القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

الفلسطينيون في سورية عام 2011...أول الغيث في طريق تحقيق حلم العودة

الفلسطينيون في سورية عام 2011...أول الغيث في طريق تحقيق حلم العودة

شريط ذكريات مفرح مؤلم يمرّ بذاكرة اللاجئ الفلسطيني في سورية وهو يودع عام 2011، يحار المرء من أين يبدأ بسرد هذه الذكريات لعام شهد حراكاً شعبياً وسياسياً مهماً رسم الأمل وغذى آمالاً وأحلاماً طالما تغنى بها اللاجئ الفلسطيني على مدى عقود من الزمن. إنه عام العودة والانتصار بامتياز؛ فقد خرج اللاجئون الفلسطينيون في سورية يوم 15/5/2011 تلبية لدعوة مسيرة العودة وإحياءً لذكرى النكبة، فشدوا الرحال باتجاه الحدود الفلسطينية إلى بلدة عين التينة التي تشرف على مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، حاملين معهم حلمهم الذي راودهم أكثر من ثلاثة وستين عاماً في العودة إلى تراب فلسطين والتمرغ فوق ترابها، يوم خُلد في سجل تاريخ الشعب الفلسطيني، وحُفرَ بذاكرة الصغير قبل الكبير. إنه يوم الزحف العظيم إلى تخوم فلسطين. لكن الذي حدث لم يكن بالحسبان، فهؤلاء اللاجئون حطموا السياج، اقتحموا الحدود، واشتبكوا مع جنود الكيان الصهيوني، فسقط منهم عشرات الجرحى وارتقى إلى الله منهم ثلاثة شهداء، شيعهم أبناء المخيمات الفلسطينية بعرس جماهيري خرجوا فيه بشيبهم وشبابهم ونسائهم وأطفالهم لوداع جثامين الشهداء الثلاثة إلى مثواهم الأخير.

لم يكتف اللاجئون بذلك الوداع، بل أقاموا بيتاً لتقبل المباركة والتهنئة في مخيم اليرموك أمّه آلاف المواطنين المهنئين من مختلف المخيمات الفلسطينية في سورية وخارجها، وقادة الفصائل الفلسطينية وممثلون عنهم، وألقيت الكلمات التي شددت على التمسك بحق العودة إلى ثرى فلسطين، وعدّت تاريخ 15 أيار 2011 علامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني، وأن شهداء العودة عبّدوا بدمائهم الطريق إلى فلسطين.

شهدت المخيمات الفلسطينية بعد ذلك حفلاً تكريمياً لذوي شهداء "مسيرة العودة" وجرحاها، أُكد خلاله أن دماء الشهداء هي أمانة بأعناق الشعب الفلسطيني، وأن حق العودة لا يقبل المساومة والتنازل والتفريط؛ فهولبّ القضية الفلسطينية وجوهرها، ولا يمكن أن تُحل القضية الفلسطينية من دون عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأرضهم التي طردوا منها.

أما يوم 5/6/2011، فقد حملَ اللاجئون الفلسطينيون أرواحهم على أكفهم من أجل فلسطين، وخرجوا مرة أخرى إلى حدود الوطن، عاقدين العزم والنية على الشهادة أو العودة للوطن، وقرروا ألا يمر يوم النكسة كغيره من الأيام، وأن يُسمعوا صوتهم للعالم، فقرروا أن يزحفوا وهم عراة الصدور إلى فلسطين، غير آبهين للاحتلال الصهيوني الذي أطلق عليهم الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع، فسقط منهم عشرات الشهداء ومئات الجرحى على أرض الجولان المحتل، عادوا بعدها ليدفنوا الشهداء ويضمدوا الجراح. إلا أن ما حدث في مخيم اليرموك أثناء تشييع شهداء مسيرة العودة في ذكرى النكسة حمل بين طياته منغصات كدرت صفو اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وخاصة بعد الأحداث الدامية التي عُرفت بأحداث (الخالصة) التي كادت تعصف بهم في أتون التفرقة وتشتيت الصفوف، لكن الوعي الوطني والتمسك بوحدة الشعب الفلسطيني وعدم رغبة جميع الأطراف في زج المخيمات الفلسطينية بصراعات لا تخدم إلا العدو الصهيوني جنبتهم الدخول في دهاليز ومتاهات لا طائل منها. وقد أثمر ذاك الوعي "لقاءً للتسامح والمحبة وتعزيز اللحمة الوطنية"، دعت إليه اللجنة الشعبية المنظمة في مخيم اليرموك، يوم السبت 18/6/2011 لوأد الفتنة والتصدي لمؤامرة تقسيم الصف الفلسطيني، وحشد كافة القوى والطاقات الفلسطينية وتوحيدها، تحت شعار "الوحدة وبناء ثقافة الألفة والمحبة والتسامح ورص الصفوف والوقوف طوداً منيعاً أمام الفتن، وكشف المحاولات التي تستهدف زعزعة صفوف الشعب الفلسطيني والنيل من صموده".

