القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان

الفلسطينيون يراجعون تجربتهم في لبنان

الجمعة، 13 نيسان، 2012
 
كثيرة هي علامات الإستفهام التي يمكن ان تطرح حول وعي الفلسطينيين لما كان يحدث في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما تسبب وجودهم المسلح في مفاقمة الإنقسام السياسي اللبناني وقاده نحو تصدعات أمنية بدأت في العام 1968 في اقاصي جنوب لبنان ووصلت الى بيروت قبل ان تنفجر حربا أهلية في 1975.

ما خسره اللبنانيون شكل خسارة لفلسطين القضية ايضا. الديموقراطية والإزدهار في لبنان كانا أبرز عنصرين في مواجهة النموذج الإسرائيلي الذي يدعي فردانية في الشرق، وهما كانا ضحيتي البندقية الفلسطينية، بشكل غير مقصود او لا واع.

الدمار المادي يمكن تعويضه، بل تم تعويضه حين بدأ مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري لإعادة البناء. لكن ما لم يعوض هي الديموقراطية، حتى وان كانت ذات خصوصية لبنانية مبنية على بعد طائفي، والإزدهار حتى وإن كان اساسه الإقتصاد الخدمي، وهو أمر لا يزال لبنان يعانيه الى الآن بعد 37 سنة من اندلاع الحرب سيئة الذكر.

ملاحظتان يمكن وضعهما في سياق مراجعة التجربة الفلسطينية في لبنان: البعد الأمني الذي حكم اللقاءات والاجتماعات ومساعي الحل، بدءا بالإجتماعات التنسيقية الأمنية بين الجيش اللبناني والفدائيين، مرورا باتفاق القاهرة الذي ركز على الأمن اكثر مما ركز على السياسة، وليس انتهاء باتفاق "ملكارت" الأمني بامتياز. لكن ما يطرح ألف علامة استفهام، هو ذلك الحل السياسي الضائع قبل حادث "بوسطة عين الرمانة"، الذي يؤكد القيادي الفلسطيني السابق صلاح صلاح، أن الحادث المشؤوم أطاح به.

السؤال الذي يطرح هنا: كيف يمكن لحادث مثل "بوسطة عين الرمانة" على أهميته، ان يطيح باتفاق سياسي لو لم يكن القلق والخوف المتبادلان بين الطرفين اللبناني المسيحي والفلسطيني اقوى شأنا من الإتفاق السياسي؟ واستطرادا ما هي العوامل التي راكمت القلق والخوف لدى الطرفين؟

صلاح صلاح، الشاهد على مختلف مراحل التجربة الفلسطينية في لبنان، يفتح دفتر مذكراته ويفتتح المراجعة في التجربة الفسطينية في لبنان، في حلقة اليوم.

صلاح صلاح: الكل مسؤول عن خراب لبنان

من القلائل الباقين ليشهدوا على حرب السنتين في لبنان والحراك السياسي المرتبط بها.. هو القيادي الفلسطيني المخضرم صلاح صلاح الذي شارك في معظم الاجتماعات قبل حرب السنتين مع السلطات الرسمية اللبنانية وقاد الملف الفلسطيني في لبنان بعد الاجتياح الاسرائيلي العام 1982 وعقد اول الاجتماعات حول الملف الفلسطيني في لبنان مع اولى حكومات الطائف برئاسة سليم الحص العام 1989.

يعتبر صلاح صلاح أن الكل "مسؤول عن خراب لبنان"، ويكشف ان حلاً سياسياً لـ"الخلاف الفلسطيني ـ المسيحي" الحاد والمتمادي منذ نهاية ستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضي، كاد أن يوقع عليه قبل أيام من حادثة "بوسطة عين الرمانة" في 13 نيسان (أبريل) 1975، ليطرح سؤالا لم يجد جوابا واضحا، حول من هو الطرف الثالث الذي وقف وراء الحادث؟ وسؤال محوري آخر هو كيف لحادث بوسطة مفتعل (يستبعد صلاح صلاح مسؤولية الكتائب عنه، وتؤكد الكتائب انها بريئة منه) أن يجهض اتفاقا ناجزا ويشعل حربا أهلية؟.

