القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

«الكرفانات» تغرق وسكانها يطلبون العودة لـ«مدارس اللجوء»

في بيت حانون ..

«الكرفانات» تغرق وسكانها يطلبون العودة لـ«مدارس اللجوء»


الإثنين، 13 نيسان، 2015

أمطار غزيرة اجتاحت قطاع غزة، يصحبها منخفض جوي نادر، واعداً سكانها بمزيد من المطر والبرد حتى الثلج، هنا في هذا الشريط الساحلي المحاصر، لكن أمطار "الخير" هذه لم تحمل هذه الصفة لآلاف العائلة الفلسطينية التي تهدمت منازلها بفعل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، ما اضطر بعضهم إلى السكن في بيوت للإيجار، ارتفعت أسعارها إزاء ازدياد الطلب وقلة العرض، ومنهم من لم يجد ملاذاً له إلا المباني التعليمية (المدارس)، خاصة تلك التي تتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)؛ علّها تحميهم من ويلات الحرب.

انقضاء الحرب جعل وجود اللاجئين في المدارس مسألة يجب إنهاؤها حتى يتسنى للمسيرة التعليمية أن تواصل المسير، فكان الحل نقل هؤلاء إلى "كرفانات" قدمتها جهات مانحة للسكان، وهو ما كان في عدة تجمعات بقطاع غزة، أحدها كان محط زيارة اليوم في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة؛ لنرصد لكم لقطات من حياة السكان هناك.

مساكن تترنح

دلفنا إلى المكان بحذر، وعلى غير العادة، لم ينتبه السكان إلى الزوار الجدد، همهم الأعظم كان التخلص من كميات الأمطار التي دلفت إلى "الكرفانات" التي يعيشون بها، وتقف على حجارة بناء (بلوك) ترتكز على الرمال.

مياه الأمطار الغزيرة كانت كفيلة بحل العقد بين هذه الحجارة والرمال، فهبطت داخلها، ومنها ما خرج من مكانه حتى اختل توازن "الكرفانات" وساكنيها الذين باغتتهم مياه الأمطار من كل مكان، من الأسقف والمداخل الخارجية، إلى درجة أنهم لم يجدوا مكاناً آمناً يلجؤون إليه، وما زاد الطين بلة أن بعض العائلات حاصرتها المياه داخل "الكرفانات"، ولم تستطع الخروج منها حتى جاء بعض شبان الحي وصنعوا فتحات لتصريف مياه الأمطار في السياج الأسمنتي المحيط بمنطقة "الكرفانات".

منهم من تمكن من تدارك الأمر، ووضع غطاء من النايلون السميك فوق سقف "كرفانه" ليوقف دلف المياه، أما البقية فلم يجدوا بيدهم حيلة سوى رشق ما لديهم من أوان منزلية تحت مزاريب الدلف، وهي خطوة إنقاذ جاءت بعد أن غرقت "الكرفانات" وما فيها من فراش وأغطية بمياه الأمطار.

صباح نيساني بارد وممطر أطل على سكان "الكرفانات" الذين استيقظوا على لسعات الماء البارد تنهش من أجسادهم، تلك المياه التي تسللت إليهم صباحاً قبل أن يستيقظوا من نومهم، ليفيقوا على موج من المطر والوحل لم يحترم عتبات "كرفاناتهم".

«تسونامي غزة»

"فلسطين أون لاين" التقت عددًا من العائلات التي تسكن في هذه "الكرفانات"، ومن بينهم السيدة افتتاح أبو عمشة (أم العبد)، التي قالت عن حالهم: "حاصرتنا المياه وبلغت في مداها حد الركب، لم يبق في المنزل شيء لم يغرق في الماء حتى الطحين".

وتابعت: "فصلنا التيار الكهربائي عن "الكرفانات"؛ خشية أن نموت بسبب صعق كهربائي؛ فهي كما ترون خشبية الصنع، وقد أسهب الماء في تبديدها، انظرا هنا: السقف تدلف منه المياه ولا مكان للجلوس أو حتى للوقوف، الماء حاصرنا وكأنه (تسونامي) جديد هجم علينا".

وناشدت "أم العبد" العالم كله أن ينظر بعين الرأفة والرحمة إلى سكان "الكرفانات"، وقالت: "كنا آمنين في منازلنا حتى هدمها الاحتلال فاضطرنا إلى اللجوء إلى المدارس، ثم نقلنا إلى هنا، دون أن يسأل عنا أحد، ليتنا بقينا هناك، على الأقل لن ينهمر علينا المطر".

هل للمعاق ملاذ؟!

همها كان منصبًّا على ابنتها ميرفت (وهي فتاة في الـ(32) من العمر من ذوي الاحتياجات الخاصة) أم حاتم نصير، وهي كجارتها باغتتها مياه من السقف والباب، ولم تجد مفرًّا لنفسها ولا لابنتها ميرفت التي تعاني من إعاقة كلية تمنعها من الحركة.

