده ووالدته بحروق
متوسطة عدا عن حالات الإختناق التي اصيب بها عدد من النازحين الذين يقطنون المدرسة،
لم تقتصر المعاناة على المشهد السابق فحسب بل أضف إلى سجل معاناتهم حادثة وفات الطفل
الرضيع مؤمن المصري الذي لم يبلغ من العمر إلاّ الشهرين والذي لقي حتفه بسبب البرد
القارص في آخر منخفض جوي ضرب قطاع غزة.
كل هذه القصور وغيرها تضاف إلى سجلات المؤسسات
الدولية المعنية بالجانب الإنساني وإلى حكومة التوافق المسؤولة بشكل أساسي عن ملف إعادة
الإعمار، ليبقى السؤال مطروحاً إلى متى يبقى أصحاب البيوت المهدمة على هذا الحال؟ وإلى
أي أجل ستستمر معاناتهم؟
المصدر: شبكة العودة