الفلسطينيون في مخيمات لبنان.. أجيال من دون هويات ولا حتى حق الترميم
ينقسم اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وفق درجات وطبقات، منهم من يحيا في مخيمات اللاجئين، ومنهم من يقطن في تجمعات عشوائية داخل تلك المخيمات لا تعترف بها سلطة، وعلى رأسها الأمم المتحدة ممثلة في منظمتها "الأونروا".
تعيش في التجمع السيدة سعاد عبدالدايم، وهي فلسطينية تزوجت منذ سبعة وعشرين عاماً من سامي مليحة، ولها منه ثلاثة أولاد، لكنها ما زالت عزباء في دوائر النفوس حتى اليوم، والزواج شرعي مئة بالمئة، فقد دوّن في المحكمة الشرعية السنية، لكنه لم يدوّن في سجلات دائرة شؤون اللاجئين في لبنان، كما لم يدوّن في سجلات الأونروا، أي هو زواج شرعي، لكنه غيرُ قانوني، وكلُ ما نتج عن هذا الزواج غير قانوني!
وتقول سعاد عبدالدايم لاجئة فلسطينية: "أتمنى رؤية كلمة متزوجة على الهوية، الذي يميزني عن بقية الناس أنني متزوجة من رجل من غزة، لذا أنا ما زلت عزباء على رغم أني متزوجة ولدي أولاد".
ويتحدث سامي مليحة، لاجىء فلسطيني من الفئة الثالثة، عن تجربته: "نحن أولاد الـ1967، قادمون من غزة والضفة الغربية، وأنا قادم من مخيمات اللجوء في غزة، الطريقة التي أخرجت منها من فلسطين يمكنك القول إنه تم الخلاص مني في لبنان من خلال وثيقة ذهاب بلا عودة وغير صالحة للسفر، هذه الوثيقة فقدت في لبنان عام 1982 خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فلا أوراق ثبوتية لدي سوى شهادة الثانوية العامة وبعض الأوراق التي تثبت أني فلسطيني".
والمشكلة بنظر سامي لا تقف عند حدّ الاعتراف بزواجه أو بأولاده، بل أيضاً بمستقبل أولاده الثلاثة حسام، محمد وعبدالكريم.
سامي اعترف لـ"العربية.نت" بلجوئه إلى التوسّط لدى فاعلين فلسطينيين في لبنان لتعليم أولاده في مدارس الأونروا، على الرغم من أن هذا الأمر محصور فقط في الفلسطينيين المسجلين لديها.
لكن ابنه البكر حسام، خمسة وعشرون عاماً، لم يستطع دخول الجامعة بسبب فقدانه للأوراق الثبوتية، ولم يتمكن من الاستفادة من المنح الجامعية التي توزّع سنوياً على الفلسطينيين للدراسة في الخارج، لأنه لا يحق له إصدار وثيقة سفر، ما اضطره إلى دخول أحد المعاهد الخاصة لدراسة إدارة الأعمال، لكنه انتهى بوضع الشهادة جانباً وعمل في مجال البناء.
وينتمي سامي إلى الفئة الثالثة أو إلى فاقدي الهوية، وهم ليسوا مسجلين لدى الأنروا أو في سجلات وزارة الداخلية اللبنانية، ويقدر عددهم بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف فلسطيني.
وترتبط ظروف لجوئهم إلى لبنان بأحداث أيلول الأسود العام1970، وبعضهم إلى العام 1967، كما هو حال سامي.
وأخيراً ، ومع افتتاح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت العام 2006، أصدر المكتب بطاقات تعريف تسهّل تنقلهم فقط لا غير.
لا يمكن فصل وضع عائلة سامي الاجتماعي عن وضعه المعيشي، فهو يعيش في تجمع الوادي في مخيم المية ومية في مدينة صيدا جنوب لبنان، وهو تجمّع مهدد بالانزلاق بسبب تربته التي تسببت في انشقاقات بالمنازل التي بنيت غالبيتها من دون أي أساسات، بسبب الوضع المادي لسكانها، ولا يمكن مساعدتهم من قبل الأونروا، فهذا التجمع غير معترف به من قبلها، لأنه خارج نطاق مخيم المية ومية للاجئين، لذا لا تقدم لهم الهيئة أي خدمات إنمائية كحال 26 تجمعاً آخر في لبنان.
أمل الحاج وهي لاجئة فلسطينية تعيش بالقرب من منزل سامي، وسقف منزلها عبارة عن ألواح عشوائية تتسرب منها مياه الأمطار تقول إن الشقوق داخل تلك المنازل تأوي الحشرات والقوارض والثعابين.
ويشرح غالب الدنان، أمين سر اللجان الشعبية في مخيم المية ومية، تاريخ بناء تجمّع الوادي قائلاً: "هذا المخيم لجأت إليه عائلات فلسطينية مهجرة من مخيمات عدة مثل، تل الزعتر 1976، والنبطية ما قبل 1976، ومن داخل مخيم المية ومية نفسه أثناء الاجتياح الإسرائيلي".
وتحظر الأنظمة السارية على سكان المخيمات الفلسطينيية في لبنان إدخال مواد البناء، إلا بإذن مسبق من مخابرات الجيش اللبناني، إذ تعلن الحكومة خشيتها من التوسّع الجغرافي للاجئين الفلسطينيين.
وقد تأسس تجمع الوادي على مساحة لا تتجاوز 400 متر مربع، وفي فصل الشتاء، حين يتعذر دخول حافلات المدارس، يضطر التلاميذ إلى السير في طريق موحلة ووعرة، فكيف هو الحال أثناء الطقس الماطر، إنها مأساة بلا نهاية.
لاجئ نت - وكالات