عن ابنتها قالت: "عائلتي لديها غرفتان من "الكرفان"، عندما باغتتنا المياه في "الكرفان" الأول نقلت ابنتي بمساعدة أشقائها إلى "الكرفان" الثاني، فوجدته بحال مماثلة من الغرق بمياه الأمطار، وهو ما لن تحتمله ابنتي، ولا زوجي الذي خضع لعملية قلب مفتوح، ولا ابنتي الثانية التي خضعت لعملية صمام للقلب، إلى من نلجأ؟!".

وناشدت المسؤولين والمعنيين أن يمدوا لهم يد العون، وينظروا بعين الرأفة إلى حال المرضى الثلاث في عائلتها، وتوفير ما يمكنهم من العيش فقط، مشيرةً إلى أنها تتمنى العودة إلى المدارس وقالت: "على الأقل لن تباغتنا الأمطار".

أين ننام الليلة؟!

أما عوني أبو عودة (وهو أحد سكان "الكرفانات" في المنطقة نفسها ووالد لأربعة معاقين) فله وجهة نظر أخرى، عنها قال: "فقط لو تؤهل هذه "الكرفانات" بما يجعلها صالحة للسكن، فكما ترين إنها خشبية وغير آمنة".

وتابع: "لا نريد سوى تلبية احتياجات أطفالنا، معاقون أربعة كيف سأتمكن من تدبير أمورهم في "كرفان" يدلف الماء من سقفه، والأرض موحلة، ولا مكان لنا الليلة لننام فيه؛ فكل فراشنا غرق بالماء والوحل".

وختم حديثه بقوله: "هذه "الكرفانات" تحتاج إلى التثبيت جيدًا لا أن تقام على رمل، وأيضاً يجب أن يكون داخلها بلاط حتى تتحمل الضغط أكثر، والسقف بحاجة إلى معالجة؛ فهو غير صالح، ومياه الأمطار هذه كشفت ما به من عيوب".

«كرفانات» الموت تغرق

أما حسام أبو عودة فهو أحد سكان هذه "الكرفانات" ومضيف لعائلة شقيقه، إذ بات ليلته وفي كرفانه يبيت 13 فرداً، استيقظوا جميعًا على إحساس البلل الذي تسببت فيه مياه الأمطار التي دلفت إلى "الكرفان" من السقف والباب.

عن حاله يقول: "استيقظنا في الثامنة صباحاً فوجدنا "الكرفان" غرق بالمياه والوحل، ولم نتمكن من الخروج حتى جاء بعض الشبان وأحدثوا ثغرات لتصريف المياه، التي من شدتها زحزحت "البلوكات" التي يقف عليها "الكرفان"، ما أدى إلى أن يختل توازنه".

ويتابع: "أخرجنا كل أثاث "الكرفان"، وفي الجوار كنت أربي بضع دجاجات نفقن بسبب مياه الأمطار"، مطالباً كل المسؤولين بتحسين وضع ما وصفها بـ"كرفانات الموت"، التي تخلو من وجود سخانات مياه، أو بلاط أو معرشات، وقال: "كله انهار بفعل المطر، ولم يعد صالحاً للسكن، إلى درجة أنني أتمنى العودة إلى حياة المدارس؛ فهناك لن يوقظنا بلل المطر، ولن تنهمر علينا المياه، ولن يتلف أثاثنا ما يمنعنا من النوم الليلة، كيف سنبيت في هذا المكان؟!".

أشرف لنا

مسك الختام كان لقاءنا مع الحاجة شفا الكفارنة (أم تامر)، التي استدعت أبناءها الشبان المتزوجين لمعونتها على وضع "كرفانها" الذي غرق في المياه، ولا يسكن معها سوى ابنتها الشابة، عن وضعهما تقول: "غرقنا ولم أعرف إلى إين أذهب لأنجو بنفسي وابنتي، السقف تدلف منه مياه الأمطار، التي لم تترك لنا مكاناً لنبيت فيه".

وتضيف: "كنا نملك منزلاً مكوناً من أربع طبقات أسكن فيه مع أبنائي المتزوجين، لكن الاحتلال لم يترك لنا هذا المنزل، فهدمه واضطرنا إلى اللجوء إلى المدارس، ويا ليتنا بقينا فيها!؛ فهي كانت أشرف لنا".

وتتابع: "أثاث منزلي كله ذهب هباء مع منزلي المقصوف، ولم يبق لي إلا ما تلقيته من مساعدات من قطع أثاث تمكننا من الحياة، وهي أقل مما نحتاج له بكثير"، مطالبة كل من بيده حيلة _على حد تعبيرها_ أن يساعدهم على العيش بكرامة وأن يسرع عجلة الإعمار، وتختم بقولها: "شقة (باطون) أحسن من مائة (كرفان)".

هل يستمر الحال؟!

عزيزي القارئ، "الكرفانات" كما شاهدناها وأخبرنا سكانها هي غرف خشبية غير مؤهلة للسكن قد كشف المطر عورتها، فهل يستمر الحال على ما هو عليه؟، أم أن ما حصل فيها سيكون أحد الدوافع لتسريع عجلة الإعمار؟، أو على أقل تقدير سيُسهم في إعادة تأهيلها لتعود صالحة للسكن؟، أسئلة عديدة الإجابة عنها لأصحاب القرار.

المصدر: فلسطين أون لاين