ولم يكن أطفال فلسطين وشبابهم بمنأى عن اهتمامات برنامج العودة؛ فقد انعقد في الشهر السابع نادي فتيان وشباب العودة بالتعاون مع مجموعة جنين الكشفية، الذي تضمن العديد من المحاضرات المتعلقة بنشر ثقافة العودة.

كان ذهاب سلطة أوسلو إلى الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية محطة هامة أثارت الكثير من الجدل والحراك السياسي والشعبي، فعقدت الندوات والمحاضرات في المخيمات الفلسطينية بسورية، لشرح الخطر الكامن وراء هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وللتأكيد أن هناك ثمناً غالياً وقاسياً جداً سيدفعه أبناء الشعب الفلسطيني من جراء ذلك الاعتراف، هو التخلي عن 80% من مساحة فلسطين التاريخية، والتفريط بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى قراهم التي طُردوا منها وشُردوا عام 1948.

لا ينسى اللاجئون الفلسطينيون في سورية يوم احتشدوا قُبيل ساعات طوال في مطار دمشق الدولي، لاستقبال الأسرى الـ(16) الذين أفرج عنهم من سجون الاحتلال الصهيوني بعملية "وفاء الأحرار" التي أنجزتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وبموجبها حُرِّر 1027 أسيراً وأسيرة، حيث عدّ اللاجئ الفلسطيني الصفقة انتصاراً عظيماً للشعب الفلسطيني، وانتصاراً لحركة المقاومة وانتصاراً لعملية الوهم المتبدد التي بددت أحلام العدو الصهيوني، وأكدت أن العدو الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة والسلاح، ولا يُعطي شيئاً بالمفاوضات، بل يركع بالمقاومة ويخضع لشروطها.

من أبرز الأحداث التي مرت بشريط ذكريات اللاجئ الفلسطيني في سورية أيضاً، عقد "مؤتمر الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين" الذي دعا إلى تحسين أوضاع اللاجئين وتنفيذ مشاريع حيوية في مخيماتهم، وقد ركز على متابعة تنفيذ الخطط والبرامج لتطوير عمل الهيئة وتحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم في سورية. وناقش المؤتمر وضع الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين في المخيمات وحاجاتها والتنسيق مع وكالة الغوث الدولية "الأونروا" ومنظمة اليونيسيف لتنفيذ ما تتطلبه المخيمات من خدمات ووضع الميزانية في ضوء الحاجات والمشكلات التي تعترض سير العمل.

للقدس مكانتها الخاصة في قلب المسلمين عامة والشعب واللاجئ الفلسطيني خاصة، فتحت «شعار القدس عاصمة فلسطين التاريخية من بحرها إلى نهرها»، أحيت فصائل تحالف القوى الفلسطينية مهرجاناً جماهيرياً حاشداً لمناسبة يوم القدس العالمي في مخيم اليرموك، أكدوا فيه التمسك بالقدس عاصمة أبدية لفلسطين، وأهمية هذا اليوم في حشد الدعم العربي والإسلامي والعالمي لنصرة فلسطين ودعم صمود أهلنا في فلسطين في وجه تهويد القدس وطمس معالمها الإسلامية والعربية.

في 28 تموز2011، تجمع نحو 680 طالباً من طلاب الأونروا في مدرسة يافا بمخيم النيرب للاحتفال باختتام ناديهم الصيفي. بدأت نشاطات هذا النادي في 7 حزيران تحت شعار "دعونا نلعب ونمرح ونتعلم معاً". ضم هذا النادي أكثر من 600 طفل لبناء جسور من التفاهم والمصالحة والسلام، أما الهدف الكامن من وراء إقامة النادي، فهو مساعدة الأطفال على تعزيز قدراتهم التخيلية وبناء شخصياتهم، والتعرف إلى حقهم في اللعب واكتساب المعرفة الصحيحة في مهارات الحياة والمشاركة في ورشات عمل تناولت العمل التطوعي والفلك والقيادة الفعالة.

أخيراً، مر عام 2011 على اللاجئ الفلسطيني في سورية بحلوه ومره، وهو الآن يستقبل عام 2012، آملاً أن يكون هذا العام عام العودة إلى تراب وطنه، وحجته في ذلك ما يشهده العالم العربي من ربيع قد يزهر ويثمر ويورق خيراً على القضية الفلسطينية. أما الحجة الأخرى، فهي تلك الرسائل التي أبرقها اللاجئون الفلسطينيون في عام 2011 من خلال مسيرة العودة الأولى والثانية إلى كل العالم بأطيافه وألوانه، والتي سطرها بدمائه الطاهرة التي أُريقت على حدود الوطن في سبيل عودته إلى فلسطين، وكتب فيها أن اللاجئ الفلسطيني يملك طاقات وإمكانات كامنة يستطيع أن يُفجرها بوجه كل من يقف عائقاً في درب عودته، وأنه لا بديل من حق العودة إلى الممتلكات والديار التي هجر منها، وأن حق العودة يسري بشرايين الأجيال القادمة التي هي أكثر تمسكاً باسترداد إرثها وميراثها المسلوب، وأنه كلما طال الزمن، دفع العدو الثمن أكبر.

المصدر: مجلة العودة