بذكرى الانطلاقة: شهداء القسام في
جنين.. محطات لا تنسى في تاريخ المقاومة
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام
لو قدر للحجر والشجر في جبال جنين
ووديانها أن تنطلق بما جرى عليها من قبل رجالات القسام لسجلت بماء الذهب سيرة قادة
خطوا الطريق وآخرين أكملوها في لحظات كانت تشهد إطلاق النواة الأولى لكتائب القسام
في الضفة الغربية.
ففي (13-8-1992) انفجرت عبوة ناسفة
بالشهيد عبد القادر كميل من بلدة قباطية في جبال اليامون غرب جنين، ليتبين لاحقًا
أنه كان يعد عبوة ناسفة في إطار المحاولات الأولى لكتائب القسام لتشكيل خلاياها في
الضفة إيذانًا بتراكم التجارب وصولاً للعملية الاستشهادية النوعية في العفولة،
ردًّا على مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل.
رحلة البدايات
وبالعودة لتاريخ تلك الحقبة، فقد كان
عبد القادر، والذي يوصف بأنه مؤسس القسام في شمال الضفة، قد أسس عديد خلايا عملت
على زرع العبوات الناسفة على طرقات المستوطنين وقوات الاحتلال وحملت لأول مرة اسم
"كتائب القسام".
وباستشهاد عبد القادر، برز اسم كتائب
القسام في المنطقة، فأصيبت مخابرات الاحتلال بصدمة عن هذا الجسم الذي لم يكن لديها
أية معلومات أمنية مسبقة عنه وبدأت رحلة الملاحقة لعديد مجاهدين.
سلسلة طويلة من الشهداء والمطاردين
قدمتهم جنين التي احتضنت جبالها الشهيد يحيى عياش في تلك الفترة إلى أن كان الحدث
الأبرز لهذا التراكم من البناء وهو تنفيذ سلسلة ردود على مجزرة الحرم الإبراهيمي
في الخليل في (25-2-1994).
التحول النوعي
أعلنت كتائب القسام أن ردها سيكون
غير عادي على المجزرة ؛ وفي (9-4-1994) كان الحدث الأبرز الذي غير أشكال المقاومة
في فلسطين وهو عملية العفولة الاستشهادية التي نفذها الاستشهادي رائد زكارنة من
بلدة قباطية بجنين وقتل فيها تسعة مستوطنين وجرح أربعون، في مشهد لم يعتد عليه
الفلسطينيون من قبل.
لم تكن عملية العفولة العملية
الاستشهادية الأولى، بل سبقها بأشهر محاولات لكتائب القسام، مثل عملية تفجير شاحنة
مفخخة في مستوطنة ميحولا بالأغوار، وأخرى قرب بيت أيل وثالثة في رامات غان، أدى
اكتشافها لكشف هوية الشهيد يحيى عياش ولكن عملية العفولة كانت نموذجًا للنجاح
الأهم والإيذان ببدء شكل جديد من الصراع.
ويعد أسبوع واحد على عملية العفولة
كانت عملية الخضيرة التي نفذها الاستشهادي عمار عمارنة من بلدة يعبد بجنين وقتل
فيها سبعة مستوطنين وجرح خمسين وكان واضحًا تخبط مخابرات الاحتلال في السيطرة على
الموقف.
وسجلت على صفحات الصحف العبرية
عناوين مثل "إنها الحرب".. "انفلات زمام الأمور من يد حرس الحدود
والشرطة".. "انهيار الخطط الأمنية لقوات الجيش".."الناطق باسم
الحكومة: علينا أن نقرر من يحكم المناطق، الحكومة الصهيونية أم حركة حماس؟".
تواصل المشوار
بعد عمليتي العفولة والخضيرة انطلق
زمام العمليات الاستشهادية في الضفة والقطاع ليستهدف الاحتلال بعشرات الاستشهاديين
الذين قتلوا المئات وأصابوا الآلاف وحطموا نظريات الأمن الصهيوني، وقدمت جنين في
تلك الفترة العديد من خلايا القسام والشهداء، تميزوا سيما في العامين اللذين سبقا
اندلاع انتفاضة الأقصى، بتنفيذ عمليات تفجير عن بعد في الكيان الصهيوني أسفرت عن
جرح العشرات دون تبني رسمي من الكتائب للظروف الأمنية الاستثنائية في تلك الفترة
إلى أن كانت انتفاضة الأقصى عام 2000 إيذانًا بدخول مرحلة جديدة من الصراع.