يعتبر صلاح صلاح أن النظر الى الفلسطينيين على انهم الطرف الذي كان مسيطرا على لبنان فيه "افتئات"، فهم قد يكونون سيطروا على المخيمات وبعض من محيطها "لكن ليس على مناطق كان يسيطر عليها اطراف لبنانيون متحالفون مع الفصائل الفلسطينية"، بل يؤكد أن من كان "يسيطر عمليا على الوضع هو الجيش السوري الذي كانت له اليد الطولى من شمال لبنان حتى منطقة الزهراني في الجنوب، قبل ان يتراجع الى نهر الأولي، ومن البقاع الى جبل لبنان وصولا إلى الساحل اللبناني".

لكن القيادي المخضرم، يعتبر ان قراءة الملف الفلسطيني في لبنان يجب ان لا يقتصر على مرحلة السبعينيات، بل تتوجب مراجعة كل المراحل التي مر فيها هذا الوجود، بدءاً من النكبة عام 1948 حين فقد الشعب الفلسطيني وطنه وأرضه وممتلكاته، وأصبح يعيش خيبة أمل، في مخيمات كانت عبارة عن خيم من دون بنية تحتية.

حل سياسي ضائع

مع تكرار الاشتباكات بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية حتى بعد توقيع اتفاق الطائف العام 1989، وخصوصا تصاعدها بين 1973 و1975، كان لا بد من حل جذري وسلمي يريح البلد، والتخلي عن التنسيق الأمني الذي جل ما يمكن ان يقدمه هدنة مؤقتة تنهار مع أول حادث مفتعل او عرضي.

يقول صلاح صلاح: "كان يستقر الوضع لبعض الوقت، لكن تعود الصدامات لاحقا، الأمر الذي دفع الفلسطينيين الى اعادة التفكير في اسلوب حل المشكلة، فكان الرأي أن يتم الاعتماد على حل سياسي، كون الحلول الميدانية جزئية ولم تؤد في المحصلة الى الهدف المرجو وهو وقف الصدامات. ويكون ذلك عبر فتح حوار مع ممثل الطرف اللبناني المعارض للعمل الفدائي وهو حزب الكتائب، الذي كان يمثل نبض غالبية الشارع المسيحي، وكان لدينا قناعة اننا لا نريد كفلسطينيين ان نكون في لبنان مع طرف ضد آخر أو أن لا نكتفي بأن نحصل على دعم من طرف دون آخر، نحن كفلسطينيين هذا تصورنا للصراع مع اسرائيل، نحن معنيون بمواجهة عدونا الإسرائيلي الذي اغتصب أرضنا وهذه الهزيمة يجب ألا نقبل بها ولا يجب أن نستسلم لها ونحاول أن نقنع الأطراف الأخرى ان خطر الحركة الصهيونية لا يقتصر على الفلسطيني وإنما يشتمل أيضاً لبنان المستهدف بمياهه والمستهدف بأرضه، يعني ان لبنان يدخل ضمن أهداف المشروع الصهيوني التوسعي الذي يهدف الى اقامة دولة من الفرات الى النيل وبالتالي حاولنا أن نقنع هذه الأطراف انه يجب أن نكون شركاء مع بعضنا البعض لمواجهة إسرائيل".

ويشرح انه "في ضوء ذلك تشكلت في إطار قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت تضم كل الفصائل ولم يكن هناك انقسام فلسطيني خلال اجتماعات عدة وبوجود أطراف لبنانية عبر القيادة المشتركة الفلسطينية ـ اللبنانية، حول هذه القناعة. كان يشارك في الاجتماعات تلك من الاحزاب اللبنانية المتحالفة مع الفلسطينيين: الشيوعي والقوميون السوريون، ومنظمة العمل الشيوعي، وشخصيات من الناصريين، وحزب البعث، وقوى لبنانية اخرى".

ولم تقتصر الاجتماعات على الطرف المسيحي، أيضاً كانت تتم اجتماعات مع رسميين لبنانيين من غير المسيحيين. يؤكد صلاح صلاح ان "اجتماعات كهذه لم تنقطع، ولم تتوقف، مع كل الرؤساء من رشيد كرامي الى صائب سلام، الى شفيق الوزان، كانت هناك اجتماعات دائمة مع الجميع وفي كل المراحل. كان رؤساء الحكومات يعكسون موقف الشارع السنّي المتعاطف والداعم للمقاومة الفلسطينية".

