القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

الفلسطينيون النازحون من سوريا يرغبون بالعودة إليها

الفلسطينيون النازحون من سوريا يرغبون بالعودة إليها:
الدولة تتكل على «الأونروا» و«الأونروا» تتكل على المانحين
 

الأربعاء، 17 تشرين الأول، 2012

في أحد الممرات الضيّقة التي يتألف منها مخيم مار إلياس، يقودك صوت الأطفال والنساء إلى «شبه» منزل، أو غرفتين مجموعتين تؤلفان منزلاً يحوي اليوم على ثلاث أسر أو خمسة عشر شخصاً. فأسرة أبو وليد المؤلفة من خمسة أشخاص اضطرت إلى استقبال أقارب لها، نزحوا من سوريا إثر الحوادث الأخيرة طلباً للحماية من غدر الموت.

لا يبدو التعب على وجوه النازحين بقدر ما يبدو على وجه أم وليد، الأم لثلاثة أطفال أكبرهم في العاشرة من عمره. تجاعيدها، وهي الأصغر سناً من ضيفتيها، حفرت أكثر في وجهها وكأنها رُسمت بسكين حاد. تعتبرها آثار التهجير من فلسطين، والعيشة في لبنان، والأحداث السورية الأخيرة. وتقرّ أنها لم ترتسم بفعل العمر، وعمرها ثلاث وأربعون سنة، «بل بفعل الهمّ والسياسة الإقليمية وتحديداً العربية».

تصرّ الضيفتان القريبتان على حسن الضيافة، وعلى كرم أبو وليد وأم وليد «بالرغم من الضائقة التي يعيشان وأولادهما بها». وتؤكدان أن إقامتهما لن تدوم أكثر من أسبوع بعد في لبنان لأن الأسرتين عازمتان على العودة «حيث التقديمات للفلسطينيين أفضل حتى في ظلّ الحرب».

خافت أم وليد من البوح بما يختلج في صدرها أمام ضيوفها، وأصرّت على التنزّه في المخيم بحجة المساعدة في البحث عن نازحين آخرين. في الطريق، كانت تتحدث بصوت خافت، تلحق الجُمل والأفكار ببعضها، كمن يريد قول الكثير في فترة زمنية قصيرة قبل أن يباغته أحد. قالت: «لا يمكن أن نرفض استضافة الأسرتين وهما من أقارب زوجي، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نجعلهم يدفعون ثمن المأكل والمشرب، لكن تأمين الطعام لخمسة عشر شخصاً يومياً أمر يفوق طاقتنا». تعرف المرأة أن ضيفتيها تخافان على القليل الذي بحوزتهما، فهو لا يكفي ثمن الإقامة في لبنان لأكثر من أسبوع على الأكثر. وهي، من ناحيتها، تحفظ «خطّ الرجعة» لأن الحياة في لبنان كمن يعيش فوق فوهة بركان «لا نعرف متى تنفجر ونضطر إلى الهروب إلى سوريا كما حدث في العام 2006»، قالت.

يمكن اعتبار حال أم وليد وضيوفها صورة طبق الأصل عن حال غالبية الأسر الفلسطينية الوافدة من سوريا. فهي تعيش رهن الاختيار بين الخطر على الحياة بسبب الأمن جراء المكوث في سوريا، والخطر على الحياة بسبب التقديمات الزهيدة وغلاء المعيشة إن قرّرت اللجوء إلى لبنان.

الحكومة والخطة الجديدة

لا تميّز الحكومة اللبنانية بين نازح سوري ونازح فلسطيني من سوريا، باستثناء أن الأول تتوكّل به «المفوضية العليا للاجئين»، أما الثاني فشؤونه من اختصاص «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا). ووفق مصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية فإن الدور الذي تؤديه الجهتان أساسي في إغاثة الوافدين إلى لبنان بسبب الأزمة السورية، «لا سيما أن الحكومة اللبنانية تعمل من دون موارد».

مع ذلك، يكشف المصدر أن الوزارة تنتهي اليوم الأربعاء من وضع خطة الطوارئ التي أوكلت بها من قبل لجنة الطوارئ، والتي سترفعها إلى مجلس الوزراء، وهي مرفقة بميزانية من المتوقع أن يتم درس مصادر تمويلها.

