القيادات الفلسطينية في لبنان تطرح رؤيتها لعلاقات فلسطينية لبنانية بنّاءة
فيصل: مصلحة الشعبين هي بالوصول إلى خطة سياسية مشتركة
بركة: لا بدّ من إطلاق حوار لبناني فلسطيني يعالج مجمل الوضع الفلسطيني
الرفاعي: تحييد الوجود الفلسطيني في لبنان عن كافة التجاذبات
حاورهم أحمد الحاج
سلّطت أحداث مخيم نهر البارد الأخيرة، وردود الفعل في المخيمات الأخرى، الأضواء مجدداً على الوضع الفلسطيني في لبنان، وعُيّن خلدون الشريع رئيساً للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وجرى إلغاء نظام التصاريح المفروض على مخيم نهر البارد. مجلة «فلسطين المسلمة» التقت عدداً من قادة وممثلي الفصائل الفلسطينية في لبنان، لمعرفة رؤيتهم حول بناء علاقات فلسطينية لبنانية جيدة. فتمحورت رؤاهم حول ضرورة إطلاق حوار لبناني فلسطيني جديّ، وتلبية حاجات الفلسطينيين، واحترام السيادة اللبنانية. وهذا ما أكد عليه ممثل حركة حماس في لبنان علي بركة، وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية ومسؤولها في لبنان علي فيصل، وممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان أبو عماد الرفاعي.
فيصل: خطة سياسية مشتركة
|
|
مسؤول الجبهة الديمقراطية في لبنان علي فيصل أكد أن السؤال المطروح هو «سؤال مفصلي بالنسبة للفلسطينيين في لبنان في هذا الوقت الذي تتعقد فيه التجاذبات اللبنانية نتيجة الصراع الجاري في المنطقة، وتأثر الحالة الفلسطينية بتداعياتها. لكن لا بد من وضع خطوط أساسية تُبنى عليه علاقات لبنانية فلسطينية جدية، وتفتح على مساحات إيجابية في المناخ الحالي».
أولى هذه الخطوط، حسب فيصل، أن «الفلسطيني أخذ على نفسه السير في سياسة تقوم على عدم الدخول في صراعات داخلية لبنانية لبنانية، وعدم الرضوخ إلى أية محاولات تستهدف جرّه إلى التدخّل في هذه الصراعات.ونجح على امتداد الأزمة اللبنانية في السنوات الأخيرة بتطبيق هذه السياسة بشكل واضح، رغم أنه دفع ثمناً غالياً لهذه التجاذبات، منها تدمير مخيم نهر البارد، وفرض الحالة العسكرية حوله، واستمرار الحرمان من جميع الحقوق المدنية. هذه السياسة الفلسطينية صائبة، ونأمل أن يبادلها الطرف اللبناني بالمثل». |
أضاف فيصل «أما الخط الثاني فهو أن لا يجري الاحتكام إلى مبدأ التعامل بالمثل مع الفلسطينيين، لأن هذا المبدأ لا ينطبق على الحالة الفلسطينية، لأن الشعب الفلسطيني جزء منه تحت الاحتلال، وجزء منه في اللجوء القسري بسبب سياسة الاحتلال. ويجب أن لا يُحمّل الفلسطيني نتيجة الاحتلال مرّتين. ونحن نقول إن هذا المبدأ يمكن تطبيقه حين يكون لدينا دولة فلسطينية وسيدة، وتستطيع أن تتعامل بهذا المبدأ. وينبغي توفير كل مقومات الصمود للشعب الفلسطيني في لبنان لدعمه في انتزاع حق العودة، وقيام دولته الفلسطينية المستقلة، التي تتعاطى بمبدأ التعامل بالمثل مع أية دولة عربية أو أجنبية».
الخط الثالث هو «أن لا يجري التعاطي مع المخيمات من البوابة الأمنية، بل من البوابة السياسية والإنسانية والقومية، لأننا شعب شقيق يعيش على أرض شعب شقيق. ونحن هنا موجودون بفعل قسري. لذلك يجب أن تُفتح العلاقات على هذه الأسس الواضحة لأن التعاطي الأمني الأحادي الجانب، سبب ويسبب مشكلات عديدة. ونحن مجتمع مدني، ويجب التعاطي معنا على هذه الأسس».
