اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ضيوف غير مرحّب بهم
إعداد/محمد يوسف
بالرغم من وجودهم في لبنان لأكثر من ستة عقود، ما زال يعيش اللاجئون الفلسطينيون كأنهم دخلاء في هذا البلد، وكأنهم جسم غريب ترفض هذه الأرض اللبنانية انسجامهم مع طبيعتها.
هذه الفكرة يثبتها الواقع الذي يعيشه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على مختلف الصعد، من الوضع الاقتصادي المعيشي انتقالاً للوضع الاجتماعي، ووصولاً إلى الوضع الإنساني العام الذي يحوي هذه المجالات.
الواقع الاقتصادي
في دراسة مفصلة للجامعة الأميركية في بيروت ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تبين أن 56% من الفلسطينيين عاطلون عن العمل.
وتشير الدراسة إلى أن ثلثي الفلسطينيين الذين يعملون في وظائف بسيطة (بائعين متجولين وعمال بناء ومزارعين) هم فقراء، وتضيف أن العمل يؤثر بشكل محدود على التخفيف من الفقر إلا أنه يؤثر بشكل كبير على تخفيف الفقر الشديد.
كما يلاحظ أن أجور غالبية العمال الفلسطينيين متدنية جداً، على اختلاف المهن وأرباب العمل، إذ تكشف أن 42% من العاملين يتقاضون بين 320 و500 دولار، فيما يحصل 47% من العمّال الفلسطينيين على ما هو دون الحدّ الأدنى للأجور.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن نسبة 0.014 في المائة من اليد العاملة الفلسطينية تتمتع بحق العمل بموجب إجازة رسمية، ولا يقتصر الظلم اللاحق بالفلسطينيين في لبنان على الجانب القانوني بل يتعدّى ذلك إلى خلق أجواء رافضة لتشغيل الفلسطينيين باعتبارهم عناصر خارجة على القانون، ويعيشون في بؤر أمنية.
وهكذا، لا يبقى أمام العامل الفلسطيني سوى العمل ضمن وكالة «الأونروا» التي يعمل فيها حوالى عشرة بالمائة من العمال الفلسطينيين، أو العمل في المنظمات الأهلية التي تحتوي على 6% من إجمالي العمال الفلسطينيين، أو الانضمام إلى المؤسسات الفصائلية التي توظف 5% منهم.
إن الاعتبار الأساس الذي يتعامل من خلاله قانون العمل اللبناني مع الفلسطينيين هو مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل، والذي لا يمكن أن ينطبق على العامل الفلسطيني، كونه لا يملك دولة، ولم يراع قانون العمل اللبناني مسألة أن الوجود الفلسطيني في لبنان وجود خاص، وتنطبق عليه القوانين الدولية الخاصة باللاجئين، والتي وقّع عليها لبنان.
وينص قانون العمل اللبناني في عام 1968 على أنه «يُعاقب الذي يستخدم أجنبياً، بعقد عمل، أو إجازة صناعية، من دون موافقة مسبقة، أو إجازة عمل صادرة عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بغرامة عن كل يوم استخدمه فيه»، وأدّى هذا القانون إلى عدم تشغيل المؤسسات والشركات للعمال والموظفين الفلسطينيين لديها.
وعلى رغم صدور مرسوم عام 2005 عن وزير العمل الأسبق طراد حمادة يخفف بعض القيود المفروضة على العمال الفلسطينيين، إلا أن هذا المرسوم لم يحدث تحولاً في واقع العمال الفلسطينيين نظراً لجزئيته، وصدوره كمرسوم من وزير وليس بقانون، مما يُخضعه مستقبلاً لمزاجية أي وزير على رأس وزارة العمل، ومع ذلك فإن هذا المرسوم سلّط الضوء مجدداً على واقع العمال الفلسطينيين في لبنان.
التعليم
في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس عام 2010، أجرت الأونروا و«الجامعة الأميركية» في بيروت دراسة في شأن الأوضاع الصحيّة والظروف المعيشيّة للاجئين الفلسطينيين في المخيمات في لبنان. وشملت الدراسة 2501 أسرة تضمّ 11092 شخصاً. وأظهرت النتائج، أن خمسين في المئة من الشباب الذين تراوح أعمارهم بين ستة عشر عاماً وثمانية عشر عاماً غير ملتحقين بالمدارس، وأن ثلثي المراهقين الذين تجاوزوا الخمسة عشر عاماً لا يتابعون دراستهم الثانويّة، وأن 63% من الأشخاص في سنّ العمل هم عاطلون من العمل، وأن 66.4% من الأفراد يتقاضون أقلّ من ستة دولارات في اليوم.
ومن يتابع تقارير الأونروا الدورية حول التعليم، يلاحظ أن عدد التلاميذ في مدارس الأونروا قد تقلص من حوالي 42 ألف عام 2004 إلى حوالى 35 ألف عام 2009، مع العلم أن ميزانية قطاع التعليم في الأونروا زادت أكثر من 12 مليون دولار أميركي خلال الفترتين.
وفي بداية العام الحالي، نشرت منظمة «ثابت لحق العودة» تقريراً خطيراً حول أوضاع الطلاب الفلسطينيين في لبنان.
وأشارت المنظمة، التي تعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، إلى أن أكثر من 11 ألف طالب فلسطيني من مخيمات اللاجئين في لبنان تسرّبوا من مدارسهم منذ عام 2001 وحتى بداية عام 2012.
وبينت المنظمة أن نسبة التسرب المدرسي في مدارس وكالة الغوث بلغت 18%، وبلغت خلال العشرة أعوام السابقة 11 ألف و663 طالباً وطالبة.