وفي العودة الى "الطرف الآخر"، أي المسيحي، حيث كان قد تبلور لدى الشارع المسيحي، موقف سلبي من المقاومة، يتابع صلاح قائلا: "عندما اقتنعت القيادة الفلسطينية بهذا التوجه تم تشكيل لجنة برئاسة صلاح خلف (أبو إياد) وعضوية أبو حسن (علي) سلامة، وكنت انا عضوا فيها، وحصل أول لقاء في مكتب (الرئيس) أمين الجميل وكان معه على ما اتذكر كريم بقرادوني واخرون. وبدأ من هناك حوار، أعتبر انه في تلك الفترة كان ايجابيا وكان فيه صراحة من قبل الطرفين المسيحي والفلسطيني كل طرح وجهة نظره. كان جو النقاش ايجابيا في تلك الفترة وفيه كثير من الوضوح بطرح وجهات النظر، الفلسطينيون طرحوا وجهة نظرهم بشكل كامل وأكدنا حرصنا اننا نريد ان ننفتح على الشارع المسيحي، فنحن نعتبر معركتنا مشتركة، ومعركتنا واحدة. وأيضاً الطرف المسيحي عبر عن مخاوفه من وجود اطماع لاسقاط الدولة، وملاحظاته على التجاوزات الفلسطينية والممارسات الخاطئة التي كانت تحصل الخ.. وكنا نتفهم المخاوف والملاحظات والمحاذير التي كانوا يطرحونها". يؤكد صلاح صلاح انه "كانت هناك محاولات جدية للوصول الى تفاهم مشترك لحل كل المسائل وتبديد مخاوف وهواجس كل الأطراف، وفعلاً كنا، بعد عقد اجتماعين او ثلاثة في عامي 1974 و1975على هذا المستوى العالي، على وشك إصدار بيان حول طبيعة هذه اللقاءات ووضع أسس لعلاقة جديدة، وفجأة حصلت مجزرة ما بات يعرف ببوسطة عين الرمانة".

ويمضي صلاح ليعرض تقديرا بالغ الأهمية حين يستطرد قائلا ان حادثة "بوسطة عين الرمانة" قضت على كل شيء وخصوصاً ان من اتهم بالعملية ثلاثة أشخاص من حزب الكتائب، أنا اعتبرت في حينها وما زلت على القناعة نفسها بأن من ارتكب مجزرة عين الرمانة، حتى وإن كانت عناصر كتائبية، هي جهات لم تكن مرتاحة للقاءات السياسية العليا بين منظمة التحرير وحزب الكتائب، ولا تريد لها أن تصل الى نتائج ايجابية، فوجهت ضربة استباقية قبل أن تصل الاجتماعات الى خواتيمها الإيجابية. بعد هذه الضربة انفرط عقد اللقاءات وتطورت الأمور بسرعة قياسية الى صراع فلسطيني ـ لبناني ولبناني ـ لبناني".

يسأل صلاح: "هل السبب الحقيقي في حرب السنتين في لبنان بعد ذلك هم الفلسطينيون الذين كانوا منتشرين في المخيمات وفي محيطها ولم يكونوا اساسا في المدن والقرى اللبنانية التي حصلت فيها الصدامات؟ في تلك الفترة بدأ الموضوع يأخذ شكل صراع لبناني لبناني ولهذا السبب سمّي حربا أهلية، وبلغت المعارك مناطق الجبل بين الاحزاب المسيحية وأطراف الحركة الوطنية اللبنانية، علما ان الفلسطينيين لم يكونوا اساسا متواجدين في تلك المناطق".

مع اندلاع حرب السنتين، توقفت الاتصالات، لكن صلاح يشير الى ان الاتصالات "اصبحت تأخذ طابعاً فردياً وليس رسمياً وان كانت عامة تجري بتكليف من قبل (الرئيس الراحل ياسر عرفات) أبو عمار، وكان أبو حسن سلامة يلعب دورا أساسيا فيها الى أن استشهد. وبعد اغتيال ابو حسن حاول "أبو اياد" فتح خطوط اتصال غير رسمية، لكن كل الاتصالات التي حصلت بعد 1975 اخذت طابعا أمنيا وليس سياسيا".

حتى ان "منظمة التحرير" علمت قبل اجتياح 1982 ان الاجتياح الإسرائيلي سيحصل، والمعلومات كانت تتوافر عبر تلك الاتصالات، وأحد المصادر كان حزب الكتائب" كما يقول صلاح صلاح.

بداية الأزمة

على أن الأزمة بدأت فعليا في الثلث الأخير من عقد ستينيات القرن الماضي، فبعد العام 1967 بدأت حركات المقاومة الفلسطينية والفصائل في البروز في لبنان، لكن لم يكن لها دور فاعل، إذ أن تلك الفصائل تواجدت في الأردن، وكان من يريد ان ينتمي من فلسطينيي لبنان اليها يذهب الى الأردن، حيث المقرات القيادية ومعسكرات التدريب.

