اللاجئ الشاب
.. معركة جانبية ضد تجهيل «حق العودة»
السبيل – محمود
خيري
لم تنتعش ذاكرة
اللاجئين الفلسطينيين بحق العودة وإمكانتها وقرب تحقيقها، كما انتعشت في ظل الربيع
العربي.
لم يكد يظهر
منذ سنوات عديدة حراك رسمي فلسطيني يتعلق بحق العودة منذ أكثر من عقدين، كما ظهر
في حراك أول عامين الربيع العربي، وإن كانت الآمال عليه بدت أكثر من المتاح على
الأرض، لكنه على الأقل كان حراكا جديدا غير الذي اعتاد عليه اللاجئ الفلسطيني منذ
أن خطف من بين يديه حقه في المشاركة في النضال بعودته وتحرير أرضه".
منذ ستة عقود
لم يستبشر اللاجئون الفلسطينيون في عودتهم وقربها كما استبشروا في حقبة الربيع
العربي.
لقد تحول الأمل
أقرب الى الحقيقة بعد أن بدأ الربيع العربي يضغط لكسر الجمود العربي والإسلامي
والدولي تجاه لقضية الفلسطينية وقضيتها المركزية.
لكن وما أن
بدأت مسارات الثورات العربية تنحى باتجاهات انشغل فيها كل شعب بشوكه حتى استغل
الكيان الصهيوني هذه الحالة لتنفيذ خططه؛ سواء بمحاولة تسريع عجلة المفاوضات بما
يخدم مصالحه هو، فإذا ما استعصت عليه توقف عن المفاوضات لصالح تنفيذ مخططاته تجاه
الضفة الغربية برمتها، وليس المدينة المقدسة وحسب.
لقد اجتاحت
ثورات الربيع العربي دولاً إقليمية لها وزنها في الصراع العربي الصهيوني وعلى
رأسها مصر، مما زاد من يقين اللحظة التي سيشرق فيها صباح العودة.
حينها شعر
الكثيرون أن العودة ليست حقا وحسب بل هي فعل، فشروع شباب من دون متاع بحمل رمزية
عودة آبائهم وأجدادهم الى أقرب نقطة للحدود مع فلسطين المحتلة، بل وبدأ في حينه
نقاش داخل المجتمع الصهيوني في محاولة للإجابة على السؤال التالي: ماذا نفعل لو
تقدم العرب نحونا مشيا على الأقدام ودخلوا الحدود من دون أي قطعة سلاح؟
تؤكد تجارب
الفلسطينيين جيلا بعد جيل أنّ التمسك بالمقاومة هو الخيار الاستراتجي للأمة حتى
تحقيق النصر والتمكين من انجاز الحقوق والمحافظة على الثوابت الوطنية للشعب
الفلسطيني على كامل أرضة التاريخية، رغما عن أن تحالف الأعداء في الداخل والخارج
يهدف شطب فلسطين من الخارطة السياسية للمنطقة واستبدالها بكيان مدعوم من العرب قبل
الغرب.
لكن ماذا عن
سياسة فرض الأمر الواقع التي يستخدمها الكيان الصهيوني في تغيير وجه الأرض،
بالتهجير وقرارات الترحيل والهدم؟ بالنسبة الى مصائر الشعوب لا شيء يمكن ان يقف
أمام شعب يريد أن يغير واقعه. لكن هل على اللاجئ الجلوس في منزله في انتظار قدوم
لحظة النصر؟
أمام حالة
الضعف والانقسام الكبير الذي تمر بها الأمة العربية ومعاهدات السلام والاتفاقات
الدولية، سيكون على اللاجئين الفلسطينيين توارث الأجيال موروث فلسطينهم جيلا بعد
جيل، رغم ما يراد للجيل الجديد ان يكون عليه من ضعف، وجهل، وانغماس في كل شيء عدا
قضيته فلسطين.
رغم كل
المعيقات والسلبيات إلا أن قضية العودة تشكل النبض الحي لملايين الفلسطينيين
الحالمين بالعودة لأرضهم ووطنهم فلسطين.
مصطلح غامض بين
جيل الشاب
"السبيل"
حاورت عددا من الشباب حول النكبة في ذكرها السادسة والستين، إلا أن الإجابات لم
ترق الى الحد الذي يمكن ان يفخر به كثير منا. نحن لا نتحدث هنا عن إجاباتهم حول حق
العودة، بل في تفاصيل هذا الحق.
لقد جهل البعض
معنى حق العودة وماذا تعنيه القرارات الدولية التي تحدثت عنه، والتمسك به.
وهو ما جعل
السؤال التالي ملحا: من هي الجهة المسؤولة عن تغييب الموروث المعرفي للأجيال عن
قضية الإسلام المركزية، قضية فلسطين؟
مصطلح ملتبس
رغم مرور ستة
عقود على مأساة اللاجئين الفلسطينيين، إلا أن مصطلح حق العودة ما زال ملتبسا حتى
على بعض الفلسطينيين أنفسهم، وذلك بعد نجاح الآلة الإعلامية العالمية تلك التي
تسيطر عليها الإسرائيليون في إشاعة ثقافة ومعلومات مغلوطة حول هذا الملف.
