المؤسسات العاملة في المخيمات
والتجمعات الفلسطينية في لبنان
اعداد: رضوان عبد الله
سيكون من الصعب جداً التحدث
بالتفاصيل عن المؤسسات العاملة في مخيمات وتجمعات لبنان وذلك لعدة أسباب منها:
• تنوع وتعدد أهداف المؤسسات (خدماتية، تربوية، اجتماعية،
ثقافية، إعاقة، شبابية، نسوية، رياضية، الخ...)
• تنوع وتعدد أسباب وجودها:(سبب مؤقت، سبب سياسي أو ديني
أو اجتماعي، سبب مزمن يهتم على مدى طويل بشريحة معينة من شعبنا).
• انعدام، أو على الأقل، ضعف التنسيق بين تلك المؤسسات
إلا على هامش" تمويلي، تسوُّلي" أو استعراضي إن كان بالتمثيل أمام هيئة دولية
أو مؤتمر دولي أو حتى إجتماع بوجود" خبراء" أو ضيوف أجانب، وما أدراك ما
أجانب.
• ولكن، وبأية حال نستطيع تصنيف تلك المؤسسات حسب رؤيتنا
التي رأيناها على الشكل التالي:
- مؤسسات عاملة وفاعلة وموجودة على واقع الأرض.
- مؤسسات غير عاملة ولا فاعلة رغم وجودها الشكلي، أو كما
يقال الهيكلي الإداري.
- مؤسسات نائمة وتستيقظ حسب الامكانيات والطلب والعرض
أو الهدف والغرض.
وسنحاول أن نتناول هذه الأصناف
الثلاثة رزمةً واحدة ًدون الخوض على انفراد، ودون الدخول بالتسميات، ليس خوفاً من أحد،
بل من أجل الحفاظ على أمانتنا المهنية والصحفية. أما الوثائق فستبقى موجودة لدينا لحين
الطلب من قبل الذين عليهم أن يهتموا بما سنكتبه وبما سيقرؤونه، هذا إن اهتمواّ!!أو
قرأوا !!.
فمنذ ما يزيد عن ربع قرن من
الزمان بدأت تغزو المخيمات والتجمعات الفلسطينية محافل من مؤسسات أو هياكل مؤسسات،
بعد أن كان الاهتمام بالمخيمات وأماكن الوجود الفلسطيني في لبنان فقط من قبل مرجعيتين
لا ثالث لهما إضافةً إلى الدولة المضيفة:
- المرجعية السياسية ألا وهي "م.ت.ف" الممثل
الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني.
- لمرجعية الإنسانية (لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
في الشرق الأدنى) ومن بينها في لبنان، أي الاونروا.
ومع عامل الوقت وتطور الأوضاع
الفلسطينية على كل المستويات بدأ الاهتمام المحلي والعربي والدولي بالواقع الفلسطيني
فبدأ إنشاء وتكوين مؤسسات وإيجاد فروع مؤسسات من الخارج تعنى أو بالأحرى أصبحت تعنى
بالمجتمع الفلسطيني ولا نخفي وجود مؤسسات دولية مهمة لا زالت تنشط على المستوى الفلسطيني
ولها باعٌ طويل في العمل في المخيمات خصوصاً وفي لبنان عموماً، وهي معروفة لدى الجميع
ولا داعي لذكرها، لا مدحاً ولا ذماً، وحتى أن مؤسسات فلسطينية فاعلة تأسست وأخذت دورها
في موقع فلسطيني، ومن ثم أنشأت لها فروعاً أخرى في مواقع فلسطينية متعددة وتنفذ نفس
البرامج في كل فروعها وعملت خلال فترة وجيزة من اجل الاستحصال على علم وخبر، وحصلت
عليه إيذاناً بشرعنة وجودها والحصول على تمويلات كبيرة بنت من الحصول عليها إمبراطوريات
لا مثيل لها في دول عربية مجاورة، واستغلت وجود أكثر من فرصة أمامها لتزيد من برامجها
ولتنوعها وذلك للحصول على تمويلات مالية ضخمة أكبر من أصحاب النفوذ في الجمعيات أو
تستطيع القول أنهم مموِّلين، والأمران سيّان إن أتضح أن النتيجة واحدة وهي عملية استغلال
وجود تلك المؤسسة في المجتمع الفلسطيني للحصول على المال وتدريب العناصر والكادر في
مقابل تنفيذ مشاريع ظاهرها مجتمعي وباطنها يخدم مشروع السلام الذي بُدئَ به أوائل تسعينيات
القرن الماضي تحت شعارات (سوياً نبني السلام، من هنا يبدأ السلام) أو ما شابه مثل ذلك
الكلام!!!.