هذه الأسس، وفق فيصل، بإمكانها «أن تفتح الآفاق لحوار لبناني فلسطيني، بوفد فلسطيني موحد، من جميع القوى والفصائل، التي اتبعت سياسة مهمة، بالابتعاد عن الصراعات اللبنانية، بما يمثله ذلك من مصلحة فلسطينية، ومصلحة لبنانية أيضاً. الحوار سيكون المكان الأنسب لترجمة هذه الخطوط التي تم ذكرها سابقاً. الحوار يجب أن يُحكم بالمصلحة للشعبين اللبناني الفلسطيني، والمصلحة يجب أن تتجسد بالوصول إلى خطة سياسية مشتركة من أجل انتزاع حق العودة، ودرء مخاطر التوطين والتهجير، وأن تعالج الملف الاجتماعي والاقتصادي للفلسطينيين، أي رفع سيف الحرمان عن الشعب الفلسطيني، بما يعني حرية العمل في كافة المجالات، وحرية تملك مأوى لحين العودة، والإسراع في إعمار مخيم نهر البارد، ورفع الحالة الأمنية عن المخيمات».
بركة: إطلاق حوار لبناني فلسطيني
|
|
ممثل حركة حماس في لبنان علي بركة أكد أن قضية الفلسطينيين في لبنان «هي قضية سياسية بامتياز، وأن هذه القضية هي ناتجة عن الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وأن الحل العادل هو بعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين. وريثما يعودون، يجب أن يعيشوا في لبنان ضمن ظروف حياتية كريمة كأشقائهم اللبنانيين في ظل الحفاظ على سيادة لبنان، والتمسك بحق العودة، وبناء أفضل العلاقات بين الشعبين اللبناني والفلسطيني».
وشدّد بركة على «أن الفلسطينيين في لبنان ليست لهم أية أطماع في هذا البلد، وهم متمسكون بحق العودة. لكن الفلسطينيين في لبنان، ومع احترامهم لأمن وسيادة لبنان، يطالبون الأشقاء في لبنان، خاصة الحكومة ومجلس النواب، بإقرار الحقوق الإنسانية والاجتماعية والمدنية للاجئين الفلسطينيين كي يحصلوا على حق العودة والتملك، ويصمدوا بوجه مشاريع التوطين والتهجير. |
ونحن نؤكد أن من يريد التوطين هو العدو الصهيوني، وهناك إجماع في لبناني فلسطيني على رفض التوطين، لذلك لا بد أن نعمل معاً، كفلسطينيين ولبنانيين، لبناء استراتيجية مشتركة لدحر هذه المشاريع المعادية، لدعم حق العودة، ولدعم صمود اللاجئين الفلسطينيين، ورفع المعاناة عنهم".
ورحب بركة بالخطوات التي جرت مؤخراً تجاه مخيم نهر البارد، والإفراج عن عدد من معتقلي المخيم، وإلغاء نظام التصاريح بالدخول والخروج من المخيم. واعتبر أن هذه الخطوة تؤدي إلى المسار الصحيح، وتعزز العلاقات بين الشعبين، وتساعد على بناء الثقة بين المخيمات الفلسطينية والجيش اللبناني.
وشدّد بركة على أنه «لا بدّ من إطلاق حوار لبناني فلسطيني يعالج مجمل الوضع الفلسطيني في لبنان من مجمل جوانبه السياسية والأمنية والإنسانية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية. هذه أهم ملامح الحوار اللبناني الفلسطيني. الفلسطينيون في لبنان لهم أولويات، وأولى أولوياتهم هي إعادة إعمار مخيم نهر البارد، وإخلاء المنازل التي ما زال يشغلها الجيش اللبناني في تخوم المخيم، ورفع الحالة العسكرية».
أضاف بركة «من أولويات الفلسطينيين المحافظة على الهوية الفلسطينية، وأمن المخيمات واستقرارها، والسلم الأهلي في لبنان، إذ أننا نعتبر أننا في لبنان في خندق واحد ضد العدو الصهيوني، خاصة أن هذا العدو لن يترك لبنان يستقر، ويحاول أن يحدث فتنة في لبنان، ويحاول أيضاً طمس قضية اللاجئين، لكي يُعفى من مسؤولياته. ويحاول تحويل مشكلة اللاجئين من مشكلة عربية صهيونية إلى مشكلة فلسطينية عربية».
