القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

تقارير إخبارية

النبش في القمامة.. مهنة جديدة لفقراء غزة

النبش في القمامة.. مهنة جديدة لفقراء غزة

/cms/assets/Gallery/1413/gffsss.jpg

الجمعة، 20 حزيران، 2014

لم يجد أمامه سوى النبش في القمامة للبحث عن قوت لطفليه، فتخصصه الجامعية في الصحافة والاعلام، وخبرته في الكتابة والإخراج التلفزيوني، لم تشفعا له ليجد عملا يوازي قيمة تلك الخبرة والشهادة التي يمتلك.

عثرنا على خليل عبدالله – اسم مستعار- 32 عاما، من مدينة غزة، يبحث في إحدى حاويات القمامة عما قد يسد جوع عائلته المكونة من أربعة أفراد، فالبحث فيها لا يقتصر على قطع البلاستيك والالمنيوم التي ينقلها عبر عربته التي يجرها حمار، بل قد يصل إلى بعض الأطعمة التي تصلح من وجهة نظره للأكل.

عبدالله الذي تخرّج من جامعة الأقصى في غزة قبل ثماني سنوات، قال لـ "المونيتور" إنه عمل مع الكثير من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية، غير أن الحال وصل به بعد انتهاء فترة عمله المؤقتة مع تلك المؤسسات إلى العمل بمهنة النبش في القمامة حيث يبحث عن مواد لبيعها. وإذ ازداد وضعه سوءاً، باتيبحث عن أطعمة لم يتمكّن من توفيرها بما يملك من مال.

وأضاف، "لم أجد فرصة عمل أخرى رغم بحثي المستمر، فهذه المهنة لا تحتاج إلى رأس مال، أو وساطة".

وتابع عبدالله،الحكومة تعرف أوضاعنا إلا أنها لا تحرّك ساكناً، وما أجنيه شهريا من هذه المهنة لا يتعدى 300 شيقل – 86 دولار".

لم يكن عبدالله على علم بأن شهادته الجامعية وخبراته لن تكون ذات منفعة بعد انتشار البطالة وتصنيفه كواحد من العاطلين عن العمل، إذ قال واصفاً النبش في القمامة بالمهنة :"أعمل منذ نحو ست سنوات في هذه المهنة لعلها تقيني وأبنائي الفقر والجوع، فأنا لم أمتهنها إلا بعد فقداني للأمل، وما أراه اليوم هو أن الكثير ممن هم في مثل وضعي المادي يعملون في المجال عينه. وتعرّفت على الكثير منهم وأصبحنا أصدقاء".

في زوايا أخرى من حاوية القمامة الواقعة في منطقة تل الهوى الراقية، رأينا العديد ممن يمتهنون مهنة النبش في القمامة، فالفقر والحاجة دفعاهم إلى أن يتلمّسوا طريق رزقهم في الحاويات، لعل بعضاً من السكان ترك لهم ما يستفيدوا منه.

تضع فتاة في العشرينيات من عمرها تقريبا، ومعها شقيقها، بعض الخضار على عربتهما التي يجرها حمار. حين سألها "المونيتور" عن مصدر الخضار بعد رؤيتهما ينتشلاها من الحاوية، قالت بعد تردد: "من الحاوية، وجدناها إلى جانبها، وهي تصلح للأكل"، واضتاً بتلك الكلمات حداً لحديثها معنا.

لا تخلو تلك الحاويات من آباء اصطحبوا أبناءهم معهم طلبا للرزق، إذ يعمل أمجد صبحي –اسم مستعار، يومياً حتى ساعات ما بعد الظهر ليكسب بضعة شواقل، قائلا: "أصطحب معي طفلاي خلال إجازة المدرسة السنوية لمساعدتي، لكنني لا أجني يومياً سوى خمسة شواقل- دولار ونصف".

أثناء حديثنا مع صبحي، جاء الطفلان بإحدى المعلبات، غير أنه في النهاية تبيّن أنها منتهية الصلاحية، ما يدل على أن الكثير مما يعثرون عليه ويأكلونه قد يكون غير صالحٍ للأكل.

وحسب مشاهدات مراسل "المونيتور"، يقوم الرجال والأطفال والنساء بالنبش في القمامة دون أي وقاية، فيغمسون أيديهم بالقمامة غير مكترثين بالأمراض. وعندما سألنا صبحي الذي يمتهن النبش منذ نحو عشرة سنوات عن الأمراض التي قد تكون أصابته، أجاب،"لم يصبني أي مرض".