وحتى أن تلك المؤسسات استفادت
من تكرار الحروب الإسرائيلية على لبنان وعملت على رفع مستواها الإستقطابي بتوسعة شبكة
علاقاتها مع الزوار الذين جاؤوا واجتمعوا ميدانياً مع مدراء ومديرات تلك المؤسسات في
لقاءات جماعية حصلت خلال فترة الحرب، تلتها لقاءات فردية متكررة عزَّزت الثقة وأكملت المشاريع وأنتجت على واقع الأرض" لمسات"
مذهلة من "الإفادة لشعبنا"، فعلى سبيل المثال، مؤسسة ما في مخيمٍ ما تعمل
عقوداً منفردة مع كل مؤسسات المجتمع المحلي
الفلسطيني (الحكومية وغير الحكومية) إن صح التعبير، وبمعاشات شهرية تقدم لما يزيد عن
عشرين موظفاً وموظفة، يقدمون خدمات معينة لما يقارب ألف عائلة على مدى سنتين أو ثلاث
بمعدل لا يتجاوز الخمسين دولاراً أمريكياً فقط لا غير مرة واحدة طوال تلك الفترة للعائلة
الواحدة وسيستفيد من تلك المؤسسة أيضاً مؤسسات المجتمع المحلي الفلسطيني (الذين ينتمون
لأحزاب وفصائل فلسطينية وحتى أولئك الذين لا انتماءات حزبية فلسطينية لهم حسب ما يقولون)،
وكيف تكون استفادتهم ؟ المضحك أن الاستفادة هي أن تلك المؤسسات لا تجتمع إلا إذا دعتها
تلك المؤسسة (( الحنونة)) للاجتماع !! إذ لا هيئة تنسيقية ولا لجان مشتركة تجمعهم سوى
اجتماع للاستعراض ولتبيان النشاطات والنتائج الملموسة والمذهلة...!!..
أما إن أردنا أخذ مثل آخر يتعلق
بمؤسسات (لا حكومية) كما يُقال عنها فإننا نأخذ مثلاً التوظيف الذي تعتمده غالبية المؤسسات
_ القديمة منها والحديثة_ إلا ما ندر، حيث يطلبون الشهادات والخبرات والمهارات و...،
ولكنهم يوظفون ذوي شهادة حيناً وبدون شهادة حيناً آخر ولكن بأقل الخبرات والمهارات
وذلك موثَّق لدينا بالتفصيل، طبعاً لأن الموظف الجديد لا يغلَّبهم.
وإذا أردنا أن نضرب مثلاً ثالثاً
نستطيع أن ننتقد كل المؤسسات الفلسطينية التي تنتمي لفصائلها بأنها في غالبيتها تفتقر
إلى الكادر المتخصص والذي لديه الخبرة والمهارة وفي الكثير من الأحيان تم تهجير الكادر
من تلك المؤسسات، أو تسرَّبه منها وتفتقر إلى:
1. البرامج الحديثة والمتطورة
على الرغم من وجود دعم مالي بوجود رواتب شهرية لكل الكادر (مع قلة تلك الرواتب مقارنةً
مع رواتب المؤسسات الحاصلة على تمويل خارجي) ولكن لا يمنع ذلك تطوير برامجها وكادرها،
لا أن تعتمد على المموِّلين الذين يقدمون الجزرة والعصا معاً، وتلك هي المصيبة الكبرى
التي أصبح كثير من مؤسسات "م.ت.ف" (المؤسسات المدنية) تنتظر مثلاً تدريب
كادرها من خلال مؤسسة أجنبية/ أو على الأقل
مؤسسة بتمويل أجنبي. وهنا نتساءل ألا يوجد مدربون أو خبراء أو ذوو مهارات في
القطاعات المؤسساتية أو النقابية الفلسطينية التي تنتمي إلى فصائل المقاومة الفلسطينية
كافةً؟؟.
والأخطر من كل هذا ما يتعلق
بالاستغلال الحاصل لقطاعين مهمين إضافة إلى قطاع ثالث لا يقل أهمية عن الأولين.أما
القطاع الأول فهو قطاع الشباب، أما الثاني فهو قطاع الشهداء والموتى، وما بينهما من
قطاع ثالث هو قطاع الإعاقة. فالكل يقلّد الكل هذا ما نعرفه وما نلمسه في المؤسسات،
وأي مشروع يصبح بعد فترة قليلة "موضة" من التسرب المدرسي إلى عمل الأطفال
إلى حماية الأطفال إلى التدعيم الدراسي إلى التدريب إلى العمل الشبابي وصولاً إلى القروض
- رغم قلة هذه المؤسسات بسبب حاجتها لرؤوس أموال كبيرة كي تغطي أهدافها وسبب وجودها....
