بعد 64 عاماً من النكبة: مياه صالحة لاستخدام اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وممرات للتلاميذ!!
الأربعاء، 07 آذار، 2012
لا أحد يصدق أن معظم المخيمات الفلسطينية في لبنان ليس فيها مياه للشرب. ولا أحد يصدق أن معظم هذه المخيمات تستخدم مياهاً مالحة للاستعمال اليومي من غسيل وتنظيف إلخ. لا أحد يصدق أن معظم منازل اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية في منطقة بيروت آيلة إلى السقوط، بسبب استخدام المياه المالحة في عملية البناء، الأمر الذي يؤدي إلى صدأ الحديد المستخدم في الأسقف والأعمدة والأساسات، فتنهار حين يأكل الصدأ الحديد، ويضطر اللاجئون إلى إعادة بناء ذلك من جديد. أو إن شئت فقل إن اللاجئين الفلسطينيين بدأوا باستخدام تقنية جديدة بعد تعدد حوادث سقوط الأسقف والأعمدة، وهذه التقنية عبارة عن تدعيم الأسقف بركائز حديدية من أسفلها، بالطول والعرض، وهي أقل تكلفة بكثير من الهدم وإعادة الإعمار. ولجأ إليها الفلسطينيون بعد استشهاد مهندسين، لأنه كيف يمكن عائلة تسكن في الطابق الأرضي وقد تهدد سقف منزلها بالانهيار، أن تعيد هدمه وإعماره مجدداً، وهو في الوقت نفسه أرضية للطبقة الأولى التي تسكن فيها عائلة أخرى؟!
هذه أمور لا تصدق أحياناً، لكنها مأساة مئات العائلات.
لا أحد يصدق أيضاً أن التلاميذ الفلسطينيين يقطعون عدة كيلومترات مشياً على الأقدام للوصول إلى مدارسهم.
ولا أحد يصدق أن التلاميذ في مخيم نهر البارد يقطعون نحو كيلومترين مشياً على الأقدام في طريق موحل، تحت المطر، وفي العواصف وهم يحملون حقيبة فيها أكثر من عشرين كيلوغراماً من الكتب.
لا أحد يصدق أن طلاب مخيم البرج الشمالي في مدينة صور والمناطق المحيطة به، يعبرون إلى مدارسهم عبر طرق ترابية موحلة، بسبب الطوق الذي يضربه الجيش اللبناني حول المخيم. ولمن نسي نقول إن هذا الطوق يمنع إدخال مواد البناء والأثاث إلى المخيم إلا بإذن من قيادة الجيش.
المفاجأة
لمن لا يصدق هذه الأشياء التي ذكرناها إليه الدليل.
الدليل الأول، حول المياه، إليكم هذا الاتفاق الذي حصل بين الأونروا والدولة السويسرية لتزويد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بالمياه وإليكم ما حصل:
يقولون إن «المياه هي الحياة»، لكن، حين تكون المياه غير صالحة للشرب، فكيف تكون الحياة؟ تكون مريرة وكلسية تماماً، كالمياه التي تضخ في المخيمات الفلسطينية في لبنان. إلا أن اليوم يبدو أن تلك الحياة قد بدأت تحاكي اللاجئين الفلسطينيين، من خلال المبادرة التي قامت بها «الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون»، التي ستضع حدّاً لمشكلة المياه غير الصالحة للاستعمال والشرب في المخيمات، من خلال تمويلها لمشروع جديد هدفه معالجة شبكات التزوّد بالمياه وتحسينها، في المخيمات الفلسطينية السبعة في لبنان، أي: شاتيلا، وبرج البراجنة، ومار الياس، وضبية، والبداوي، والمية ومية، والجليل.
وتبلغ قيمة المشروع مليونين ومئتين وستين ألف دولار أميركي، وستنفذه وكالة «الأونروا» على مدى سنتين من الزمن. ويهدف المشروع إلى توفير بيئة صحية للاجئين الفلسطينيين، والحدّ من الأمراض والوقاية منها، من خلال توفير مياه صالحة للشرب. والأهم من ذلك، ستمد «الوكالة السويسرية» الأونروا بثلاثة خبراء فنيين سويسريين للمشروع. والمياه والكهرباء مشكلتان أساسيتان في موضوع البنى التحتية للمخيمات، وتسبب المياه مشاكل صحية عديدة، ما يدفع أهالي المخيمات إلى شراء مياه للشرب بديلاً منها، تجنباً للتلوث.
