القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

الفلسطينيون في لبنان: 280 ألف نسمة معزولين اجتماعياً ينفقون 340 مليون دولار سنوياً في البلاد

40% منهم «محرومون»، 53% عاطلون عن العمل و55،7% من العائلات طعامها غير كاف
الفلسطينيون في لبنان في دراسة ميدانية شاملة أجرتها «الأميركية» و«الأونروا»:
280 ألف نسمة معزولين اجتماعياً ينفقون 340 مليون دولار سنوياً في البلاد

المصدر: جريدة السفير، مادونا سمعان

لا يجمع اللبنانيون على أي من القضايا الكبرى التي تحدد ماضيهم، وحاضرهم ومستقبلهم. كل منهم يرى التاريخ، والواقع القائم ونتائجه على غدهم، بعينه. وإمعاناً في التقوقع، تغيب عن حياتهم، وقضاياهم الكبرى، عمداً، الأرقام والدراسات والأبحاث التي يمكن أن ترشدهم إلى المشترك بينهم، أو تصوّب معتقداتهم وقناعاتهم وآراءهم المبنية على تراكم موغل في القدم من اعتماد «المناسب»، كل من موقعه، ودعماً لموقفه، مما هو قائم فعلاً. تغيب عن حياة اللبنانيين الأرقام والدراسات التي يمكن الاستناد إليها للانتقال من «الرأي» إلى «الحقيقة».

وربما تكون قضية وجود الفلسطينيين الذين لجأوا إلى لبنان منذ نكبتهم، من أبرز القضايا التي تستخدم في كل حين، تحريفاً وتنظيراً وافتراء، لخدمة أغراض سياسية محلية ضيقة، يستخدمها كل طرف في وجه الآخر بيسر يتيحه التعتيم المفروض على واقع هؤلاء اللاجئين وأي حقائق تتصل بوجودهم القسري خارج بلادهم.

أخيراً، كسرت «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، بالاشتراك مع «الجامعة الأميركية في بيروت»، بعض التعتيم، مظهرة، بالوقائع والأرقام والسبل العلمية حجم المغالطات التي تكبّل وتشوّه ملف الوجود الفلسطيني في لبنان، بدءاً من عدد اللاجئين الذي يضخم ويقلص تبعاً للأهواء والظروف، مروراً بمدى «منافسة» اليد العاملة الفلسطينية لعمال لبنان في رزقهم، وصولاً إلى ظروف عيش الفلسطينيين «الرغيد» في لبنان.

اليوم، وفقط في العام 2011، بعد مرور 63 عاماً على نكبة فلسطين، بتنا نعرف أن في لبنان ما بين 260 ألفا إلى 280 الف فلسطيني ما زالوا يقيمون في لبنان من بين عدد اللاجئين الإجمالي المسجل لدى «الأونروا» وهو 425 ألفاً. تعيش نسبة 62 في المئة من هؤلاء في المخيمات، فيما يعاني ثلثا اللاجئين الفلسطينيين، أي 160 ألفا منهم، من الفقر، وتعاني نسبة 7,9 في المئة منهم من الفقر المدقع.

ومع نشر كامل تفاصيل الدراسة التي أجرتها «الجامعة الأميركية في بيروت» حول «الواقع الاجتماعي والاقتصادي للاجئين الفلسطينيين في لبنان»، والتي شملت 32 مخيماً وتجمعاً للفلسطينيين، وأجريت بين نهاية تموز وأوائل آب 2010، تبين أن السبب الأساسي لتردي أوضاع فلسطينيي لبنان هو عزلهم بما لا يسمح لهم بالانخراط في الحياة المدنية في لبنان، بالإضافة إلى إقفال أسواق العمل في وجوههم (نسبة 56 في المئة منهم يعانون من البطالة)، وحرمانهم من الضمان الصحّي وحق التملّك.

في المقابل، قدّرت الدراسة أن اللاجئين الفلسطينيين ينفقون حوالى 340 مليون دولار سنوياً في البلاد، ما يعد مساهمة كبيرة في الاقتصاد اللبناني، لا سيما في المناطق النائية حيث تتركز التجمعات والمخيمات الفلسطينية.