الرفاعي: تحييد الوجود الفلسطيني عن كافة التجاذبات
|
|
ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان أبو عماد الرفاعي اعتبر أن حركته تنطلق في نظرتها إلى ضرورة التأسيس لعلاقة سياسية مع الحكومة اللبنانية، لمعالجة كافة قضايا وإشكالات الوجود الفلسطيني في لبنان، من مسألتين:
«المسألة الأولى أن قضية اللاجئين هي قضية سياسية بامتياز، فشعبنا موجود في لبنان بسبب مشروع صهيوني يمنعه من العودة باستخدام القوة العسكرية، وهو راغب، بل ويؤكد على تمسكه بحق العودة إلى وطنه في كل مناسبة، وبكافة السبل.فهي قضية سياسية بامتياز، لها أبعاد إنسانية وقانونية. ومن هذا المنطلق، تؤكد الحركة دائماً على أن الوجود الفلسطيني في لبنان هو وجود مؤقت وقسري، ناتج عن الاحتلال الصهيوني وليس رغبة فلسطينية داخلية». |
أضاف الرفاعي «المسألة الثانية هي اعتبار أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لإعادة ترميم وتنظيم العلاقة الفلسطينية-اللبنانية في شقها الرسمي، ومعالجة ما شابها من إشكالات في محطات سابقة. يتعاطى الواقع السياسي اللبناني مع قضية شعبنا في لبنان على قاعدتي الإقصاء والاستحواذ؛ الإقصاء من قبل كافة الوزارات التي ينبغي أن تُعنى بالجوانب الاجتماعية والقانونية والسياسية، والاستحواذ من قبل الوزارات التي تُعنى بالجانب الأمني».
ورأى أن «هناك مصلحة مشتركة لبنانية- فلسطينية بضرورة تحييد الوجود الفلسطيني في لبنان عن كافة التجاذبات والتوازنات اللبنانية الداخلية، وذلك يتحقق عبر الحفاظ على الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، وتمكينه من العمل على تحقيق عودته من جهة، وإقرار حقوقه كافة بما لا يحمّل المواطن اللبناني ولا المالية اللبنانية أعباء الوجود الفلسطيني في لبنان، لكن أيضاً بما يحمّل الحكومة اللبنانية مسؤولياتها الإنسانية والاجتماعية تجاه لاجئين مقيمين فوق أراضيها».
واعتبر أن تفعيل الحوار اللبناني- الفلسطيني، ومناقشة كافة القضايا، هو المدخل الطبيعي للتوصل إلى تفاهم وتوافق مشترك، حول كافة القضايا. هذه القضايا التي أجملها الرفاعي على النحو التالي «تمكين اللاجئين الفلسطيني في لبنان من تشكيل مرجعية سياسية. إقرار الحقوق الاجتماعية والمدنية والإنسانية كافة. التسريع في إعادة إعمار مخيم نهر البارد. ضرورة التوصل إلى ترتيبات أمنية حول السلاح الفلسطيني، بما يساهم في بسط سيطرة الدولة اللبنانية وسيادتها على كامل أراضيها، ويحفظ أمن الدولة والمخيمات على حد سواء، وبما لا يتعارض مع حق الفلسطينيين في حماية مخيماتهم، وأخذ هواجسهم والتجارب الماضية بعين الاعتبار. فتح المخيمات على محيطها، وإزالة كل الإجراءات التي تعيق ذلك».
ومن هذه القضايا «حل كافة الإشكالات التي نشأت نتيجة الممارسات والقرارات السابقة، وبالأخص ما يتعلق منها بحرمان اللاجئ الفلسطيني من حقه في العمل والتملك والميراث الشرعي. تمكين الفلسطينيين في لبنان من تأطير أنفسهم وفق الأطر الممكنة، وتوفير الإمكانات المناسبة لتحرير أرضهم، وتحقيق العودة إلى وطنهم. إقامة بنى تحتية قادرة على استيعاب أعداد اللاجئين في المخيمات، وبما يسهل حصولهم على الخدمات الرئيسة من كهرباء وماء وطرقات واتصالات».
المصدر: مجلة فلسطين المسلمة عدد آب 2012