الواقع التربوي لمدارس الأونروا في لبنان.. موازنة عاجزة ومناهج مضروبة
محمود عاشور/ بيروت
في مثل صارخ ينبئ عن مستوى تحديث المناهج والمواد المساعدة في مدارس الأونروا، اكتشف كاتب فلسطيني في العام الماضي «خريطة العالم الحديث القديمة ما زالت معلقة في مكتبات بعض مدارس الأونروا، وما زال فيها الاتحاد السوفياتي لاعباً أساسياً في الخريطة».. وكان هذا الاكتشاف سبباً في أزمة نشبت بين المدرسة والتلاميذ الذين اشتكوا من الإهمال في المواد المساعدة، حتى وصل إلى الخرائط.
مدارس الأونروا
ضمّت مدارس الأونروا وفقاً لتقارير صادرة عن الوكالة وعن منظمات طلابية فلسطينية لعام 2003 نحو 39 ألف طالب، أي حوالى 10% من عدد اللاجئين الفلسطينيين. وتعدّ هذه النسبة متدنية إذا ما قيست إلى المجتمع اللبناني الذي تبلغ نسبة طلابه إلى عدد السكان فيه نحو 23%. وكان واضحاً أن هذا الخلل لم يجر العمل على حلّه، بل تفاقم ليصبح عدد الطلاب الفلسطينيين في عام 2009 نحو 34 ألف طالب.
وينعكس هذا الإهمال، أو العجز في الأونروا، على عدد الطلاب داخل القاعات التي تضم الواحدة منها ما بين 50 و55 طالباً في كثير من المدارس. وتعمل أكثر المدارس بنظام الفترتين الصباحية والمسائية، ما يحرمهم الأنشطة اللامنهجية. وتشكو المدارس من انعدام وجود الأجهزة والأدوات التعليمية الأساسية والمساعِدة كالكمبيوتر والمجسمات العلمية والطبية.. ويعود سبب ذلك إلى تراجع الموازنة التي تعتمدها الأونروا لدعم مدارسها، إذ تبلغ هذه الموازنة وفقاً لعام 2006، ثمانية ملايين دولار تُدفع للعملية التربوية بما فيها نفقات التعليم ورواتب الموظفين والمعلمين والمديرين الذين يبلغ عددهم في قطاع التعليم 1490 موظفاً.
ونتيجةً لضعف الموازنات، عمدت الأونروا إلى إحلال أصحاب الكفاءة العلمية المنخفضة مكان حملة الشهادة الجامعية، ولجأت إلى التوظيف اليومي وإلى الفئة «Z» في أحسن الأحوال. ونتيجة العجز المالي الذي يبلغ سنوياً 70 مليون دولار، فرضت الأونروا على الطلاب الفلسطينيين في لبنان رسوماً عند التسجيل تختلف حسب اختلاف المراحل التعليمية، وباتت إدارة المدارس تقتطع من حصيلة الإيرادات السنوية مبلغاً معيّناً تنفقه على تحسين الخدمات فيها، وترسل البقية إلى الإدارة المركزية.
ضرب المناهج
تستكمل الأونروا حلقة ضرب التعليم في مدارسها، حيث ألغت المادتين الأساسيتين في التعليم بالنسبة إلى المجتمع الفلسطيني، وهما تاريخ وجغرافية فلسطين من مناهجها. وهذا القرار يتعارض كلياً مع شرعة حقوق الإنسان التي نصّت على حق كل إنسان أُجبر قسراً على مغادرة وطنه وأرضه أن يكون على صلة بوطنه، وأن يتعلم كل ما يتعلق بهويته وبثقافته الوطنية، وهو أيضاً يتعارض مع المبادئ الأساسية التي أنشئت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين على أساسها، وهي الحفاظ على هويته وثقافته الوطنية والعيش بكرامة حتى يعود إلى أرض وطنه.
في ضوء ما تقدم، أصبح لدى الغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان اقتناع ويقين بأن الأونروا وإدارتها في لبنان ممثلة بمديرها العام وبعض المتنفذين والمستفيدين، ينفذون سياسة مبرمجة ومقصودة. فعلى الصعيد السياسي، أصبحت الأونروا أداة في حلقة اللعبة الدولية لإمرار السياسات والمخططات على الشعب الفلسطيني ومحاولة تجريده من هويته الوطنية والمساهمة بشكل أو بآخر في تبديد حلمه بالعودة إلى وطنه وأرضه، ودفعه إلى الهجرة.
لماذا؟
بات واضحاً أن المقصود ليس تقليص الخدمات للاجئين الفلسطينيين تحت ادّعاء أن الدول لا تفي بالتزاماتها السنوية تجاه الأونروا فقط، بل الوصول إلى إلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وتخليها عن مهمتها التي أنشئت من أجلها (أي خدمة اللاجئين لحين عودتهم إلى أرضهم التي شُردوا أو طُردوا منها)، والضغط على هؤلاء اللاجئين معيشياً واقتصادياً حتى يقبلوا بالمشاريع التصفوية المشبوهة.
إن أحد أبرز أسباب تدني مستوى التعليم في مدارس الأونروا، والزيادة المضطردة في أعداد المتسربين في المدارس، وبالتالي انخراطهم المبكر في القوى العاملة (ابتداءً من 8 سنوات)، يعود إلى العوامل الآتية:
1- الأعداد المحدودة للمدارس وانحصار غالبيتها ضمن حدود المخيمات، رغم أن الأونروا بدأت حديثاً تتكلم عن بناء مدارس خارج المخيمات.
2- الاكتظاظ داخل الصفوف، حيث يبلغ عدد الطلاب في كثير من صفوف المدارس أكثر من خمسين طالباً.
3- نظام الدوامين الذي يغلب على أكثر مدارس الأونروا، ويقلل عامل الوقت لإعطاء الدروس، والحرمان من الأنشطة المرافقة للمناهج.
4- 45% من المدارس مستأجرة، وتفتقر إلى الملاعب والتهوئة والإضاءة المناسبة.
5- معاناة الكثير من المدارس نقصاً في كادرها التعليمي.
وهناك أسباب أخرى لتردّي الواقع التعليمي في الوسط الفلسطيني نذكر بعضاً منها:
1- الوضع السياسي المحيط بالقضية الفلسطينية.
2- الظروف السياسية والاقتصادية والحقوقية والأمنية في لبنان.
3- غياب السياسة التعليمية لدى القوى الفلسطينية، وأثر ممارساتها السلبية على العملية التعليمية.
4- عدم ديموقراطية إدارة الأونروا للشؤون التعليمية وسوء إدارتها.
5- الخلل في عمل إدارة المدرسة وهيئاتها التعليمية.
6- إهمال الأهل في رعاية شؤون أطفالهم.
7- نقص في موارد الأونروا المالية.
المصدر: مجلة العودة