اللاجئون الفلسطينيون في ليبيا: الخيام وطن من لا وطن له
الإثنين، 06 شباط، 2012
كان من بين المهاجرين الذين وجدوا أنفسهم عالقين في ليبيا خلال حرب العام الماضي مجموعة من الناس أطلقت عليهم باحثة في جامعة أكسفورد لفظ «اللاجئين غير المرئيين» لأنهم بالرغم من كونهم لاجئين في الأصل إلا أنهم يهاجرون مرة أخرى إلى دول ثالثة للعمل أو للحصول على تعليم أفضل.
ونظراً لوقوعهم بين مطرقة العنف وسندان السياسة والهويات المتداخلة والتعاريف المقيدة، مثل «اللاجئين المهاجرين» أو «الطلاب اللاجئين»، فغالباً ما يتم تجاهلهم ولا يلقون الحماية الكافية، حسب إيلينا فيديان ـ القاسمية، وهي محاضرة في مجال الهجرة القسرية بمركز دراسات اللاجئين في جامعة أكسفورد.
وذكرت في مقال سيتم نشره قريباً في المجلة الدولية لقوانين اللاجئين بعنوان: اللاجئون غير المرئيين أو مناطق اللجوء المتداخلة حماية الصحراويين والفلسطينيين النازحين بسبب الانتفاضة الليبية في 2011:«يتم تسليط الضوء على بعض النازحين بشكل مفرط، بينما يكاد يكون آخرون غير مرئيين أمام المجتمع الدولي».
وكانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين قد أصدرت مؤخراً نسخة مسبقة من بحثها هذا كجزء من سلسلة قضايا جديدة في أبحاث اللاجئين.
وقد سلط الصراع في ليبيا الضوء على الثغرات المحتملة في حماية اللاجئين الفلسطينيين الذين هاجروا إلى بلد ثالث، كما أثار تساؤلات معقدة حول من يجب حمايتهم وكيف يمكن ذلك في حالة الأزمات.
وتشير تقديرات السلطة الفلسطينية إلى وجود نحو 70 الف مهاجر أو لاجئ فلسطيني في ليبيا ـ الخط الفاصل بينهما غير واضح ـ على الرغم من أن بعض التقديرات ترى أن عددهم لم يكن يزيد عن 30 ألفاً، عندما اندلعت أعمال القتال في فبراير/شباط 2011 بين مؤيدي الزعيم الليبي معمر القذافي والمتمردين المسلحين الذين حاولوا الإطاحة.
وأكدت فيديان القاسمية استهداف بعض الفلسطينيين على وجه التحديد من جانبي الصراع معاً ونهب منازلهم واختفاء بعضهم في بنغازي معقل المتمردين وغيرها من المدن، حيث اعتبر المتمردون أن الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في الخدمة المدنية أو يدرسون في الكليات العسكرية قريبين من النظام.
ومن الجدير بالذكر أن استخدام القذافي للمرتزقة الفلسطينيين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي قد ساهم في تأكيد هذا الربط المتصور بين الفلسطينيين ونظام القذافي. وفي الوقت نفسه، تم استهداف الآخرين لأنهم رفضوا الانضمام إلى القوات الموالية للنظام، حسب بعض التقارير الصحفية.
وبينما غادر المهاجرون الأفارقة من دول جنوب الصحراء الكبرى ليبيا بشكل جماعي خلال القتال، وسعت بلدان أخرى جاهدة لإخراج مواطنيها، لم يتمكن مئات الفلسطينيين من الفرار من العنف في ليبيا.
ورفضت السلطات المصرية السماح لهم بعبور الحدود في كثير من الأحيان لأن مصر وتونس و البلدان المضيفة السابقة الأخرى لم تعترف بوثائق السفر الخاصة بهم، كما أوضحت فيديان القاسمية، مضيفة أن العديد من أولئك الذين «اختاروا» البقاء في ليبيا لم يكن لديهم خيار حقيقي في ذلك.