كما بيّنت الدراسة أن المهن التي يشغلها الفلسطينيون تعتبر مكملة لتلك التي يمتهنها اللبنانيون، ما يعني أنهم لا يشكلون خطراً على اليد العاملة اللبنانية.

نشرت «الجامعة الأميركية في بيروت» دراستها حول «الواقع الاجتماعي والاقتصادي للاجئين الفلسطينيين في لبنان» كاملة، بعدما عرّفت عنها قبل شهر في ملخّص تضمّن أبرز الأرقام التي توصل إليها فريق من الباحثين في الدراسة.

رصدت الدراسة واقع الفقر لدى الفلسطينيين من خلال خمسة عوامل: الوضع الاقتصادي، والسكن، والصحة، والأمن الغذائي، والتعليم.

وبالاستناد إلى تلك العوامل، وجد الباحثون أن ثلثي اللاجئين الفلسطينيين فقراء، أي ما يعادل 160 ألف شخص، وأن الفقر مستشر في المخيمات أكثر منه في التجمعات (المنتشرة أساسا في محيط المخيمات).

وبحسب الدراسة، تبلغ نسبة الفقر المدقع عند الفلسطينيين أربعة أضعاف نسبتها بين اللبنانيين، كما أن الفقر الذي ينتشر بين الفلسطينيين أشد من ذلك المنتشر بين اللبنانيين الذين يعيشون بجوارهم. وذلك باستثناء الشمال حيث يتساوى فقر الفلسطينيين بفقر اللبنانيين. وذلك على الرغم من أزمة نهر البارد، على اعتبار أنه يشهد برامج طوارئ عديدة.

على صعيد آخر، رصدت الدراسة مؤشر الحرمان بالاستناد إلى العوامل الخمسة: الصحة الجيّدة، والأمن الغذائي، والتعليم الأساسي، والاستقرار الوظيفي، والسكن اللائق، بالإضافة إلى اقتناء أساسيات الحياة.

وبدراسة تلك العوامل، تبيّن للباحثين أن نسبة أربعين في المئة من اللاجئين الفلسطينيين هم من المحرومين.

إلى ذلك، وجدت الدراسة أن نسبة الفقر تبدو أكثر ارتفاعاً لدى الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و19 سنة، لا سيما مع اضطرارهم للعمل.

كما برهنت أن كل العائلات التي يرأسها شخص معوّق، (نسبتهم تقارب تسعة في المئة من اللاجئين)، تعاني من الفقر المدقع.

الصحة: قائمة الأمراض تطول

على الصعيد الصحي، وجد الباحثون أن نسبة 72 في المئة من العائلات تعاني من إصابة احد أفرادها بمرض مزمن، أو أكثر. وتسجل لدى نسبة 15 في المئة منها إعاقة واحدة على الأقل، ولدى نسبة 41 في المئة نوع من الكآبة المزمنة.

وتبلغ نسبة المصابين بمرض مزمن من اللاجئين 31 في المئة أي حوالى ضعف الرقم اللبناني الذي يبلغ 17 في المئة. كما تبلغ نسبة الذين يعانون من ارتفاع في ضغط الدم 32 في المئة، مقابل 14 في المئة في الحالة اللبنانية.

وإلى ضغط الدم، سجّلت الدراسة انتشار أمراض مزمنة كالكولستيرول، وآلام الصدر، وأمراض القلب، والجلطات، وفقر الدم، والبروستات، والسرطان، وترقق العظام، وأمراض الكلى، والتلاسيميا، والتوحد، إلى أمراض عصبية أخرى.

وتعاني نسبة 4 في المئة من الفلسطينيين المقيمين في لبنان من إعاقات، مقابل نسبة 2 في المئة في الحالة اللبنانية. وأصيبت نسب 15 في المئة من الحالات بالشلل، وتسعة في المئة بفقدان النظر، وثمانية في المئة بفقدان السمع.

وقد تبّين من خلال المقابلات التي أجراها الإحصائيون للدراسة، أن نسب 19 في المئة من الإعاقات سببها الحرب، و20 في المئة سببها حوادث، و30 في المئة إعاقات منذ الولادة.

كما سجّلوا إصابة نسبة 21 في المئة من اللاجئين بنوع من الأمراض العصبية كالكآبة، والقلق، ...