إضافةً إلى التقليد الحاصل فإنَّ
الأخطر هو سرقة القطاعات حيث أصبح هناك ظاهرة السرقة المعنوية، بعد أن سادت كثيراً
السرقة المالية وتعب الكادر. مثلاً ترى أن مجموعة من الناشطين يعلقون لافتة على باب
مخيمٍ ما وذلك لأنهم عملوا " إنجازاً " ما، ولكنه سرقة تعب متطوعين أو يزيد
قاما بإنجاز ذلك العمل وعلى مرأى من الجميع، حتى أن ذينك المتطوعين عمِلا دونما حّبُ
الظهور ولا بالرَّياء، وكان يتدلى فوقهما إكليلٌ من الزهر وضع من قبل هيئة معينة إكراماً
لذلك الموقع، ولكن الاستغلال الدنيء كان ممَّن إدّعوا عمل ذلك الشيء. والمحزن المبكي
حقاً في نهاية مقالتي هذه ما قرأناه على مواقع الكترونية وعلى صفحات بعض الصحف من طاولة/
أو طاولات حوار يديرها "قيَّمون"، ولا نعرف ما صفتهم وما هي قيمتهم على المستوى
المؤسساتي وليس الشخصي، إلا أن المبكي هو وجود أشخاص (المرجعيات) فعلاً على تلك الطاولات
وهنا نتذكر كيف أن طاولة بتمويل أجنبي خارجي تجمع مؤسسات فلسطينية ومنها عريقة في مخيمٍ
ما، يقابله ويوازيه طاولة بتمويل أجنبي خارجي تجمع مرجعيات فلسطينية وكلها عريقة في
مخيم آخر ... ونقول لهؤلاء وأولئك ألم يكن من الممكن أن تهدموا جدار برلين من بينكم
كمؤسسات أو كمرجعيات إلا من خلال مُمَوِّل ... أو إن أردتم سمُّوه مانحاً أجنبياً ؟!
أما العمل الشبابي الذي هدمه
الكثيرون مِمَّن يرفعون اليوم راية العمل مع الشباب وأجهضوا الفكرة في رحمها لأنها
لم تكن تتناسب مع عضلاتهم، أما وقد ذهب مفعول العضلات فقد أعجبتهم الفكرة التي نتمنى
ألا تكون طفرة فقط بل يعملون على تطوير وتنفيذ والاستمرار بمتابعة برامج تلك الفكرة.
أما الإعاقة فكفى بالمعوقين صراخاً حتى نرى ما يعانون حيث أنهم يضيعون بين ضباع المؤسسات
وغياب الاهتمام، وتشهد على ذلك مقاهي لندن والقاهرة وتونس وذلك موضوعُ آخر...
كي لا نُعَّمم السلبية ونأخذ
"الصالح بعزا الطالح" لا نستطيع أن ننكر وجود المؤسسات الخيرية والاجتماعية
والتربوية والتي تقدم خدمات جمَّة لقطاعات الطلاب أو النساء (أرامل- أيتام- حالات اجتماعية-
الخ ..)، إضافةً إلى مؤسسات التكافل الاجتماعي-الاقتصادي أيضاً، لا يسعنا هنا إلا أن
نوجه التحية والتقدير لكل تلك المؤسسات حتى التي تأخذ رسوماً رمزية مقابل خدمات واسعة
تقدم لأي شريحة محتاجة من شرائح شعبنا، منوِّهين بجهوداتهم الكبيرة تجاه شعبنا متمنين
بالوقت ذاته أن تبقى برامجهم ضمن الأجندة الاجتماعية والاقتصادية البحتة كي لا يُغرِقوا
شعبنا بتجاذبات سياسية وأجندات خارجية لا يعلم مداها إلا الله.
ملاحظة برسم المسؤولين فإن إقليم
دارفور بمساحته الشاسعة (أضعاف مساحة لبنان) يعمل به 8 مؤسسات غير حكومية فقط بينما
سُجِّل في مخيم عين الحلوة مثلاً وجود أكثر من 25 مؤسسة ومثل ذلك تقريباً في مخيم البرج
الشمالي وأقل من ذلك بقليل في برج البراجنة والرشيدية والبداوي، ألا يؤشر ذلك لكم الى
شيء؟!..
المصدر: مجلة القدس