وأكدت «ثابت» على وجود فجوة كبيرة بين ما تقدمه الأونروا من خدمات، وبين احتياجات اللاجئين على المستوى التربوي والصحي والإغاثي والتنموي.
الصحة
تبيّن في دراسة منظمة «ثابت» أيضاً أن ثلث العينة تعاني أمراضاً مزمنة يزيد انتشارها عند الفئات الفقيرة والمتقدّمة في العمر. واستناداً إلى الأرقام، فإن النساء، والمتقدّمين في السنّ، والأفراد الذين لم يكملوا تحصيلهم العلمي، والذين يعانون أمراضاً مزمنة أو شديدة، والذين يعيشون في عائلات كبيرة وفي بيوت تفتقر إلى المقوّمات الأساسيّة، هم أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسيّة.
عند بداية عام 2012، وحسب الموقع الرسمي للأونروا، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حوالى 436,150، كما بلغ عدد المراكز الصحية الأولية 28 مركزاً فقط، وبذلك تكون حصة كل مركز لأكثر من خمسة عشر ألف وخمسمائة لاجئ تقريباً.
وتبقى المشكلة في توزيع العيادات، فعدد اللاجئين المسجلين في مخيم مارالياس مثلاً حوالى 600 لاجئ، وفيه عيادة واحدة لخمسة أيام في الأسبوع، بينما مخيم المية ومية وفيه 4500 لاجئ مسجل، فيه عيادة واحدة لثلاثة أيام في الأسبوع فقط، ومخيم البرج الشمالي وفيه 19500 لاجئ مسجل، فيه عيادة واحدة، وفي مخيمات الرشيدية والبص وبرج البراجنة وشاتيلا في كل منها عيادة واحدة فقط. وعلى الرغم من زيادة حجم النفقات الصحية في العام 2001 الذي وصل إلى حوالى 11 مليون دولار ونصف، ومع بدايات العام 2011 أصبح أكثر من 16 مليون دولار، وارتفاع عدد موظفي الصحة من 532 إلى 649، إلا أن الحاجة لا تزال تتفاقم يوماً بعد يوم.
الواقع الاجتماعي
للاطلاع على الواقع الاجتماعي، نعرض مجموعة من العوامل التي تؤثر مجتمعةً في الحياة الاجتماعية للاجئين، حسب دراسة ميدانية أجرتها المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان «شاهد»، وهذه العوامل هي:
1- المسكن: لا يخلو مخيم فلسطيني من وجود عشرات المنازل غير الصالحة للسكن؛ لكون سقوفها لا تزال من الزنك، أو بسبب وجود تشققات فيها، ما يسبب خطراً على حياة ساكنيها. وتقوم الأونروا حالياً بإعادة بناء مثل هكذا منازل في بعض المخيمات، لكن مشاريع إعادة البناء هذه لا تشمل بقية المخيمات.
كما أن معظم المنازل صغيرة المساحة كثيرة الاكتظاظ، وبسبب بقاء مساحة المخيمات على حالها وتعذر التوسع الأفقي وعدم السماح للفلسطيني بالتملك خارجها، فإن الأبناء يعمدون إلى البناء فوق منازل ذويهم (التوسع العمودي).
2- المقابر: بعض المخيمات لا مقابر فيها، ويضطر اللاجئون فيها إلى دفن موتاهم في مقابر مخيمات أخرى أو في مقابر خارج المخيمات مقابل دفع مبالغ كبيرة .
أما المخيمات الأخرى، فالمقابر فيها لم تعد تتسع لدفن المزيد من الموتى، وكثيراً ما دفن الموتى فوق جثث أقربائهم.
3- البيئة: حاويات النفايات في معظم المخيمات غير كافية، وكثيراً ما تُوضَع بالقرب من بعض المرافق الحساسة. وهذه الحاويات في معظمها مكشوفة ولا ترش بالمبيدات دورياً وتنتشر فيها الحشرات والقوارض.
4- الصرف الصحي: أُنشئت شبكات جديدة للصرف الصحي في معظم المخيمات، وليس فيها مشاكل كبيرة عموماً.
5- مياه الشفة: المياه في معظم المخيمات غير صالحة للشرب بسبب التلوث والملوحة وارتفاع نسبة الكلس فيها، لذلك انتشرت محالّ تكرير المياه، التي شهدت إقبالاً كثيفاً رغم عدم وجود رقابة على الشروط الصحية فيها.
6- الكهرباء: إضافة إلى ما تعانيه شبكة الكهرباء في لبنان من مشاكل لناحية ضعف التغذية ونظام التقنين، فإن المخيمات تضيف إلى تلك المشاكل اهتراء الأسلاك وتشابكها وقيام البعض بتمديد خطوط من أكثر من محول.
7- الطرقات: الطرقات في المخيمات ضيقة وتكثر فيها الحفر والمطبات العشوائية وتقضمها البيوت المجاورة التي بدأت تتوسع على الطرقات بلا حسيب ولا رقيب.
الخلاصة
تظهر مما سبق الحالة المزرية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، والظروف الصعبة التي تحيط بهم من كل جانب.
فكم من الصعب أن يكون الفلسطيني ضيفاً ولكنه يشعر أنه غير مرحب به، وهذا بسبب قوانين التمييز، وتراجع خدمات الأونروا، وهجرة النخب الفلسطينية، وانتقال منظمة التحرير إلى داخل الأراضي المحتلة عام 67.
المصدر: مجلة فلسطين المسلمة عدد آب 2012