يقول صلاح: "لم تكن هناك فكرة للانتقال من الأردن الى لبنان، لكن ما قامت به حركة "فتح" في حينه انها فكرت بدل ان يذهب الفلسطينيون كأفراد الى الأردن، يمكن تأطيرهم في مجموعات في لبنان، والبدء بنشاطات فدائية عبر الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية. هذا التوجه اوجد النواة الأولى لقواعد العمل الفدائي في اجزاء من جنوب لبنان، وعندما بدأت المجموعات الفدائية تنشط هناك، بدأت تحصل صدامات مع الجيش اللبناني، وكان الموقف الرسمي عدائيا من العمل الفدائي رغم انه لم تكن هناك اي قواعد داخل الأماكن السكنية في القرى او المدن او المخيمات".

وفي مسعى لاحتواء الحماس للالتحاق بالعمل الفدائي، يقول صلاح: "ان مسؤولي الشعبة الثانية والمخبرين التابعين لها كانوا يضغطون على الفلسطينيين في المخيمات لمنعهم من الالتحاق بالعمل الفدائي، وفتحت السلطات اللبنانية مراكز تدريب للفلسطينيين والتحق بها بعض الاساتذة وتلاميذ المدارس، لكن لم يكن تدريبا جديا، بل عملية احتواء لحماسة بدأت بالظهور عند الشباب للانضمام الى قواعد الفدائيين التي تمركزت في مناطق جبلية اولا في جنوب لبنان".

يؤكد صلاح: "استطيع القول انه ليس كل الفلسطينيين كانوا يعرفون ان هناك قواعد للفدائيين في الجنوب، بدأ الناس يعرفون ذلك بعد شيوع اخبار الصدامات بين الجيش اللبناني والفدائيين، وبدأ التعاطف الفلسطيني واللبناني يتصاعد مع الفدائيين، خصوصا ان الفدائيين شكلوا حالة رد عملية على هزيمة العرب في حرب حزيران (يونيو) 1967. لقد كان التعاطف مع العمل الفدائي الفلسطيني كبيرا حتى قبل وصول طلائع الفدائيين الى لبنان، فمثلا الشهيد خليل عزالدين الجمل كان اول شهيد لبناني يسقط في صفوف المقاومة الفلسطينية، كان قد سقط في الأردن، استقبل استقبالا جماهيريا حاشدا اعتبارا من بلدة الكحالة المارونية حيث تجمع المواطنون ورجال الدين المسيحيون وقيادات الاحزاب المسيحية وصولا الى بيروت مسقط رأس الشهيد حيث كان استقبل جثمانه استقبال الابطال وشيع في موكب مهيب قبل دفنه".

لكن عندما انتقل العمل الفدائي الى لبنان، وحتى وهو متمركز في الجبال والأحراش في اطراف الجنوب اللبناني، بدأ الوضع يتغير، وكأن ثمة من يقول "نحن مع العمل الفدائي طالما انه خارج لبنان"، ويضيف صلاح: "وفي المقابل كان هناك رأي عام اخر مؤيد لقدوم الفدائيين الى لبنان وتنفيذ عمليات عبر الحدود ضد العدو الاسرائيلي".

عند هذه النقطة، يتابع صلاح: "بدأ يحصل انقسام في الشارع اللبناني، وقد برز بشكل أساسي في تظاهرة هي الاكبر في لبنان في حينه على ما اعتقد في نيسان (ابريل) 1969 للتضامن مع المقاومة الفلسطينية بعد اشتباك بين الفدائيين والجيش اللبناني سقط فيه عدد من الفدائيين شهداء. وتتالت الاشتباكات وتخللتها عمليات اقتحام وغارات على المخيمات، حيث كان الفدائيون دخلوا اليها بعد اتفاق القاهرة، واستقالت الحكومة اللبنانية تحت ضغط الشارع المعارض لضرب الفدائيين والمخيمات".

