الفلسطينيون النازحون من سوريا إلى لبنان: المخيمات تستقبلهم والدولة اللبنانية متعاونة والتقصير الدولي كبير
رأفت مرّة - بيروت
في أواسط شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، اهتزّ الوضع الأمني في مخيم اليرموك، أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا، والواقع في العاصمة دمشق، إثر اشتباكات حصلت بين اللجان الشعبية الفلسطينية في المخيم، وهي لجان طارئة شُكّلت على إثر اندلاع الأزمة في سوريا، وبين عناصر قيل إنها تنتمي للجيش الحر.
وتعرّض المخيم لقصف شديد في تلك الفترة، تزامن مع استهداف مركز لمسجد عبد القادر الحسيني الواقع في المخيم، عبر غارات جوية، ما أدى إلى وقوع عشرات الشهداء من الأبرياء والمدنيين.
وما ساهم في اشتداد الأزمة في مخيم اليرموك، هو الانشقاق الذي حصل في مواقع القيادة العامة، حيث تردد أن معظم الأزمة التي حصلت يرجع سببها إلى هذا الانشقاق، وذلك بسبب رفض عناصر وكوادر من الجبهة القصف الذي استهدف المخيم.
وبغضّ النظر عن صحة أي من الروايات، فالمحصلة أن مئات من أبناء المخيم سقطوا بين قتيل وجريح، وأن الآلاف منهم تهجروا، وأن مئات المنازل قصفت ودمّرت وأحرقت، وأن هذه الأزمة سبقتها أعمال شائنة مارستها مجموعات فلسطينية، مثل قتل المدنيين واختطاف العشرات منهم، وتوزيع السلاح على الزعران للعبث بأمن المخيم.
مخالفة
كل هذه الممارسات كانت مخالفة للقواعد الأساسية التي توافقت عليها القوى الفلسطينية في سوريا منذ اندلاع الأحداث، والتي نصّت على تحييد الوجود الفلسطيني في سوريا، وعدم تعريض المخيمات للتوتر والعنف الأمني، وعدم استخدام المخيمات ضد أي طرف سوري، وإبقاء المخيمات آمنة لاستقبال الفلسطينيين والسوريين.
والتزمت قوى فلسطينية كثيرة بهذا النهج، أمثال حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح الانتفاضة.
وأخطأت جميع القوى السورية من موالاة ومعارضة، حين زجّت المخيمات في دائرة الأحداث في سوريا.
فالفلسطيني في سوريا هو لاجئ، وهو ضيف، وتربطه بسوريا علاقة الوطنية والعروبة، وسوريا بجميع مكوناتها السياسية والرسمية والشعبية استقبلت الفلسطينيين واحتضنتهم ودعمتهم. ومن ثمّ، فإن الفلسطيني لا يمكن أن يسيء لهذا البلد الآمن المستقر، وكل ما تمناه الفلسطينيون لسوريا هو الخروج العاجل من الأزمة، والبقاء موحدة، وانتهاء العنف، والعيش بأمن واستقرار، والمجموع الفلسطيني يدرك الارتباط التاريخي والجغرافي والسياسي بين فلسطين وسوريا.
لكن المؤسف أن اشتداد العنف في سوريا، واضطراب الأوضاع واتساع دائرة التوتر، أغرى جميع أطراف الأزمة بالتوسع في المواجهة واستخدام كافة أنواع الأسلحة. وهنا دخل أو أُدخل الوجود الفلسطيني في الأزمة، وكل طرف سوري يحاول أن يجير إشراك الفلسطينيين في الأزمة في حساباته لعله يسجل انتصارات، وكانت المحصلة أن الفلسطينيين في اليرموك، وغيره بدؤوا بدفع الثمن، وانفلتت الأمور.
لجوء
هذا الوضع أدى لنزوح عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى مناطق سورية، وصل منهم إلى لبنان ما يقارب الثلاثة آلاف نسمة، توزعوا على كل المخيمات الفلسطينية في لبنان.
ولأول مرة منذ 65 عاماً، يتشرد الفلسطينيون في سوريا، الذين عاشوا في واحات آمنة، وعاشوا في ظروف سياسية واقتصادية مستقرة، وعملوا في قطاعات الدولة والقطاع الخاص، وعملوا في التجارة، وأسسوا حياة اجتماعية مستقرة، وحياة اقتصادية قيمة، وتدلّ منازلهم ومحلاتهم وشوارعهم على ذلك. وكان اللاجئون الفلسطينيون في لبنان يتحدثون بإعجاب عن حياة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
ومن ثَمّ، فإن الفلسطينيين في سوريا اختبروا ترك منازلهم، واختبروا اللجوء والتشرد والهرب والنوم في العراء والساحات والحدائق لأول مرة، بخلاف إخوانهم الفلسطينيين في لبنان، الذين خبروا الحرب الأهلية وآلاف الاعتداءات الإسرائيلية، وشُرّدوا في لبنان عشرات المرّات.
وكانت صدمة المواطنين الفلسطينيين في سوريا كبيرة، لأنهم عايشوا ما أسموه نكبة ثانية، ومنهم من نزح باتجاه أحياء سورية آمنة، ومنهم من اضطر للنزوح باتجاه لبنان.