وفي هذا السياق، تساءلت فاطمة، إحدى زعماء الجالية الفلسطينية التي عاشت في ليبيا لمدة 30 عاماً، قائلة «أين كان بوسعنا أن نذهب؟ ليس لدينا مكان نعود إليه»، مضيفة أنه بعد سقوط العاصمة طرابلس، تم طرد العديد من الفلسطينيين بالقوة من منازلهم التي كانت الحكومة السابقة قد منحتهم إياها.
وأشارت أيضاً إلى نزوح مئات آخرين بسبب القتال العنيف في سرت وبني وليد اللتان كانتا من معاقل القذافي، وقدومهم إلى طرابلس حيث ظلوا بلا مأوى.
ومع ذلك، تبقى ليبيا خيارهم الأفضل: «ليس لدينا وطن سوى فلسطين، ولكننا لا نستطيع العودة إلى هناك. وعلى الرغم من الحرب والصعوبات، لا تزال ليبيا أفضل من البلدان الأخرى».
وأضافت فيديان القاسمية أن «مفهوم الاختيار والرغبة في البقاء في مثل هذا السياق غير الآمن ينبع من وقوعهم بين المطرقة والسندان».
وذكرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أنه لم يتم تسجيل سوى بضعة آلاف من الفلسطينيين في فترة ما قبل الحرب في ليبيا كلاجئين بموجب اتفاقية جنيف لعام 1951. وعرضت المفوضية على مئات آخرين وضع «الحماية الإضافية»، حيث اعترفت بكونهم عديمي الجنسية ولا يمكن إرجاعهم، وبحاجة إلى الحماية الإنسانية.
وفي حين جاء العديد للدراسة من خلال برامج المنح الدراسية الليبية، إلا أن الغالبية الساحقة من الفلسطينيين كانوا من المهاجرين أو العمال المهرة الذين جاؤوا من غزة والضفة الغربية أو البلدان الأخرى المضيفة للاجئين الفلسطينيين في المنطقة، مثل سوريا ولبنان والأردن، مع أو بدون عقد أو وضع قانوني. بل إن العديد منهم عاشوا في ليبيا لعدة عقود أو ولدوا فيها.
وفي أثناء الصراع، ساعدت المنظمة الدولية للهجرة في إجلاء 179 فلسطينياً من المدن المشتعلة إلى بنغازي، التي كانت أكثر استقراراً.
وقال المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة، جون فيليب شوزي أن العديد منهم قرر البقاء في ليبيا إما لأن لهم أقارب هناك أو لأنهم وجدوا وظائف أو كانت لديهم الثقة في أن الاقتصاد سيتحسن مرة أخرى بمجرد استقرار الوضع في البلاد.
وأضاف أن بعض الفلسطينيين ذهبوا إلى السلوم، وهي منطقة على الحدود الليبية المصرية، في انتظار إعادة توطينهم.
من جهتها، ساعدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين 1.581 فلسطينياً تقطعت بهم السبل في منطقة السلوم على السفر إلى غزة عبر معبر رفح الحدودي، حسب نائبة الممثل الإقليمي للمفوضية في مصر، إليزابيث تان، التي أضافت أن من كانوا يملكون وثائق سفر صالحة فقد تمكنوا من عبور الحدود.
وقال مسؤول إنساني آخر أن دخول مصر كان لا يزال صعباً حتى بالنسبة لأولئك الفلسطينيين الذين كانوا يحملون وثائق الهوية بسبب السياسات طويلة الأمد التي تفرض قيوداً على تنقل الفلسطينيين.
كما واجه الفلسطينيون الذين حاولوا مغادرة ليبيا عن طريق تونس تعقيدات أيضاً، على الرغم من أنها غالباً ما كانت تُحل بمجرد إخطار المفوضية بها، حسب المسؤول. كما أشار إمانويل جينياك، ممثل المفوضية الحالي في ليبيا، إلى أن أكثر من 12 من هؤلاء الفلسطينيين الذين نجحوا في عبور الحدود التونسية يعيشون حالياً في مخيم شوشة على الجانب التونسي من الحدود.