ليس بالأمر الصعب الوصول إلى الكثير ممن يعملون في نبش القمامة، فبالإمكان مراقبة بعض الحاويات فحسب لتجد الكثير منهم يأتون ليقلّبوا كل ما في داخلها وخارجها. حسني عبدالله-اسم مستعار- أحد العاملين في تلك المهنة، والذي التقيناه في منطقة أخرى من مدينة غزة، يجمع على عربته البلاستيك وكل ما يصلح للبيع، أو أي أكل يصلح للدواب يعثر عليه في الحاويات. غير أن عمله يتخلله الكثير من المخاطر الصحية، إذ أنه ينبش كل ما يقع في طريقه دون أية محاذير.

قال حسني لـ"المونيتور" إن هذا العمل غير مربح، إذ لا يتعدّى دخله الشهري منه الـ 500 شيقل (حوالي 144 دولار). وأكد أنه شاهد الكثير من الأشخاص الذين يعملون معه يبحثون عن الطعام، متابعاً، "البعض يبحث عن أكل، ولا مشكلة لديه إن أخذه من الحاوية وأعطاه لزوجته كي تجهزه ويأكلونه، فهذا أمر طبيعي".

يدفع الفقر آلاف الأسر للعمل في مهن كثيرة غير آمنة و لا تدر المداخيل ، من بينها النبش في القمامة. وفي هذا السياق، تؤكد بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن نسبة الفقراء في قطاع غزة وصلت إلى 38.8% من عدد السكان البالغ أكثر من مليون وثمانمئة وخمسين ألف نسمة، أي أن عددهم وصل إلى أكثر من 700 ألف.

في حديثٍ إلى "المونيتور"، قال مدير عام الحماية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية رياض البيطار إن وزارته تقدّم أكثر من برنامج لمساعدة الفقراء، موضحا: " يقدمالبرنامج الرئيسي المساعدات النقدية والثاني المساعدات التموينية، والثالث التأمين الصحي المجاني، وهناك برامج تنموية أخرى تتمثل في برنامج المشاريع الصغيرة وغيرها".

وأشار البيطار إلى أن البرامج التي يقدّمونها هي إغاثية، غير أن تلك المساعدات لا تغطّي سوى 50% من احتياجات الأسر الفقيرة في قطاع غزة، مضيفاً "حاليا نغطّي 65 ألف أسرة في غزة، أقل من 400 ألف مواطن، أي أقل من نصف عدد السكان الذين يقعون تحت خط الفقر، والتمويل المرصود لهذه المشاريع والمساعدات هو الذي يحدد عدد الأسر التي نقوم بمساعدتها".

وعن هذا الموضوع قال الباحث في مجال الفقر محمد نصار إن المساعدات والخدمات الإغاثية والتعليمية والصحية التي تحصل عليها الأسر الفقيرة من وزارة الشؤون الاجتماعية أو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الاونروا في قطاع غزة لا تسد سوى نصف فجوة الفقر لهذه الأسر. ويمكن الحصول على هذه النتيجة من خلال حساب المبالغ النقدية لهذه المساعدات والخدمات ومقارنتها بالأرقام التي يعرضها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حول مستويات المعيشة وفق أنماط الاستهلاك.

وأوضح نصّار أن ذلك الأمر يدفع الأسر الفقيرة للبحث عن مصدر رزق إضافي تستطيع من خلاله توفير الحد الأدنى من الدخل، مضيفاً، "إحدى هذه الوسائل هي جمع رب الأسرة أو أحد أفرادها، خصوصاً الأطفال، للبلاستيك والأدوات المعدنية من النفايات ".

وطالب وزارة الشؤون الاجتماعية والمؤسسات الفاعلة في مجال الخدمات الاجتماعية العمل على توفير مشاريع صغيرة تستطيع من خلالها هذه الأسر الاعتماد على نفسها في المستقبل.

لم يكن أمام تلك الأسر أي سبيل سوى النبش في القمامة للبحث عن قوت أبنائهم، فالفجوة الطبقية تتسع في قطاع غزة، فالفقير يزداد فقراً والغني يزداد غنى، الأمر الذي دفع هذه الأسر إلى تمسّك بأي فرصة حتى لو كانت آتية من القمامة. هذا ما أجمع عليه جميع من التقاهم "المونيتور"، واختصره خليل كالآتي :"لم يرميك على المُر سوى الأمرّ منه".

نقلا عن موقع المونيتر