صدمة
وللحقيقة، فإن الدولة اللبنانية فتحت حدودها لاستقبال النازحين، وهي خطوة تشكر عليها، ولم يقصّر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووائل أبو فاعور وزير الشؤون الاجتماعية، وخلدون الشريف رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، في التعاون والتنسيق لإبقاء حدود لبنان مفتوحة، ولوضع خطة للتعامل مع النازحين القادمين من سوريا، سواء كانوا فلسطينيين أو سوريين.
وفعل لبنان رسمياً كما فعلت دول الجوار، تركيا والأردن والعراق، التي استضافت مئات آلاف النازحين. وكان من الصعب على لبنان رغم تأثره الشديد بالأزمة، ورغم مخاوفه السياسية والأمنية، أن يلجأ إلى إغلاق الحدود، خاصة وأن هناك أصواتاً داعية لذلك في مجلس الوزراء وخارجه.
ولا يستطيع لبنان الرسمي أن يتحمل تداعيات إغلاق الحدود، وهو عمل إنساني خاطئ، وأن يتعرض لانتقادات دولية، رغم أن المجتمع الدولي لم يقم بواجبه في توفير الدعم المادي للبنان.
وفي رد على العنصريين، اعتبر وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور أن "لا داعي لممارسة انتقام أو عنصرية بحق الشعب السوري أو الفلسطيني، الذي يلجأ إلى لبنان مضطراً". وقال في لقاء إن "واجب الدولة أن تتصرف من منطلق مسؤوليتها في إغاثة النازحين وحمايتهم"، معلناً أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي "حصل على تأكيدات من أطراف دوليين بأنه ستكون هناك مساعدات للبنان".
وسأل: "من يستطيع من السياسيين، أن يقول لعائلة تهرب من القصف الذي يمارسه النظام السوري، عودي من حيث جئت وربما تواجه مصير الموت؟". وعن الفلسطينيين النازحين، قال: "نعرف الحساسيات اللبنانية والكوابيس التاريخية لدى البعض، لذلك تم الاتفاق بأن يكون الاهتمام بالنازحين الفلسطينين من سورية مسؤولية أونروا، وأن يكون هناك صندوق خاص بها من الدولة اللبنانية، لحفظ الوضعية القانونية للنازحين الفلسطينيين وحق العودة"، رافضاً "ممارسة هذه العنصرية البغيضة بحق هذا الشعب".
وكان باسيل أطلق بصفته وزير الزراعة بالوكالة في فعاليات يوم النبيذ اللبناني قال: "سنحافظ على كل شبر من أرضنا"، معتبراً أنه "عندما نقول لا نريد نازحين سوريين وفلسطينيين يأخذون مكاننا، فهو أمر يجب تكريسه بالفعل، فبوجودهم وبعملهم يأخذون مكان اللبناني".
وتابع: "كيف يمكن أن يتم تعليم المنهج السوري في لبنان؟ أين سيادتنا وكرامتنا؟ ألا يكفينا الفلسطينيون في لبنان؟"، معلناً أن "هذا التفكير ليس عنصرياً، بل هو وطني". وزاد: "لم نقل إننا نريد أن نقفل حدودنا، لكن الحدود هي لنصدر منها أموراً جيدة للخارج ونحمي بلدنا. هذا مفهوم الحدود وليس فتحها للأفكار الشريرة لتأكلنا، لذلك يجب أن نميز بين قوافل النازحين عندما لم يعد بإمكان لبنان الاستيعاب وقافلة التجارة والصناعة". ودعا الحكومة إلى "عقد جلسة خاصة تبحث فيها جدياً بترحيل النازحين، ومن يريد مساعدتنا ليس بإرسال الأموال بل يدفعون ما عليهم أولاً نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية أو أن تدفع "الأونروا" مبلغ مئتين مليار مستحقة عليها فاتورة كهرباء للمخيمات، ومن يريد أن يساعد فالبلاد من حولنا يمكنها أن تستوعبهم، وفي سورية أراض في أيادي الثوار والمعارضة والجيش الحر فليضعوهم فيها".
الفلسطينيون في لبنان ودور حماس
استقبل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان إخوانهم النازحين من سوريا في بيوتهم ومخيماتهم. وتعيش الآن معظم العائلات النازحة عند أقارب لها.
وقامت المؤسسات الأهلية الفلسطينية بتوفير مقومات الحياة والإقامة، من فرشات وحرامات وحصص غذائية ودعم مادي بسيط.
كما قامت حماس بفتح مراكزها في المخيمات لتسجيل وإغاثة النازحين، وقدمت لهم مساعدات عينية، وآوت بعضهم في مؤسساتها، وأجرت اتصالات سياسية لتسهيل الإقامة لهؤلاء.
المطالب
وتتلخص أهم احتياجات النازحين الفلسطينيني بالآتي:
1- توفير أماكن لإيواء النازحين.
2- دفع إيجارات للمنازل.
3- توفير مساعدات غذائية وعينية بشكل دائم.
4- توفير الرعاية الصحية.
5- استقبال التلاميذ في المدارس.
6- تمديد مهل الإقامة.
7- نطالب المؤسسات الإنسانية الدولية بتوفير موازنات عاجلة لإغاثة النازحين الفلسطينيين من سوريا.
المصدر: البراق، عدد كانون الثاني 2013