تعليم: تسرّب قسري

في ما خصّ قطاع التعليم، لم تدخل نسبة ثمانية في المئة من الذين تتراوح أعمارهم ما بين 7 و15 سنة المدارس في العام 2010، في حين أن ثلثي الفلسطينيين الذين تجاوزوا سن الخامسة عشرة لم يحصلوا على الشهادة المتوسطة (البريفيه)، في مقابل نسبة خمسين في المئة في حالة اللبنانيين.

كما سجّلت الدراسة وجود نسبة خمسين في المئة من الشباب بين 16 و18 سنة خارج المدرسة، نصفهم يعيش في الجنوب، فيما تتبدّل نسبة ارتياد المدرسة بين تلك الأعمار في المناطق الأخرى.

وقد حصلت نسبة 13 في المئة من اللاجئين ما فوق 18 سنة على شهادة البكالوريا أو شهادة أعلى، بفارق يقل بنسبة أربعة في المئة عن اللبنانيين المقيمين، الذين تبلغ نسبة حاملي شهادات البكالوريا والإجازات الجامعية بينهم حوالى 17 في المئة.

إلى ذلك، لا يرتاد كافة أطفال العائلة الواحدة المدرسة في نسبة 19 في المئة من العائلات، في حين لم تكمل نسبة 46 في المئة من راشديها دروسهم الابتدائية.

56 % عاطلون عن العمل

تبّين الدراسة أن نسبة البطالة بين الفلسطينيين تبلغ حوالى ثمانية في المئة، وهي نسبة طالبي العمل بالمقارنة مع نسبة العمال، بحسب تعريف «منظمة العمل الدولية» للقوى العاملة. في حين أن نسبة العاطلين عن العمل تبلغ 56 في المئة، وهي تعني الأشخاص الذين هم في سن العمل ولا يعملون، وليسوا من الطلاب ولا من الحوامل ولا مرضى. وتعمل من مجموع الفئة العاملة نسبة 37 في المئة. من هنا، تبلغ القوة العاملة حوالي 120 ألف شخص فيما يعمل منهم 53 ألفاً. وتبلغ نسبة النساء من بين الفئة التي تعمل 13 في المئة، مقابل 65 في المئة من الرجال.

وأظهرت الدراسة أن نسبة 21 في المئة من اللاجئين العمال، يعملون في أشغال موسمية، بينما تعمل نسبة سبعة في المئة منهم وفق عقد عمل. وقلة منهم، أي حوالى ثلاثة في المئة، لديها عمل ثان.

ومن القوى العاملة الفلسطينية، تعمل نسبة 72 في المئة في القطاع الخاص للخدمات (أي المهن التي لا تتعلق بالحكومة ولا بالجمعيات الأهلية، ولا الصحة والتعليم). فيما تعمل نسب 17 في المئة في قطاع البناء، وسبعة في المئة في الزراعة، وثلاثة في المئة في الصناعة. وللمقارنة، تجدر الإشارة إلى أن نسب ثمانية في المئة من اللبنانيين تعمل في قطاع البناء، و15 في المئة في الصناعة، وستة في المئة في الزراعة، و71 في المئة في قطاع الخدمات.

وتبّين أن أكثر من ربع النساء العاملات، يعملن كموظفات، ومسؤولات من ذوات المراتب العليا، ومديرات، ومدرّسات، وغيرها. بينما تعمل نسبة تفوق العشرة في المئة بقليل من الرجال في تلك الوظائف... وتظهر الدراسة أن العمل ينقسم مناصفة بين الرجال والنساء في القطاع الصحي. كما تبدو مشاركتهم في مجال الزراعة شبيهة، إذ تشتغل فيها نسبة تسعة في المئة من الرجال وثمانية في المئة من النساء.

وسجّلت الدراسة أنه، من بين الدول العربية كافة، وحده لبنان لا يسمح بعمل الفلسطينيين ولا باقتنائهم عينات عقارية، وبالتالي يعاملهم كغرباء.

كما أوضحت أن هناك سببين رئيسين وراء عدم إقدام صاحب العمل اللبناني على توظيف فلسطينيين: أولاً، بسبب اضطراره للإعلان في ثلاثة صحف عن الوظيفة الشاغرة والتأكد من أنه ما من لبناني بحاجة إليها، وثانياً، لكونه سيضطر لدفع رسوم للضمان الصحي الاجتماعي في حين لا يستفيد منه العامل الفلسطيني (إلا عند نهاية الخدمة بحسب القانون الجديد).