تفاهمات "ملكارت"

كان اتفاق القاهرة قد وقع في العام 1969، لكن الفصائل الفلسطينية خرقت الكثير من بنوده فيما كانت السلطات اللبنانية تتحين الفرص للانقضاض عليه بهدف تعديله على الأقل، فبدأ الجيش اللبناني قمع خروقات الاتفاق بالقوة ما اوجد حالة توتر واشتباك شبه دائم، عمل العقلاء على تهدئته، وفي هذا المجال يقول صلاح: "في 17 ايار (مايو) 1973، وعقب اشتباكات عنيفة عقد اجتماع ضم 3 او 4 ضباط لبنانيين برئاسة الضابط احمد الحاج ووفد فلسطيني برئاستي وعضوية كل من عبدالكريم حمد وأبو الزعيم وتوفيق الصفدي، لكن لم نتمكن من التوصل الى اتفاق، حيث بدا كأن الوفد اللبناني يريد الغاء اتفاق القاهرة، لكن جرى التفاهم على وقف لإطلاق النار، وانسحاب قوات الجيش من الأماكن التي تمركزت فيها في المخيمات ومقرات الفصائل الفلسطينية، مع التأكيد على الالتزام باتفاق القاهرة، وعرف لاحقا التفاهم هذا على انه "اتفاق ملكارت"، لكنه كان تفاهما على تنفيذ بنود اتفاق القاهرة وليس اتفاقا جديدا".

يتابع: "لا أريد أن أقول ان الأجواء كانت ودية أو عدائية خلال الاجتماع، لكن كان كل من الجانبين يتحدث من موقع انه المعتدى عليه: الفلسطيني الذي قصف واستعمل الطيران ضده في وقت كان العدو الاسرائيلي الذي يقوم بذلك، واللبناني الذي كان يشعر بأن المقاومة الفلسطينية تجاوزت اتفاق القاهرة".

ويشرح صلاح ان اجتماع "ملكارت" لم يكن الأول "ولم يأت بلا مقدمات، فقد سبقه أكثر من اجتماع ميداني حيث كانت تحصل اتفاقات على وقف اطلاق النار وعلى انسحابات ميدانية، أو عبر اتصالات هاتفية أو وساطات طرف ثالث، لكن لم يكن يتم الالتزام بما يتم التفاهم عليه، وقد جاء الاجتماع العالي المستوى (اجتماع ملكارت) ليحسم بشكل نهائي موضوع استمرار الصدام وقد خلص الى انه يجب ان نضع حدا للصدام ويجب أن ننهيه ضمن آلية نتفق عليها، فصار الاتفاق على الالتزام باتفاق القاهرة".

سوريا على الخط

لكن السؤال هو "من سلّح الحركة الوطنية اللبنانية، اليس الفلسطينيون؟" يؤكد صلاح صلاح أن "أطرافا عدة سلّحتها، وليس الفلسطينيون فقط. الكل سلحوها، بعض الدول العربية كانت تسلّح أطرافا لبنانية مباشرة من دون واسطة فلسطينية. الصراع لم يعد فلسطينيا ـ لبنانيا، صار لبنانيا ـ لبنانيا، وعربيا ـ لبنانيا، أطراف عدة دخلت على خط الصراع في لبنان".

وايضا تطرح اسئلة مثل لماذا كان الفلسطيني دائماً في الواجهة؟ ثم ألم يكن القسم الخارج عن سيطرة الأحزاب المسيحية تحت سيطرة مباشرة او غير مباشرة للفصائل الفلسطينية؟ بل أن المنطقة المسيحية كادت أن تسقط بأيدي تحالف الفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، لكن التدخل السوري في العام 1976 حال دون ذلك؟

لا يوافق صلاح صلاح على ذلك، يقول: "قبل الـ75 كانت الواجهة فلسطينية لكن بعد ذلك أصبحت المواجهة لبنانية ـ لبنانية. تدخل السوري لم يكن للجم الفلسطيني الذي كانت معركته في الجنوب ضد العدو الإسرائيلي، السوري دخل لأجل ضبط الوضع اللبناني، وبقي السوري مسيطرا على الوضع الداخلي اللبناني حتى العام 1982، هو الذي كان منتشرا من شمال لبنان الى صيدا وقبل ذلك حتى الزهراني وفي البقاع والجبل، في العام 1982 أخذت المعركة وجها آخر، لكن بقيت التدخلات الخارجية قائمة بشدة".

يضيف: "في فترة الـ1978 انهارت الأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية، ولم يعد لها تأثير في الشارع، في بعض المناطق كانت السلطة بيد قوى الفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وعملياً المناطق التي سيطرت عليها احزاب الحركة الوطنية اللبنانية حكمت من قبلهم والواجهة كانت فلسطينية. أنا أريد أن أفترض انه في الـ1975 كان الفلسطينيون هم المسيطرين على جزء كبير من لبنان، لكن منذ العام 1976 دخل السوريون، وبالتالي لم يعد الفلسطيني هو المتحكم باللعبة، على العكس من ذلك، كان الفلسطيني محكوما بوجود قوات الردع التي كانت دخلت البلد والتي كانت بقيادة سورية، وهذا الواقع استمر حتى العام 1982، ثم لم يعد للفلسطيني أي تأثير".