ويمس حق العودة
شخصيا حقوق أكثر من 70 % من أبناء الشعب الفلسطيني.
قد لا يخطر على
بال الكثير من العرب وبعض الفلسطينيين أن هناك أكثر من 300 ألف لاجئ فلسطيني داخل
الخط الأخضر ممنوعين من العودة إلى قراهم وبيوتهم، أي لاجئين فلسطينيين داخل
"إسرائيل".
وتختلف المعركة
القانونية لملف حق اللاجئين في العودة عن معركة الاعتراف بوجود أو عدم وجود الكيان
الصهيوني على أرض فلسطين، رغم كونهما في سلة واحدة تدعى القضية الفلسطينية.
وسواء وقعت كارثة
الاعتراف بدولة الاحتلال أم لم يعترف بها، فإن حق العودة للاجئين شأن فردي يتعلق
بكل لاجئ منفردا لا تستطيع أي من الجهات الرسمية أو غير الرسمية التحدث باسم
اللاجئين عنه كونه حقا شخصيا وفرديا صرفا.
بمعنى لو أراد
فلسطيني مثلا التخلي عن حقه في العودة إلى ديار أجداده، فإن قراره هذا لا ينسحب
على قرار أشقائه أو أبنائه الموجودين اليوم.
ما يعانيه
الخطاب الفلسطيني في هذا الشأن تشتت الخطاب الوطني الفلسطيني والعربي والإسلامي
بالإصرار على حق العودة الفردية والجماعية من دون هوادة، ومقاومة كل الضغوط لمنع
انهيار أي طرف أمام الترغيب أو الترهيب، واعتبار الدفاع عن حق العودة مهمة عربية
وإسلامية، ينبغي أن تلعب فيها جامعة الدول العربية والقوى العربية والإسلامية
ومنظمة المؤتمر الإسلامي دوراً بارزاً.
وبينما تحاول
"اسرائيل" إشاعة حل "التعويض" بدلا من "العودة"
ومطالبة العرب والدول الاوروبية بدفع التعويضات، يشير أبو عثمان إلى أن قرارا صدر
عن الجمعية العامة في تاريخ 11/12/1948 تحت رقم 194 يفرض الأمرين:
"العودة" أولا والتعويض عن الممتلكات والمعاناة ثانيا.
ينص القرار
الأممي على "وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة
إلى بيوتهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون
عدم العودة إلى بيوتهم، وعن كل مفقود أو مصاب بضرر".
كما نص القرار
على إقامة لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة تكون مهمتها "تسهيل إعادة اللاجئين
إلى وطنهم وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي وكذلك دفع
التعويضات لهم". ولكن "إسرائيل" لم تنفذ القرار.
هذا ما يقصده
المختصون عندما ينبهون بأن "العودة" حق قانوني في الدرجة الأولى، تدعمه
القوانين الدولية العامة والاتفاقيات الدولية والإقليمية، وقرارات الأمم المتحدة.
وتدعو النخب
الفلسطينية الخطاب الفلسطيني والعربي الى التأكيد أن الحل الوحيد لقضية اللاجئين
هو بالعودة، مع رفض جميع البدائل الأخرى المتعلقة بالتعويض والتوطين.
وهذا يعني أن
على الدول العربية التي تستضيف اللاجئين دورا التشديد إلى عدم الموافقة على أي
نصوص تنتقص من هذا الحق المطلق، مشيرا إلى انعدام الخطط الموحدة للضغط على
"اسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية بشان قرار الأمم المتحدة القاضي
بحق عودة اللاجئين، فيما الجهود المبذولة تبقى مشتتة تقودها مؤسسات فلسطينية سواء
في الضفة الغربية وغزة او الشتات.
ولولا إصرار
اللاجئ الفلسطيني على الإبقاء على حقه حيا لضاع هذا الحق بين ثنايا الضعف العربي.
وبينما حمل
اللاجئ منذ 1948م النضال الفلسطيني، اعتمدت السياسة الرسمية الفلسطينية منذ عام
1993م موعد توقيع أوسلو على متغيرات جوهرية في بنية العمل النضالي، بحيث دفع ذلك
لتحييد اللاجئ عن العمل النضالي، في معظم ساحات اللجوء وخاصة الاردنية حتى حدوده
الدنيا.
لقد بقي خطاب
الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، ملتزماً بهذا الحق رغم التحولات الاستراتيجية
في التفكير الرسمي الفلسطيني، إلا أن العمل على الأرض تركّز بعد أوسلو على النازح
أكثر من اللاجئ. فيما ما زالت مواقف بعض التنظيمات والحركات السياسية الفلسطينية
تحمل في سلتها أوراقا خطابية تنظيرية تؤكد حق العودة، رغم ضعف العمل لصالح الحق.
في النهاية يجب
الإشارة إلى ان تشكيل الفلسطينين للجان الدفاع عن حق العودة في الشتات يعد الأبرز
بعد عام 2000م. ولكن هذا لا يكفي، ولا بد من المضي في تحقيق أهداف حركة النضال
لإفشال المشاريع الهادفة إلى إسقاط قضية اللاجئين وتطبيق حق العودة، والإبقاء على
الموضوع حيا، ومقاومة محاولات النيل منه، بكافة الطرق وعلى رأسها الوسائل
القانونية.