النكبة.. لم تنتهِ حتى تصبح ذكرى و«خيمة العودة» خنجر في صدر العدو
الإثنين، 28 أيار، 2012
لينة عطوات/ خاص «لاجئ نت»
أربعة وستون عاماً مضت بعيداً عنك يا فلسطين، بعض كبارك الذين كانوا قادةً للثائرين دفاعاً عن أرض الوطن ماتوا.. نعم، هذا صحيح، لكن من يصغرهم سناً وكل الأجيال اللاحقة لم تنسَ حكاية النكبة وحقيقة اللجوء.. فكبارنا علمونا، قبل تَلقِّينا مناهج الدراسة، حب الأرض التي انتزعنا منها، ومن أمهاتنا رضعنا معنى الوفاء لقرانا ومدننا التي هُجّرنا عنها قسراً.
قد تكون الحدود بين الشعب الفلسطيني وبين روابي بلاده والتلال والبيارات والخيرات والمواشي، منعتهم من العودة إلى هناك، حيث تركوا جزءاً من فؤادهم دفيناً بين التراب، لينبت شجرة من الشوق للعودة وإنهاء مأساة اللجوء. لكن هذه الحدود، لم تمنع ولا لسنة من السنوات، ولا ليوم من الأيام، أجيال ما بعد النكبة من إحياء ذكراهم الأليمة.
وإحياء هذه الذكرى بتجديد الصبر والتصميم والإصرار والثبات على مبدأ حق العودة ورفض أي شكل من أشكال التطبيع مع العدو الصهويني، كان عنواناً عريضاً لـ «خيمة العودة» التي أقامتها الحملة الوطنية للحفاظ على الهوية الفلسطينية «انتمـاء».
ستةُ أيامٍ متواصلة، كانت حافلة بشجن الوطن، وإحياء تراثه، والجمع بين أفرقائه، فـ«خيمة العودة» وحّدت جميع الأطياف الوطنية والسياسية على الصعيدين اللبناني والفلسطيني على القضية المركزية فلسطين، بجلوسهم جميعاً في حلقة متراصة يتفقون على مسألة أساسية، وهي أن هذه القضية تبقى هي القضية الأولى والقضية الأم والأهم لكل الشعوب وجميع الاتجاهات.
أما ترنيمات كشافة العودة، فكانت تقطر شجناً في اليوم الثاني من أيام الخيمة، وموسيقاها كانت ترن في مسمع كل حاضر في ساحة الشهداء، ولسان حالهم يردد نشيد الوطن: بلادي بلادي بلادي، لك حبي وفؤادي...
«مايسترو الخيمة» ومدير جلساتها عضو رابطة علماء فلسطين في لبنان الشيخ علي اليوسف، كان يحلق بين رجالات الوطن، الذين عايشوا النكبة، وكانوا شهوداً حتى اليوم، أتوا ليرووا ما نُقِش في ذاكرتهم من صور لقراهم الأصلية في فلسطين. ثالث أيام «خيمة العودة» كان شاهداً على النكبة، ففيه تجمع أطفال النكبة الذين صاروا اليوم شيوخ اللجوء، حيث استرسل كلٌ منهم بسرد ما خزنته طفولتهم من أيام وأحداث على أرض الوطن، أحدهم من حيفا، وآخر من يافا، من نمرين، من الصفصاف، من صفد، من لوبية، من حطين، من صفورية...... منهم من تحدث عن خيرات قريته، ومنهم من تحدث عن التراث والمعالم الأثرية والتاريخية، ومنهم من سرد بطولات أهل القرية ومعاركهم مع العدو الصهيوني وأيام الإنكليز، وآخرين تحدثوا عن ألعاب الطفولة.. تنوّعت قصصهم حيناً، وتشابهت أحياناً، لكن الأبرز، هو وحدة كلمتهم بحق العودة مهما طال الزمن، وباستعدادهم لترك كل ما لديهم في بلاد اللجوء والعودة إلى ديارهم والموت والدفن في ثرى الوطن.