وحسب فيديان القاسمية ،«يبدو أن الخيارات والحلول الدائمة المحتملة المتاحة للفلسطينيين في ليبيا وبقية المنطقة محدودة على أقل تقدير»، وذلك للأسباب التالية:
وترى فيديان القاسمية أن الفلسطينيين يعانون من تداخل مناطق اللجوء، فهم كانوا لاجئون في بداية الأمر، لأنهم فروا أو طُردوا من أرضهم بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، أو بسبب الحرب التي تلت ذلك في عام 1967، واستقروا في غزة أو الضفة الغربية أو سوريا أو الأردن أو لبنان، قبل أن يتوجهوا إلى ليبيا في نهاية المطاف، ولكن لا يعتبر معظم الفلسطينيين الموجودين في ليبيا لاجئين هناك، سواء لأنهم جاؤوا كعمال مهرة، أو لأن الحكومة الليبية رحبت بهم تاريخياً كإخوة واعتبرتهم «مواطنين عرب مقيمين في ليبيا» وليس لاجئين.
لذا فإنهم وجدوا أنفسهم في موقف صعب عندما اندلع الصراع في عام 2011، فلم يتمكنوا من العودة إلى بلدهم الأصلي (فلسطين) ولا إلى بلد إقامتهم الاعتيادية (لبنان، على سبيل المثال) للفرار من العنف وانعدام الأمن في ليبيا.
وحتى الآن لم يتم تسجيلهم كلاجئين داخل ليبيا أيضاً.
وقالت فيديان القاسمية: «إن وجودهم الطوعي هناك يعقد التصورات المعتادة عن مناطق اللجوء».
وأضافت أنه حتى لو كانت الغالبية العظمى من الفلسطينيين في ليبيا لم تتقدم بطلبات للجوء، فإن الكثير منهم لاجئون بحكم الأمر الواقع لأن معايير وتعريف اللاجئين تنطبق عليهم، وبالتالي، ينبغي أن يعتبروا «لاجئين عالقين داخلياً» أو «لاجئين نازحين داخلياً» في ليبيا، وإذا تمكنوا من الخروج، سيصبحون «مزدوجي اللجوء».
كما ترى أن النموذج الأكثر ملائمة يتمثل في إعطائهم صفات لجوء متداخلة ومتعددة، حيث لا يعاني اللاجئون الذين يستخدمون وكالتهم الراعية (مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أو الـ(أونروا)) للعثور على وظائف أو تحسين التعليم من خطر فقدان وضع اللاجئين والحماية الدولية التي تلازمه. ولكن المفوضية تقول أن هذا التمييز ليس له أهمية عملية تذكر.
فسوف يتلقى الفلسطينيون غير المسجلين كلاجئين في ليبيا مساعدة من المفوضية إذا كانوا في حاجة إليها، كما أفاد عرفات جمال، نائب ممثل المفوضية في الأردن، الذي قاد فريق الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في ليبيا خلال القتال.
من جانبه، قال جينياك أن «الفلسطينيين ما زالوا لاجئين، سواء كانوا يأتون إلى هنا لأسباب اقتصادية أو عدمه. إن الشخص لا يخسر «الوضع الخاص باللاجئين» إلا في اليوم الذي يعود فيه إلى وطنه إلى الأبد أو يتم إدماجه ويحصل على جنسية بلد آخر».
وغالباً ما يستخدم الفلسطينيون في ليبيا كبيادق سياسية، حيث هدد القذافي بطردهم، أو قام بالفعل بطرد الآلاف منهم على مدى سنوات، كوسيلة للاحتجاج على مبادرات السلام التي اختلف معها، ولفت الانتباه إلى عدم قدرة الفلسطينيين على العودة إلى وطنهم. ففي عام 1995، قام باقتياد العديد من الفلسطينيين قسراً إلى الحدود، وظلوا عالقين في مخيم أسماه «مخيم العودة» لتوضيح وجهة نظره.