وقاد حراك القسام في تلك الفترة،
الشهيد نصر جرار الذي واكب تأسيس القسام مع الشهيد عبد القادر كميل، وشرع جرار
بإعادة تشكيل خلايا القسام في المنطقة بالتنسيق مع القائد الكبير في كتائب القسام
الشهيد إبراهيم بني عودة من بلدة طمون قضاء طوباس والذي كان من أوائل من اغتالتهم
مخابرات الاحتلال في بداية انتفاضة الأقصى خلال اعتقاله لدى أمن السلطة بنابلس
لدوره في عمليات استشهادية نفذت في القدس وقتل فيها العشرات.
ولم يمض شهران على اندلاع انتفاضة
الأقصى حتى كان جرار قد أعاد تشكيل خلايا القسام في المنطقة والتي تفككت بفعل
الضربات الموجعة لسنوات التنسيق الأمني التي سبقت انتفاضة الأقصى وكانت العملية
الأولى تفجير سيارة مفخخة بدون استشهادي في مدينة الخضيرة قتل فيها مستوطنان وجرح
العشرات.
وبعد شهور قليلة كانت عملية مطعم
سبارو الشهيرة والتي قتل فيها 18 صهيونيًّا في القدس وجرح المئات ونفذها
الاستشهادي عز الدين المصري من بلدة عقابا بجنين.
فاتورة باهظة
عشرات الشهداء قدمتهم كتائب القسام
في جنين مع بدايات انتفاضة الأقصى سواء خلال عمليات اغتيال مثل القادة جمال ضيف
الله ومحمود حلاجية أومن خلال عشرات العمليات النوعية التي شارك بها أبناؤها، فكان
الاستشهاديان أحمد عتيق من بلدة برقين وصالح كميل من بلدة قباطية واللذان نفذا
عملية اقتحام معسكر تياسير في الأغوار وقتل عدد من الجنود؛ وعملية حيفا خلال
الاستشهادية والتي نفذها الاستشهادي شادي الطوباسي من مخيم جنين وقتل فيها 17
مستوطنًا وكانت ردًّا على الاجتياح الأول لمخيم جنين في (31-3-2002) وسببًا في
الاجتياح الثاني الذي شهد معركة مخيم جنين في (3-4-2002).
السور الواقي والمخيم
وتوالت قوافل شهداء القسام بجنين
بإعلان شارون بدء ما أسماه عملية السور الواقي، وكانت فاتورة شهداء القسام في جنين
باهظة؛ حيث استشهد ستة من كوادر القسام باشتباك مسلح بطوباس مع بدء عملية السور
الواقي في (5-4-2002)، أبرزهم القائد المهندس قيس عدوان من مدينة جنين المسئول عن
سلسلة عمليات استشهادية.
وسطر كوادر القسام في تلك الأيام
وبشكل متواز ملاحم بطولية مع باقي عناصر المقاومة في معركة مخيم جنين وقدمت
الكتائب أكثر من 15 من كوادرها في معركة المخيم كان أبرزهم قائد القسام في المخيم
محمود الحلوة، ولكن الإسهام الأبرز كان في الكمين النوعي الذي قتل فيه 13 جنديًّا
صهيونيًّا وجرح 15 في أزقة المخيم، والذي نفذه الشهيدان من كتائب القسام محمد
وأمجد الفايد ومعهم الشهيد نضال النوباني من شهداء الأقصى في حارة الحواشين.
من تحت الأنقاض
وبعد عملية السور الواقي والتي ظن
الاحتلال أنه قضى على بنية المقاومة بالضفة وضع الشهيد نصر جرار بصماته على عملية
نوعية بمدينة صفد بأراضي 48 في (4-8-2002) قتل فيها 12 صهيونيا وجرح العشرات نفذها
الاستشهادي جهاد حمادة من بلدة برقين غرب جنين ورفعت معنويات المقاومة.
وكانت عملية صفد خاتمة عمليات القائد
القسامي نصر جرار والذي يطلق عليه لقب "جعفر الطيار" لأن أطرافه بترت في
ثلاثة حوادث اغتيال آخرها في معركة مخيم جنين قبل أن يتم اغتياله في مدينة طوباس
في (24-8-2002) ليوارى الثرى في مسقط رأسه واد برقين في جنين.
ولم تسقط الراية
وتواصل
سقوط شهداء القسام فكان الشهيد القسامي مصعب إبراهيم جبر والشهيد زايد موسى من
قرية مركة جنوب جنين والذي قتل ضابطًا صهيونيًّا خلال اقتحام الاحتلال لمنزل ذويه،
والشهداء شادي الملاح وعنان ضراغمة ومالك ياسين الذين استشهدوا في قرية دير أبو
ضعيف ليبقى كل جيل يسلم الراية لمن يليه يسطرون صفحت في تاريخ المجد القسامي
ويحفظون إرث القسام العظيم.