المنظمات غير الحكومية العاملة في الوسط الفلسطيني في لبنان
السبت، 16 حزيران، 2012
تتناول الباحثة راغدة عسيران ظاهرة تنامي المنظمات غير الحكومية العاملة في الوسط الفلسطيني في لبنان، في فترة ما بعد عام 2000، ولا سيما بعد حرب تموز / يوليو 2006 وتدمير مخيم نهر البارد في العام 2007.
تقسم عسيران بحثها الى فصلين: تتناول في الفصل الأول منه استعراض لتاريخ وواقع المنظمات غير الحكومية في الوسط الفلسطيني في لبنان، بينما تتناول في الفصل الثاني الأدوار التي تلعبها هذه المنظمات.
جاهدت الباحثة نفسها طويلاً من أجل الالتزام ببحث أكاديمي متقن، إلا أنها اصطدمت بواقع سياسي بامتياز، لم تنفع الأدوات النظرية وحدها في تقديم إجابات شافية له. فوجدت نفسها تسأل: هل باستطاعة هذه "المنظمات غير الحكومية" ملء الفراغ الناتج عن غياب مرجعية فلسطينية موحدة في لبنان تأخذ على عاتقها حل الإشكالات العديدة التي يصطدم بها الواقع المعيشي والسياسي والقانوني للاجئين الفلسطينيين في هذا البلد؟ وهل هناك محاولات لوضعها في الصف الأمامي بعد أن حصلت على شهادة تمثيلها لما يسمى بـ "المجتمع المدني" أو الأهلي من قبل المؤسسات الدولية؟ لا سيما وأنها منذ بضعة سنوات، تقوم بعض هذه الجمعيات بنشاط مطلبي ومساند للحقوق الفلسطينية (advocacy) في الساحة اللبنانية. وما علاقة هذا النمط من النشاط بالتحركات والأنشطة المماثلة في فلسطين المحتلة، في الدول العربية وفي العالم؟ ولماذا هذا الاهتمام الكبير الذي تبديه المنظمات غير الحكومية الأجنبية لحقوق اللاجئين؟
ترى الباحثة أن المشاكل الاجتماعية والصحية والتربوية والتعليمية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في لبنان، في المخيمات والتجمعات السكنية الأخرى، في ظل الوضع السياسي والأمني في لبنان والمنطقة، أثقل وأوسع من أن تستطيع حلها بعض الجمعيات، حتى ولو آمنت برسالتها أشد الايمان. ومما لا شك فيه أن معظم الجمعيات توفر خدمات في المجتمع الفلسطيني، وأن معظم العاملين فيها، فلسطينيين ولبنانيين، يحملون الهمّ الوطني، ويسعون الى النهوض بالمجتمع الفلسطيني وسد ثغرات الأونروا والدولة اللبنانية. غير أن إغراق الجمعيات بالمال "المشروط " (ليس فقط سياسياً بل من ناحية المشاريع المطلوبة من قبل الجهات المانحة) وعدم التنسيق بين الجمعيات الخدماتية، إلا عند اقتسام "المنحة" و"المشاركة في برنامج مموّل"، يقللان من استقلالية القرار الفلسطيني في عملية النهوض هذه. ثم إن وفرة المال لم تساعد على سد أهم الثغرات؛ إذ ما يزال هناك فلسطينيون يموتون على أبواب المستشفيات بسبب قلة المال والعناية، وارتفع عدد الأميين في الوسط الفلسطيني كما ارتفع عدد الأطفال المتسربين من المدارس. ونسبة المتخرجين من مدراس الأونروا أقل من نسبة الذين يتخرجون من هذه المدارس في الضفة الغربية والأردن. وما تزال عائلات تعيش في ظروف قاسية ومأساوية، تتساقط البيوت على روؤسها، إضافة الى معاناة لاجئي مخيم نهر البارد. مما يعني أن جزءاً من المال المتوفر ساهم أكثر في التوظيف داخل المؤسسات وفتح المكاتب وإقامة ورش عمل ومخيمات صيفية ذات توجه سياسي واجتماعي معين (مخيم صيفي للاونروا عام 2011) وربما سفر المندوبين للمشاركة في ندوات عالمية، وطبع الكتيبات المعرِّفة بالجمعيات وبعملها (كما هو الحال بالنسبة الى البعض).
المطالبة بالحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان والتأكيد على حق العودة، وممارسة الحقوق السياسية في دول اللجوء مطالب طبيعية وشرعية. إلا أن حصر هذه المطالب بين أيدي منظمات غير حكومية تعتبر الأمم المتحدة ومواثيقها والحقوق التي أقرتها مرجعية لها، وتعمل على هذا الأساس، يعتبر، في آخر المطاف، مصادرة لهذه القضايا السياسية الحساسة من قبل أقلية تتعامل معها من ناحية قانونية وليست سياسية، وتفصل بينها وبين القضية الأم وهي تحرير فلسطين (الموضوع غائب عن أدبيات الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة).