ويؤكد أن "الكلام عن سيطرة فلسطينية شاملة مبالغ فيه كثيرا، ويراد به اخلاء مسؤولية اي طرف لبناني أو غير لبناني عما أصاب البلد. الصحيح كلّنا خرّبنا البلد، الفلسطيني شريك مع الوطني اللبناني وشريك مع المسيحي، ولكل دوره. النظام اللبناني نفسه أيضاً يتحمل المسؤولية، الكل يتحمل المسؤولية. الأنظمة العربية التي كانت تدعم هذا الطرف أو ذاك أيضاً تتحمل المسؤولية، الاستعانة بإسرائيل أيضاً جزء من تحمل المسؤولية، يعني كل ذلك يجب ان يقرأ بشكل صحيح، وأتمنى أن تجري قراءة هادئة وعقلانية وموضوعية لتلك المرحلة. ما يحدث أن الكل يريد الهروب من المسؤولية وأن يضع العبء على الحلقة الأضعف، وهي الفلسطيني".

الفلسطيني خارج المعادلة.. وضحية

بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، ازيح الفلسطيني بشكل شبه كامل من الصورة ولم يعد له أي دور مقرر، بل أصبح متلقيا. يقول صلاح صلاح ان ذلك بدا واضحا "من مجزرة صبرا وشاتيلا الى ملاحقة الاجهزة الامنية الفلسطينيين داخل لبنان وحرمانهم من تجديد جوازات سفرهم حيث علق الكثيرون في المطارات بسبب انتهاء مدة صلاحية وثائق سفرهم، الى حرب المخيمات وما جرى خلالها".

ويشير الى ان "الاجتياح الاسرائيلي في العام 1982 نتج عنه اتفاق فيليب حبيب الذي أنهى وجود المقاومة الفلسطينية تماماً في لبنان. بعد خروج قوات منظمة التحرير والفصائل تشكلت لجنة لمتابعة الاهتمام بعوائل المقاتلين الذين غادروا بالبواخر وعوائل الشهداء وباتفاق مع السلطات اللبنانية برئاسة شفيق الحوت وعضوية توفيق الصفدي، وضابط اسمه يوسف رجب، من ثم أضيف إليها عبد الكريم حمد وعلي عزيز، هذه اللجنة كانت معنية بالاهتمام بأوضاع الفلسطينيين بعد الـ82، لكن للأسف العلاقة التي حددت لهذه اللجنة كانت مع جهاز أمن الدولة الذي شكل حديثاً، ولم تستمر بعدما طلب هذا الجهاز من اللجنة وقف العلاقات واقترح ان يغادر اعضاؤها أو ان يختفوا لأنه بحسب تقدير أمن الدولة هناك مخاطر على أعضاء اللجنة من عملاء تركتهم اسرائيل بعد انسحابها".

لكن صلاح يوضح ان "هذه المرجعية المؤقتة انتهت ولم تعد موجودة وبعدها تعرض الفلسطينيون الى حملة انتقام على الرغم من اتفاق فيليب حبيب الذي ابقى وجودا انسانيا واجتماعيا وسياسيا، فكانت مجزرة صبرا وشاتيلا ومحاولة اقتحام مخيم الميّة وميّة وقصف مخيم عين الحلوة وملاحقة الفلسطينيين الذين كانوا يسكنون في شرق صيدا. كذلك اقتحم الجيش اللبناني المخيمات واعتقل عددا كبيرا من أبناء المخيمات خصوصاً مخيمات بيروت بذريعة ان ابا اياد صرح بأن منظمة التحرير تركت في لبنان ألفي مقاتل، لم يكن احد منهم موجودا، وهذا تعرفه تماما الاجهزة الامنية اللبنانية، ولو كانوا سمحوا بحدوث مجزرة صبرا وشاتيلا".