قصص هؤلاء لم تكن خرافية أو خيالية، لا بل إن هناك حقائق عن النكبة لم تُروى بعد، لكن الصور التي كانت حاضرة في اليوم الرابع من فعالية «خيمة العودة» أكملت جزءاً كبيراً من المشهد لتكتمل صورة النكبة، وحكاية الصمود والتحدي والمعاناة التي يواجهها هذا الشعب حتى الآن، إن في الداخل الفلسطيني، وإن في بلاد الشتات. معالم الوطن الأثرية والدينية أٌفردت لها زاوية في المعرض، وزاوية أخرى كانت سجلت أبرز صور الصمود والتحدي، وأخرى نقلت صور المعاناة خلال النكبة، وما بعد النكبة.
نكبة الشعب الفلسطيني، لا يمكن اختصارها في أيام النكبة التي بدأت قبل أربعة وستين عاماً، فهي بدأت لكنها لم تنتهِ، ولا تقتصر على تهجير الفلسطينيين من ديارهم، بل إن امتداداتها تتفرع بما لا تحيطه خيمة في أيام. شهود النكبة رووا، والصور صدقت الرواية، لكن جانباً آخر من المعاناة، يتجدد كل يوم على الساحة الفلسطينية، التي تشهد اعتقالات واسعة في صفوف الشعب المنكوب في الداخل. أسرى بالآلاف يواجهون أصناف العذاب والتنكيل والأحكام الجائرة، ومن أجل ذلك هم أعلنوا معركة «الأمعاء الخاوية» التي انتصروا فيها أخيراً، ونحن امتلكنا أن نقدم لهم الدعم والنصرة في خيمة العودة بيومها الخامس. ومن جديد، كانت حلقة جديدة من سلسلة حلقات النكبة واللجوء والعودة تتجمهر حولها الجهات السياسية والوطنية لتتضامن مجتمعة مع الاسرى في سجون الاحتلال، مؤكدة أن معركة «الأمعاء الخاوية» وإن انتصرت، لا تعني التنازل عن حق هؤلاء المعتقلين في نيل الحرية الكاملة.
التضامن مع القضية الفلسطينية والأسرى بالموقف والكلمة واللحن، كان ديدن «خيمة العودة» حتى في يومها السادس والأخير الذي ركزت فيه على النشيد من أجل فلسطين. وقد أحيت الامسية فرقة أمجاد الفنية بمجموعة من الأناشيد الوطنية والجهادية، كما شاركت فرقة المصطفى المختار الإنشادية في الفعالية، التي اختتمت بكلمة لمنسق حملة «انتمـاء» ياسر قدورة.
اللافت في هذه الفعالية، هو اعتياد الحضور على المرور يومياً إلى الخيمة، فالأجواء الوطنية في كل يوم من أيام «خيمة العودة»، كانت تطفو نحو الواجهة فتنثر رحيق الوطن بين الحضور لينبض شوقاً أكبر وإصراراً أعظم للعودة إلى الوطن. هذا الحضور الذي لم يملّ ثلاث ساعات يومياً ليؤكد رفضه لأشكال الاضطهاد والإذلال التي يتعرض لها الفلسطيني في الداخل والشتات. فمن «خيمة العودة» نطق الحاج سمير بكلمات تنقش بماء الذهب، فقال بإخلاص وحرارة: «لو أعطوني كنوز الدنيا ومال سليمان، عن أرضي ما بتخلى وإلها راح أرجع أنا وأولادي وأولاد أولاد أولاد أولادي». هذا حال من وعوا صوراً مباشرة للوطن، لكن الأجيال بعدهم لم تكن أقل شوقاً منهم، فالشابة ميادة قالت: «أشتاق جداً لبلادي، و«خيمة العودة» أشعلت الحنين في داخلي، نحن لم نرَ فلسطين، لكنا عشقناها، وشكراً للقائمين على هذه الفعالية الذين لامسوا الجرح داخلنا».
«خيمة العودة» لم تكن أول فعالية للحملة الوطنية للحفاظ على الهوية الفلسطينية «انتماء»، ولن تكون الأخيرة، لكنها خطوة صغيرة في طريق الألف ميل نحو العودة المحققة، وما هي إلا خنجر في صدر العدو يثبت أن الصغار لم ينسوا، وصغارهم أيضاً لن ينسوا، ففلسطين جرح ينبض في قلب كل عربي ومسلم، فكيف بحال أهل الوطن المسلوب؟!