اللجوء المضاعف: مصطلح جديد يصطبغ به اللاجئ الفلسطيني
بيروت/ محمد يوسف
لدى دراسة الظواهر الديمغرافية لأي بلد، يلاحَظ أن مفاهيم عديدة تتعلق بانتقال الأفراد والجماعات من منطقة إلى أخرى أو من بلد إلى آخر، مثل «النزوح» و«الهجرة الداخلية» و«الهجرة الخارجية» و«اللجوء»، وجميع هذه الألفاظ تشترك في كونها دالّة على حراك سكاني معيّن، لكن ما يميز مصطلح اللجوء عن سائر المفردات أن هذا الحراك يكون بغير سابق تخطيط وأنه يأتي قسراً وإجباراً.
وإذا أسقطنا هذه المصطلحات والمفاهيم على واقع الشعب الفلسطيني، وجدنا أنه يجب استحداث مفهوم جديد يعبّر عن الواقع المعاش والحراك "الجديد من نوعه" الذي يظهره الشعب الفلسطيني. وعلى هذا المصطلح أن يتضمن معنى لجوء جماعة معينة أو أفراد أكثر من مرة ولأكثر من بلد. وهذا ما حصل بالضبط مع الشعب الفلسطيني خصوصاً خلال الأحداث الحالية التي تجري في سوريا.
فبعد أن كنا نسمع عن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، نسمع الآن عن اللاجئين الفلسطينيين السوريين في لبنان!
تأثير نفسي!
هذه الظاهرة، التي تشكل أنموذجاً جديداً للحراك السكاني، تزيد الحالة النفسية التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني في كل مكان صعوبة وتعقيداً. فهو بالرغم من أنه لاجئ منذ أكثر من ستين عاماً، إلا أنه يرى بأنه ما زال عرضةً لعمليات جديدة من التهجير. ولنا في مخيم تل الزعتر، ومخيم نهر البارد في لبنان محطّ نظر وتفكُّر!
الحالة النفسية التي تعتري اللاجئ الفلسطيني، عدا عن سائر اللاجئين، تتضمن شعوراً بالغربة متأصلاً منذ الولادة، إذ أنه أصلاً لم يولد في بلده، وهذا ما يشكّل عنده حالة متناقضة من الخوف من المجهول بالنسبة إليه ومن عدم الاكتراث بما ستؤول إليه الأمور في المستقبل.
ولدى سؤالنا أكثر من لاجئ فلسطيني سوري نازح إلى لبنان عن واقعه، استطعنا فهم جانباً من الحالة النفسية التي يعيشها هؤلاء اللاجئون النازحون.
محمد، البالغ من العمر 20 عاماً، وهو لاجئ فلسطيني سوري من مخيم اليرموك، ترك دراسته للغة العربية في دمشق، وهو الآن يعيش في بيت جدّه في مخيم البداوي شمالي لبنان.
عندما سألناه "أيهما أفضل العيش هنا أم البقاء في سوريا؟" قال: «أنا لا أعرف لماذا أتواجد هنا، لا عمل ولا دراسة، سأعود إلى مخيم اليرموك في أسرع وقت ممكن، لكن السلطات اللبنانية أخبرتني أنه ممنوع العودة قبل ثلاثة أشهر».
وفي جوابه ملمح واضح للحالة النفسية الذي يعيشها هذا الشاب، فهو فضّل العودة إلى سوريا، على الرغم من الأزمة، على أن ييقى هنا بلا دراسة أو عمل.
خطر اجتماعي
وللحالة الاجتماعية السلبية التي تعيشها العائلات الفلسطينية النازحة تجلٍّ واضح، على الرغم من التكافل الاجتماعي السائد بين أهالي المخيمات والنازحين. فكثير من العائلات التي نزحت إلى لبنان لم تنزح بشكل عام، فتنقسم العائلة الكبيرة إلى أشتات بين سوريا ولبنان.
أما العائلات التي تأتي كلياً إلى لبنان، فإنها تواجه مصاعب أخرى، من حيث صعوبة إيجاد مسكن يتسع لكل أفراد العائلة، أو بالنظر إلى الاكتظاظ الذي سينجم عن تجمع عدة عائلات في بيت واحد، ما يؤدي إلى مشاكل بين الأفراد، وعدم تفاهم في كيفية تسيير الأمور، حتى في كيفية تأمين أجار الشقة ولقمة العيش.
فهذه الحاجة فاطمة، أم أحمد، أتت إلى لبنان لتسكن في بيت أمها، لكنها لم تأتِ وحيدة. فقدم معها أولادها المتزوجون وزوجاتهم، وبناتها المتزوجات وأزواجهم، أما «أبو أحمد» فقد فضّل البقاء في سوريا على العيش في ظل هكذا حالة.