ويعتبر صلاح ان "الأخطر كانت حرب المخيمات، رد فعل "القوات اللبنانية" كان مفهوما بالماضي، وربما مبررا من قبل الجيش اللبناني، أما مع حركة "أمل" فلم يكن هناك اي مبرر لحرب المخيمات، "أمل" التي ولدت في أحضان وبدعم وبرعاية حركة "فتح" وقيل ان مخازن الأسلحة التي بقيت في لبنان سلّمها أبو جهاد رحمه الله قبل مغادرته بيروت الى "أمل" فحورب الفلسطينيون بالسلاح هذا نفسه. لكن لم يكن مفهوما ان تنتقل "أمل" من موقع الحليف الى موقع الخصم في حرب دموية استمرت سنتين وتركت آلاف القتلى والجرحى".

ولا ينفي ان المشاكل مع "أمل" كانت بدأت قبل ذلك: "بالطبع بدأ التدهور مع الدور المميز الذي احتلته "أمل" في الجنوب في العام 1982 عندما قيل ان هناك اتفاقا بين "أمل" وبين إسرائيل عن طريق وسطاء بأن تكون "أمل" معنية بحماية الحدود في جنوب لبنان لتمنع الفلسطينيين من القيام بعمل عسكري يؤدي الى ردود فعل اسرائيلية ضد قرى الجنوب، وربما حرصاً على أبناء الجنوب أخذت "أمل" على عاتقها مسؤولية الأمن هناك. وفي هذا السياق حدثت احتكاكات بين "أمل"والفصائل الفلسطينية وبينها وبين احزاب الحركة الوطنية اللبنانية".

الفلسطينيون بعد اتفاق الطائف

بعد اتفاق الطائف الذي اريد منه ان ينهي تركة الحرب الأهلية، توجهت السلطة اللبنانية نحو حل موضوع السلاح الفلسطيني في شرق صيدا والجبل حيث بدأ حوار مع الفلسطينيين تولاه الوزير محسن دلول ومعه رئيس جهاز أمن الدولة اللواء نبيه فرحات، واتفق على عقد لقاءات لهذه الغاية.

يقول صلاح: "عقد أول لقاء في القاهرة على هامش اجتماعات جامعة الدول العربية في العام 1990، وكان رئيس الوفد اللبناني فارس بويز، وزير الخارجية، وكان رئيس الوفد الفلسطيني رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير (فاروق القدومي) ابو اللطف، وكنت أنا ضمن الوفد الفلسطيني، واتفقنا على فتح صفحة جديدة. وحددنا جدول أعمال يضم العناوين الأساسية التي يجب أن تناقش وهي موضوع الوجود العسكري في لبنان، وأمن المخيمات والحقوق المدنية والاجتماعية، واتفقنا أن يتم الحوار حول هذه القضايا في لبنان أو تونس". يضيف: "طبعاً استمر الحوار حول هذه القضايا في لبنان وبناء عليه كلفت أنا، وكنت مبعدا من لبنان خلال عهد الرئيس أمين الجميل، فعدت الى لبنان وكانت اللقاءات تتم مع الوزير دلول ومعه اللواء فرحات. وأبلغنا دلول أن الدولة اللبنانية توافق على اعطاء الفلسطينيين كل حقوقهم المدنية والاجتماعية باستثناء الجنسية، فأكدت موافقة الطرف الفلسطيني على هذا التوجه، وبناء عليه طلب مني اعداد ورقة توضح وجهة نظرنا حول ما هي الحقوق المدنية والاجتماعية التي نريدها".

ويتابع: "اجريت اتصالات مع الفصائل الفلسطينية بمن فيها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والاخرى المختلفة معها المنضوية في "جبهة الإنقاذ" الموالية لسوريا وعقد اجتماع بين كل الفصائل في مخيم مار الياس واتفقنا على ورقة واحدة وشكلنا وفدا واحدا للحوار الذي كنت فيه أنا عن منظمة التحرير الفلسطينية وفضل شرورو عن "جبهة الانقاذ" وبدأ الحوار فعلاً مع الوزير دلول واللواء فرحات، وبحثنا موضوع السلاح وموضوع الأمن وجرى الاتفاق على تسليم السلاح الثقيل والمتوسط وتخزينه ووضعه تحت حماية من نريد. نحن قلنا لا، لا نريد أن نخزنه ولا ان نضعه تحت حماية أحد ولا تحت كفالة أحد. فجمعنا السلاح الثقيل والمتوسط من كل المخيمات بناء على كشوف وقدمناه للجيش اللبناني خلال اجتماع ضم ضباطا فلسطينيين وضباطا لبنانيين. بقي موضوع أمن المخيمات الذي قيل لنا أننا سنتركه لكم، وأن موضوع السلاح الخفيف ينطبق عليه ما ينطبق على السلاح الخفيف للبنانيين، نحن لم نسحب السلاح الخفيف من أيدي اللبنانيين، اذن لن نسحبه من أيدي الفلسطينيين، لكن نحن كفلسطينيين اتخذنا في حينها قرارا بتنظيم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، ضمن قاعدة ممنوع حمل السلاح الا لعناصر الكفاح المسلح، وان الحراسات التي تتولاها الفصائل على مكاتبها، والمرافقين. وسارت الأمور تماما على هذا النحو الى ان برز موضوع ظاهرة القوى الاسلامية التي تسلحت وتمركزت في المخيمات".