ولكن يجب الاعتراف بأن غياب العمل السياسي المركز والتثقيف السياسي الواسع في المخيمات والوسط الفلسطيني بشكل عام ساهم الى حد كبير في تصدر هذه المنظمات لطرح هذه القضايا المهمة والمتعلقة بالحياة اليومية.
وتخلص الباحثة راغدة عسيران الى أنه:
في ظل مشاريع التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي، يثير وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الكثير من التساؤلات وأحياناً المخاوف، لدى أوساط دولية ومحلية. كيف سيتم تناول ومعالجة هذه المسألة من قبل الدوائر الدولية دون تنفيذ عودتهم الى فلسطين ودون "توطينهم" في لبنان؟ وبانتظار حدوث خلل في موازين القوى العالمية والإقليمية، يمكّن من ترجيح أحد الخيارين أو خيارات أخرى، توجهت الأنظار والجهود الدولية الى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ التسعينيات وخاصة بعد العام 2000، للمساهمة في شق طريق المستقبل، من خلال المنظمات غير الحكومية الأجنبية أو المحلية الممولة من جهات دولية.
- تعمل اليوم حوالي مئة جمعية فلسطينية مسجلة لدى وزارة الداخلية اللبنانية وحوالي (60) منظمة غير حكومية أجنبية في المخيمات والتجمعات السكنية الفلسطينية في لبنان.
- توفر الجمعيات الفلسطينية (الممولة بأغلبيتها من قبل جهات أجنبية، حكومية وغير حكومية) خدمات للاجئين، معظمها تربوية، طبية وتدريب مهني، في حين تقوم الجمعيات الأجنبية بالعمل عبر الجمعيات المحلية (تمويل)، أو في مجالات محددة أو الإسعافات والطوارئ.
- منذ عام 2000، تتجه الجمعيات المحلية، بتشجيع من المنظمات والدوائر الأجنبية، الى تبني برامج أقل كلفة وأكثر تأثيراً، تتعلق بمناصرة والدفاع عن الحقوق الفردية (المرأة، الطفل والانسان)، وفي الوقت ذاته، برزت الحملات التي تقوم بها جمعيات محلية لمناصرة والدفاع عن الحقوق الجماعية للاجئين الفلسطينيين (حق العودة والحقوق المدنية والاقتصادية)، مما يعني تراجع المشاريع الخدماتية وتكثيف الدورات والورش (حقوق وتوعية).
- أدى التمويل الأجنبي للجمعيات المحلية الى الاعتماد أكثر فأكثر على التمويل الخارجي للقيام بأي نشاط، حتى ولو كان ترفيهياً، والى تبني المشاريع التي حددتها الجهات الأجنبية، من حيث نوعيتها أو مدتها، التي أصبحت قصيرة (3 سنوات أقصى حد).
- ساهم تدفق المال الأجنبي الغربي في توظيف القلة من بين اللاجئين الفلسطينيين، الذين يشكلون مجتمعاً مغلقاً نوعاً ما، وأدى الى بلورة نخبة جديدة، من بين هؤلاء الكوادر والعاملين في تلك الجمعيات، وإحداث تراتبية جديدة بينها وتهميش الجمعيات "التقليدية" على أساس لغتها المهنية، والحقوقية والمحايدة سياسياً (تبني خطاب الأمم المتحدة الحقوقي) واستبعاد الجمعيات ذات التوجه الإسلامي.
- تشكل هذه النخبة نواة ما يسمى المجتمع المدني الفلسطيني في لبنان، على الأقل، هكذا تعرف هذه النخبة عن نفسها، أمام السلطات المحلية اللبنانية والمجتمع الدولي الممثل في لبنان بالسفارات أو هيئات الأمم المتحدة (اونروا، يونسكو)، أو المنظمات غير الحكومية.
- أصبحت هذه النخبة تشارك، بتشجيع وتمويل من قبل الجهات الآجنبية، في اللقاءات الحوارية الفلسطينية – اللبنانية، الى جانب الجهات الرسمية.
- من بين الجهات والمنظمات غير الحكومية الأجنبية، يبرز دور "المساعدات الشعبية النروجية" التي تخلت عن دورها الخدماتي لصالح دور المناصرة والدفاع عن الحقوق، الفردية والجماعية، والتي تموّل العديد من الجمعيات المحلية والمبادرات السياسية، منها آخر مبادرة شبابية حول "حق تمثيل اللاجئين" في شباط 2012، و"المساعدات الشعبية" مموّلة بشكل أساسي من قبل وزارة الخارجية النروجية.
- بانتظار أي حل للاجئين الفلسطينيين في لبنان، تحاول الدوائر الأجنبية الغربية إعادة صياغة المفاهيم والوعي الفلسطيني، بالتركيز على وجوب اعتماد لغة القانون الذي تبنته الأمم المتحدة لحل الصراعات، بدلاً من الاعتماد على النفس وعلى الحق في إنهاء الاحتلال وتحرير الأرض والعودة الى البلاد.
- يلاحظ أن معظم الذين يديرون عمل هذه الجمعيات هم من رموز وكوادر اليسار الفلسطيني سابقاً، الأمر الذي يحمل دلالات هامة ينبغي التنبه لها.
المصدر: راغدة عسيران - القدس للأنباء