إلى ذلك، تحمل نسبة 6 في المئة فقط من اللاجئين الفلسطينيين العاملين إجازات جامعية، في مقابل نسبة عشرين في المئة لدى القوى العاملة اللبنانية.

وقد وجدت الدراسة أن سبعة في المئة من أرباب العائلات هم من دون عمل، بينما يعمل 17 في المئة منهم في أعمال موسمية أو موقتة.

السكن: منازل بلا سقوف

وبالنسبة إلى أوضاع السكن، فإن نسبة 40 في المئة من المساكن تعاني من مشاكل نش المياه، سواء من فوق الأسطح أو من خلال الجدران، بينما تعلو نسبة ثمانية في المئة من المساكن أسطح معدنية أو خشبية...

وتتركز المساكن المتردية الحال في الجنوب، خصوصاً في مخيمي الرشيدية وعين الحلوة، كما في التجمعات السكنية في صور.

وأوضحت الدراسة أن نسبة تسعة في المئة من المساكن، موضوع البحث، لا تمتلك سخان مياه أو برّادا، أو غسالة (ثلاثة في المئة في الحالة اللبنانية).

ويعاني أكثر من نصف اللاجئين الفلسطينيين من مشكلة في السكن، فيما تعاني نسبة 39 في المئة منهم من انقطاع المياه.

الأمن الغذائي: العيش في الحرمان

يتأثر الأمن الغذائي بعاملين أساسيين هما الجوع وسوء التغذية. وبناء عليه، أبدت نسبة 37،3 في المئة من العائلات اكتفاءها بنوعية وكمية الطعام التي تحصل عليهما، مقابل إظهار نسبة 61،5 في المئة عدم رضاءهم بالطعام الذي يتوفر لديهم.

واعتبر الباحثون أن 2،17 دولار تكفي لشراء الحاجات الغذائية الأساسية اليومية للاجئ الفلسطيني الواحد، لكنهم وجدوا أن نسبة 6،6 في المئة ينفقون أقل من ذلك يومياً. ويشمل ذلك 16 ألف لاجئ. واعتبر الباحثون أن نسبة الفقر الشديد في المخيمات تبلغ 7،9 في المئة، وأن تجمعات منطقة صور، لا سيما جل البحر والقاسمية، تظهر مؤشرات فقر عالية جداً تفوق حتى نسبة الفقر في المخيمات.

وأظهرت الدراسة أن نسبة 55،7 في المئة من العائلات لا تنال طعاماً إضافياً في حال لم يكن لديها طعام كاف. وتسجل لدى نسبة 34،6 في المئة من العائلات محاولة أحد أفرادها تقليص حجم وجبته، بينما يتخلى أفراد بنسبة 28،2 في المئة منها عن وجبات. وتسجل نسبة 14،9 في المئة من العائلات عدم تناول أحد أفرادها الطعام ليوم بكامله خلال الأشهر الستة الماضية.

أكثر من نصف اللاجئين الفلسطينيين يستهلكون أقل من مرة يومياً الفاكهة. تعاني نسبة 46،5 في المئة من العائلات من سوء تغذية، وتستهلك الفاكهة أقل من مرة في الأسبوع. وتجد عائلات نفسها غير قادرة على شراء الأطعمة الطازجة واللحوم والدجاج والألبان والأجبان.

إلى ذلك، تبيّن أن نسبة 13،6 في المئة من الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية من الدرجة الخطرة هم خارج المدرسة، في مقابل نسبة 6،9 في المئة للذين يعانون من سوء في التغذية غير خطير. ويشكل الأطفال الذين يعانون من سوء خطير في التغذية نسبة 25 في المئة من مجموع الأطفال الفلسطينيين الذين هم خارج المدرسة.

وقد سجّلت الدراسة أن العائلات التي تعاني من مرض مزمن تبدّي الإنفاق على الصحة على الإنفاق على الطعام.

يذكر أن الدراسة شملت 2600 عائلة، تمت مقابلة افرادها بين آخر تموز وأوائل آب 2010، بجهود فريق إحصاءات مؤلف من ستين شخصاً. وتألف فريق الباحثين من ثمانية أشخاص.