في موضوع الحقوق المدنية والاجتماعية، يقول صلاح صلاح: "شكلت لجنة أخرى ضمت عن الجانب اللبناني الوزير الراحل شوقي فاخوري والوزير عبدالله الأمين، وعن الجانب الفلسطيني أنا وفضل شرورو وناقشنا الموضوع على القاعدة التي أبلغنا إياها الوزير دلول، أي اعطاء كل الحقوق للفلسطينيين ما عدا الجنسية. اعددنا الورقة التي طلبت منا حول مختلف القضايا وقدمنا وجهة نظرنا، ثم عقدنا اجتماعا وأبلغنا المفاوضان اللبنانيان القبول الأولي بالورقة مع وجود قضايا تحتاج الى مزيد من الحوار وتحتاج الى تشكيل لجان خاصة من طرفهم لمناقشتها، وحدد موعد بعد اسبوعين كي نتلقى الجواب على القضايا لكن عبدالله الأمين اتصل بي وقال ان اللجان التي شكلت من الطرف اللبناني لم تنهِ دراسة المواضيع المدرجة في الورقة، وطلب تأجيل الاجتماع وابلغنا انه سيتصل بنا لاحقا لتحديده.. ولم يتم هذا الاتصال حتى الآن. ولأن الموعد الموعود لم يتحدد، بدأنا نجري اتصالات مع رؤساء الحكومات المتعددين لنستفسر عن الموضوع. كما قدمنا لمختلف الحكومات مذكرات تفصيلية حول العناوين التي كانت مطروحة".

ويتحدث صلاح عن مساع في هذا المجال مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 1992: "طلبت مباشرة لقاء مع الرئيس الحريري لأكثر من سبب: أولاً لأهنئه باعتبار ان هناك معرفة سابقة معه من أيام حركة "القوميين العرب"، ولأشكره على اهتمامه في الفترة التي كنت معتقلا فيها لدى السلطات في سوريا في العام 1988 حيث ارسل شخصا اتصل بعائلتي ليطمئن على أوضاعها ويسألها إذا كانت بحاجة الى أي شيء. ولأبحث معه في الوضع الفلسطيني في لبنان. كان برفقتي القيادي في "الجبهة الشعبية" في حينه الرفيق أبو فادي راجي وتحدثنا تفصيلاً في موضوع الحوار الذي جرى منذ المرحلة الأولى في لقاء القاهرة بكل الخطوات اللي تلت بعد ذلك والمذكرات التي قدمت، فأبدى اهتماما معتبراً ان في موضوع الوجود الفلسطيني في لبنان والحقوق المدنية والاجتماعية هي من اولويات اهتماماته، وطلب من مستشاره (النائب الحالي) نهاد المشنوق ان يتابع الموضوع وترتيب أي لقاءات أخرى، لكن بعد ذلك حصلت تطورات يبدو انها غلّبت الملفات اللبنانية على الملف الفلسطيني، خصوصا أن الرئيس نبيه بري، اعتبر أنه المعني بالتعاطي مع هذا الموضوع، وتوقفت الأمور هنا".

على ان المعالجة الأبرز للمسألة الفسطينية في لبنان بدأتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2005، عندما تقرر تشكيل لجنة وزارية للإطلاع على وضع المخيمات الفلسطينية. يقول صلاح صلاح: "وبالفعل زار الوفد مخيم عين الحلوة واعلن الوزراء تعاطفهم مع سكان المخيمات وألمهم لما رأوه من مآسٍ، واعلن الرئيس السنيورة ووزراء آخرون أنه لا يجوز استمرار التعامل مع الفلسطينيين كحالة أمنية. لكن تطورات اخرى خصوصا العدوان الاسرائيلي في 2006 وما تلا ذلك من مشاكل داخلية، وضعت الملف الفلسطيني في الأدراج مجددا".

المصدر: أنيس محسن - المستقبل