ووفق المصدر تغطي الخطة القطاعات التي من شأنها أن تساعد النازح خلال إقامته في لبنان، وأولها الصحة. من ضمنها، العناية الصحّية الأولية المؤمنة عبر 25 مركزاً للوزارة موزعة وفق أماكن انتشار السوريين. على أن تتكفل الدولة اللبنانية أيضاً بحالات الاستشفاء الطارئة ومعالجة الجرحى. وستتوافر في المراكز ذاتها تقديمات خاصة بالصحة النفسية للوافدين.

وفي الشأن التربوي، ستعتمد دروس التقوية للتلاميذ الآتين من سوريا بهدف التحاقهم في المدارس هذه السنة والسنة المقبلة. وسيتم تجهيز عدد من المدارس وتأهيلها لاستقبالهم هذه السنة والسنة المقبلة.

وستواصل لجنة الطوارئ تأمين العينات الغذائية ووسائل النظافة وفق الموارد المتوافرة والجهات المانحة. أما في ما خصّ موضوع الإيواء فستعمد إلى تأهيل عدد من أبنية المدارس المقفلة لاستقبال النازحين.

غير أن الخطة التي وضعتها اللجنة والتي سترفعها اليوم إلى مجلس الوزراء لا تعني أن الدولة سوف تعمل بمنأى عن المفوضية والوكالة، فهي قبل إقرار الخطة والسعي لتنفيذها، «تعمل على تسهيل عملهما» وفق مصدر وزارة الشؤون «لأن الدولة عاجزة عن صرف أي ليرة من ميزانيتها الخاصة لإعالة النازحين».

«الأونروا» والفلسطينيون الجدد

ينسحب اتكال الدولة على «الأونروا» حتى في الأرقام، وقد سجّلت الأخيرة نزوح نحو 7 آلاف فلسطيني من سوريا حتى آخر أيلول الماضي. وبحسب الوكالة لا تنفك أعدادهم تتزايد.

وتشير «الأونروا» إلى أنها لا تعمل منفردة في تلبية حاجات النازحين من سوريا، بل إن جهودها تتضافر ومنظمات أخرى من الأمم المتحدة وهيئات مدنية وحكومية. وهو نوع من التنسيق لحسن توزيع المواد الغذائية وغير الغذائية. علماً أنها تتكفل بحالات الرعاية الصحية الأولية للفلسطينيين الوافدين.

وعلى الصعيد التربوي، طلب نحو ألف تلميذ من الفلسطينيين النازحين الالتحاق بمدارس «الأونروا»، فوضعت لهم خطة من ثلاث مراحل، تتمحور الأولى حول توفير صفوف خاصة بهم، لأن دمجهم صعب بسبب اختلاف المناهج السورية واللبنانية. وخلالها سيتم التركيز على بناء الثقة لدى الطفل وجعله يتفاعل مع غيره من الأطفال. وقد بدأت الوكالة تنفيذ هذه المرحلة منذ أسبوع، على أن تبدأ المرحلة الثانية بالتزامن مع الأولى فتقدم إلى التلميذ المواد الأساسية كالرياضيات والعلوم، وذلك بعد حشد الهيئة التعليمية. وتكون هذه المرحلة تقييمية للبدء بالمرحلة الثالثة والأخيرة مطلع العام المقبل، والتي يخضع فيها التلميذ لمنهج تعليمي متكامل.

وقد أطلقت الوكالة في 7 أيلول الماضي خطة جديدة تتوجه بها إلى الدول المانحة لتغطية المساعدات الضرورية في سوريا والأردن ولبنان لمدة ستة أشهر. وهي لذلك طلبت 54 مليون دولار، حصة لبنان منها نحو 8 ملايين دولار ستنفقها على أمور الصحة والتربية ومتطلبات فصل الشتاء، على أن تقدم مزيدا من الدعم للفلسطينيين لجهة المسكن والغذاء وفق التمويل.

وفق الوكالة يعرب الوافدون من سوريا عن رغبتهم بالعودة السريعة إليها، لكن بما أن أفق الأزمة غير مرسوم بعد فإن الحاجة إلى ميزانية إضافية قائمة دائماً، لتوفير الخدمات الضرورية للفلسطينيين المقيمين في لبنان.

المصدر: مادونا سمعان - السفير