وكان القذافي«يشن حملاته لزيادة فرص مجموعة ما في التنقل، ثم يطردهم عندما يكون ذلك في مصلحته»، حسب إيمانويلا باوليتي، الباحثة في مجال الهجرة في ليبيا ومؤلفة كتاب هجرة السلطة، وعدم المساواة بين الشمال والجنوب: حالة إيطاليا وليبيا.
كانت سياسة القذافي في تجنيد المهاجرين، بمن فيهم الفلسطينيين، تعني أن وضعهم ظل غير قانوني في كثير من الأحيان. ويدخل الفلسطينيون تحت ولايات قانونية مختلفة اعتماداً على تصنيفهم، من بينها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والـ(أونروا) والمنظمة الدولية للهجرة والحكومات المضيفة، ومنظمة التحرير الفلسطينية (الممثل الشرعي المعترف به للشعب الفلسطيني) أو لا شيء على الإطلاق، مما يجعلهم في بعض الأحيان يفتقرون إلى نوع من أنواع الضمان. وهو ما جعل فاطمة، الفلسطينية المقيمة في ليبيا، تتساءل قائلة «من الذي سيعطيني حقوقي؟».
وتتساءل فيديان القاسمية عن «أين يمكن أو ينبغي أن يتم إجلاء اللاجئين الفلسطينيين بأمان، وبمساعدة من؟. هذه مسألة معقدة. هل يمكن للمجتمع الدولي أن يتوقع أو يسمح بشكل مسؤول للفلسطينيين بالعودة إلى غزة، أو مخيمات اللاجئين في لبنان».
وعلى الرغم من تعرض الفلسطينيين في مختلف أنحاء المنطقة للمخاطر، فقد قاومت الدول العربية حلول التوطين الدائم خارج منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من الخوف من تعرض حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه الأصلي للخطر، وبالتالي وضعت الهدف الجماعي، وهو العودة إلى الوطن، فوق المصلحة الفردية المتمثلة في السلامة الشخصية.
ولكن يبقى خيار إعادة التوطين قائماً، وفقاً لممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في ليبيا جينياك، وإن كان يعتبر مسألة حساسة.
فقد أعيد توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق، الذين حاولوا الفرار من العنف هناك بعد الغزو الأمريكي في عام 2003 ومنعوا من عبور الحدود الأردنية، في البرازيل في نهاية المطاف، بعد أن تقطعت بهم السبل في مخيم الرويشد على الحدود لسنوات طويلة.
وأكد جينياك أنه «لا توجد فجوة حماية من الناحية الفنية. إذا كنت فلسطينياً في ليبيا، فإنك تتبع المفوضية. لا ينبغي أن تكون هذه مشكلة من ناحية نطاق السلطة أو من الناحية القانونية. ولكن من الناحية العملية، ونظراً لكون الفلسطينيين مسيسين ومحاطين بكل هذه الحساسيات، وإذا ما طبقنا ولايتنا التي تشمل حلولاً «معينة»، فسوف تحدث بعض المشاكل.
وهم ليسوا دائماً مرغوبين. لقد استوعب الفلسطينيون أنفسهم هذه الفكرة، وهم يشعرون بالذنب تجاه الاندماج في البلدان الأخرى لأنهم يشعرون بأنهم يفقدون حق العودة. وبأنهم يخونون القضية بطريقة ما».
أما فيما يتعلق بالمفوضية، فإن اللاجئ لا يفقد حقه في العودة إلى وطنه أبداً، حتى لو حصل على جنسية بلد آخر.
ومع ذلك، قالت فيديان القاسمية أن التجربة الليبية أظهرت أن النظرية قد تختلف عن الممارسة، مما يثير الكثير من التساؤلات حول الخيارات الحقيقية المتاحة للمهاجرين اللاجئين الفلسطينيين.
وأضافت «إننا بحاجة لأخذ احتياجات الحماية على محمل الجد، وهذا يتطلب العديد من المشاورات حول الفجوات والحلول».
المصدر: فلسطين أون لاين