الله يبعت الخير
الإثنين، 21 تشرينالثاني، 2011
مخيم اليرموك| كان لا يزال نائماً في سريره عندما بدأ المطر يسقط على المخيم للمرة الأولى هذا الشتاء. وبدأ صوت طرق حبات المطر على سقف الغرفة «الزينكو» يقتحم أحلامه، ودفئه، فحاول التشبث بالبطانية والفرشة وحلمه الذي بدأ يختفي، لكن صوت المطر بدا أقرب من سطح الزينكو بطريقة ما. كان له صوت ثان، كأن المطر يسقط في الغرفة! فتح عينيه قليلاً، فتحهما «نص تفتيحة»، فإذا به يرى الماء ينسلّ من مكان ما في السقف. عندها، فتح عينيه جيداً ليكتشف أن الماء يتسرب الى الغرفة من أربعة أماكن مختلفة، وأن التسرب قد بلل السجاد في ارض الغرفة. هكذا، نهض سريعاً ليحضر بعض الأواني كإبريق الشاي والغلاية و «كم طنجرة»، ويضعها تحت قطرات المطر المنسل من السقف. حاول بعدها العودة إلى النوم، لكن هيهات. فصوت انهمار المطر الخارجي و«الداخلي» في الاواني المطبخية، بعث في جسده شعوراً قوياً بالبرد. حاول التغلب عليه، لكن ما هي إلا دقائق حتى اشتد المطر غزارةً وتضاعف الصوت وتضاعفت أماكن الدلف بنحو لم يعد من الممكن «تجاهله»، فقد ابتلت كل محتويات الغرفة (التلفزيون، الكتب والفرش..) انتفض غاضباً من هذا الصباح ، وأزاح البطانية وهبّ ليأخذ بنقل الأغراض الى مكان جاف، وليحضر المزيد من الأواني والخرق والمماسح ليحاصر الماء. في تلك المعمعة تناهى اليه صوت من الخارج يقول فرحاً: «الله يبعت الخير.. كبست»، فردّ منزعجاً «الله يبعث بس مو كلو عندي، يا ريت يبعث شوية عالصومال او السودان»! وبعد قليل صار من الضروري الصعود إلى السطح لمعالجة الموقف، وعندما وصل إلى الأعلى شاهد بعض الأولاد يمرون من الحارة فرحين بالمطر يغنون ويركضون وهو لم يغسل حتى وجهه بعد، لكن ماء السماء البارد تكفل بغسل وجهه وملابسه، حاول أن يبعد الماء لكن دون جدوى. عادة، لا يوجد إلا حل واحد ومجرب بنجاح وهو النايلون «المشمعة»، لكن الأمطار فاجأته هذا العام كما تفعل كل شتاء وتأتي قبل شراء النايلون. هكذا، كان عليه ان يتوجه الى السوق. اشترى النايلون وعاد ليصارع الرياح والأمطار فما إن يثبت طرفاً حتى يطيّر الهواء الطرف الثاني، فيقف وكأنه يثبت شراع مركب في عاصفة بحرية، بعدها ظهر جاره على السطح المقابل يحمل «مشمعته» هو الآخر، يلقي التحية ويسأل عن ثمن المتر من النايلون ليتأكد أنه لم يغش بالسعر تماماً، كما يسأل كل شتاء. وقبل أن ينتهي كان المطر قد توقف وظهرت الشمس خجولة في سماء المخيم. هكذا، وقف فجأة ليرى كم هو رائع منظر المخيم وهو مغتسل بالمطر. نظر إلى زوجته المنهمكة بنشر السجاد المبتل وقال مبتسماً «بس حلو الشتا ما؟»، فحدقت معه وقالت مبتسمة هي الأخرى «كتير حلو..».
المصدر: حسان حسان - الأخبار