الواقع الإنساني
في دراسة ميدانية أعدها فريق عمل مؤسسة «شاهد» لحقوق الإنسان، أحصى فريق العمل 1837 عائلة فلسطينية لجأت من سوريا إلى لبنان حتى الثالث من أيلول/سبتمبر، وقد وصلت الدراسة إلى هذا الرقم من خلال الاطلاع بشكل تفصيلي ويومي على كشوفات اللجان الشعبية والمؤسسات الخيرية، ومن خلال تقديرات الأمن العام اللبناني وكذلك الأونروا، فضلاً عما قام به مندوبو المؤسسة في المخيمات ميدانياً.
وخلصت الدراسة إلى عدة نقاط تلخص الواقع الإنساني العام للنازحين الفلسطينيين:
1- عائلات تتكدس في منازل صغيرة لا تتجاوز مساحتها 60 متراً في غرف صغيرة غير صحية لا تدخلها أشعة الشمس.
2- لا يوجد أماكن للعب الأطفال، لا داخل المنزل ولا في المخيم، فيضطر الأطفال للعب في الأزقة الضيقة.
3- ثمة مخاطر صحية تحيق بالسكان اللاجئين إن لجهة الظروف السكنية غير الصحية، أو لجهة عدم شمولهم بالرعاية الصحية الكاملة التي تقدمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين المسجلين. هذه المخاطر تطال بشكل كبير الأطفال والمرضى الذي يحتاجون إلى علاج وأدوية بشكل متواصل.
4- لا يتمتع اللاجئون بالحماية القانونية اللازمة لغاية الآن، ولا يزال وجود الأشخاص الذين تجاوزت مدة إقامتهم أسبوعين، بنظر القانون اللبناني، غير شرعي. هذا الأمر يجعل اللاجئين أسرى المخيمات وعاجزين عن العمل، مما ينعكس سلباً على العائلات المستضيفة اجتماعياً واقتصادياً.
5- المنظمات الفلسطينية غير الحكومية وجدت نفسها أمام تحدٍ كبير، مما حوّل جل اهتمامها إلى اللاجئين على حساب الفئات المستهدفة لديها أساساً.
6- اضطرار الكثير من العائلات التي لا أقارب أو معارف لديها إلى استئجار منازل وبتكاليف مرتفعة، هذا الأمر دفعها إلى بيع مدخراتها كي تتمكن من تغطية نفقات معيشتها الطارئة.
تعامل الأونروا مع الحدث
قامت الأونروا بإحصاء عدد اللاجئين الفلسطينيين السوريين في لبنان بشكل أولي وجزئي، دون أن يعطي هذا الإحصاء صورة حقيقية وموضوعية عن واقعهم، ودون أن يستتبع ذلك أي تقديمات إن لجهة تأمين مساكن أو توزيع حصص غذائية, وذلك حتى أوائل شهر أيلول/سبتمبر. كما أن الأونروا لم تقدم إلى حينها أية مساعدات مالية للاجئين.
على المستوى التعليمي، سمحت الأونروا السماح للطلاب اللاجئين بالانتظام في مدارس الأونروا في حال استمرار الأزمة في سوريا. كما جرى تأمين الاستشفاء للاجئين في عيادات الأونروا الموجودة في المخيمات أسوة باللاجئين الفلسطينيين في لبنان بما في ذلك المعاينات والدواء ولقاحات الأطفال.
إضافة إلى ذلك، أمّنت الأونروا العلاج للمرضى الذين تستدعي حالتهم الصحية دخول المستشفيات وذلك في مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني بتغطية علاجية بنسبة 100% على ألاّ تتجاوز مبلغ مليون ليرة لبنانية (667$)، وذلك بدعم من الهلال الأحمر القطري.
توزيع اللاجئين الفلسطينيين النازحين إلى لبنان على المخيمات والتجمعات الفلسطينية، حسب دراسة ميدانية أجرتها مؤسسة «شاهد» لحقوق الإنسان في 3/9/2012:
الرقم |
اسم المخيم |
عدد العائلات |
عدد اللاجين |
1 |
المية ومية |
51 |
180 |
2 |
عين الحلوة |
317 |
1275 |
3 |
شاتيلا، صبرا، أرض جلول |
220 |
858 |
4 |
مار الياس |
11 |
47 |
5 |
برج البراجنة |
200 |
790 |
6 |
الجليل |
218 |
768 |
7 |
البداوي |
200 |
700 |
8 |
نهر البارد |
125 |
395 |
9 |
برج الشمالي |
80 |
343 |
10 |
الرشيدية |
33 |
134 |
11 |
البص |
46 |
75 |
12 |
تجمعات الساحل |
76 |
288 |
13 |
وادي الزينة |
160 |
624 |
14 |
تجمعات البقاع الأوسط |
100 |
380 |
المجموع |
|
1837 |
6857 |
المصدر: مجلة «فلسطين المسلمة»، عدد تشرين الأول (أكتوبر) 2012