وقد أقامت السفيرة السويسرية في لبنان روث فلنت، احتفالاً للمناسبة، في دارتها في منطقة الأشرفية، حضره السفير الفلسطيني السابق في لبنان عبد الله عبد الله ورئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني السفير عبد المجيد قصير والمدير العام للأونروا في لبنان سلفاتوري لومباردو، وممثلون عن المجتمع الفلسطيني. وشرحت فلنت أنّ «توفير جودة المياه وتحسينها، وهي من الاحتياجات الأساسية، سيؤثران إيجاباً في حياة اللاجئين في هذه المخيمات وسيحملان لهم أملاً في مستقبل أفضل».
بدوره، لفت لومبادرو إلى أنه «إضافة إلى مشروع تحسين المياه الجديد، تساهم الوكالة السويرسية للتنمية والتعاون في موازنة الأونروا العامة وتدعم خطة التطوير التنظيمي». وشرح أن «هذه المشاريع تشمل إعادة تأهيل المساكن على أساس المساعدة الذاتية، والتدريب المهني، ونظام إدارة المدارس، والصحة البيئية، وإدارة النفايات الصلبة. وتدعم الوكالة السويسرية الأونروا في توفير مساحات آمنة وصالحة للأطفال من طريق إعادة بناء مبانٍ مدرسية تابعة للأونروا». وتموّل الوكالة السويسرية ثلاثة مراكز لخدمات التوظيف في لبنان، تهدف إلى دعم آفاق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
من جهته، رحّب عبد الله بالمشروع «الحيوي الذي يحسّن حياة الكثير من الفلسطينيين في لبنان». وسلّط الضوء على موضوع «شرائط الكهرباء المرتفعة في أزقة المخيم وتمثّل خطراً كبيراً على سكانه». أما السفير قصير، فأكد أنه «لا نستطيع بمواردنا المحدودة حلّ جميع هذه المشاكل، إلا أنه سنتمكن تدريجاً من الحدّ من الفقر داخل المخيمات».
المفاجأة الثانية
بعدما احتفى الفلسطينيون بحصولهم على مشروع تزويدهم بالمياه الصالحة، هذه هي المفاجأه الثانية، كما ذكرتها وسائل الإعلام.
ففي إطار العمل على تخفيف معاناة الفلسطينيين لناحية الدخول إلى مخيماتهم واخروج منها، وبعد موافقة الجيش اللبناني على طلبات أهالي مخيم البرج الشمالي شرقي صور، أُنجزت ممرات (أدراج) للمشاة لتأمين خروج التلامذةودخولهم ، الذين كانوا يعانون صعوبات التنقل نتيجة السواتر الترابية والمكعبات الإسمنتية التي تفصل المخيم عن أحياء بلدة البرج الشمالي والمدارس المحيطة بالمخيم.
وأشادت «المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان - شاهد»، بـالموقف الإيجابي لقيادة الجيش اللبناني في منطقة صور بشخص مدير مخابرات الجيش في صور العقيد مدحت حميد، الذي تفهم المطلب الإنساني لأهالي مخيم البرج الشمالي، وذلك بالسماح بإنشاء مجموعة من الأدراج في نقاط متعددة فوق السواتر الترابية والإسمنتية التي تحيط بالمخيم، والتي كانت تعرقل انتقال الطلاب الصغار والأطفال المتوجهين إلى المدارس المجاورة».
وذكرت "شاهد” بأنها بالتنسيق مع بعض مؤسسات المجتمع الأهلي في المخيم تمكنت من إنجاز ذلك العمل الإنساني الذي يهدف إلى خدمة أهلنا في المخيم والتخفيف من معاناتهم اليومية.
حقوق أساسية
هذان النموذجان دليل واضح على حجم المعاناة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، وعلى فقدانهم لأبسط الحقوق الأساسية.
وحتى لا نفاجئ القارئ بالسعادة والسرور بهذه الأخبار المفرحة عن المياه والممرات. نزيد الغم غماً.
فالقصة لم تنته هنا، وهذه الفرحة تحمل مأساة أو مصيبة قادمة. فالمشروع الذي تبرعت به الدولة السويسرية يتضمن توفير التجهيزات التي تقوم بمعالجة المياه لتزويد اللاجئين بها. لكن مدة هذا المشروع عامان فقط، وبعد العامين على اللاجئين تدبر أمرهم.
واليوم هناك نقاش كبير في جدوى المشروع وطريقة إدارته داخل المجتمع الفلسطيني في لبنان.
فالكل يسلم بأهمية المشروع وأولويته وحيويته، لكن من يدير المشروع وكيف؟!
المشروع سيركَّب على خزان الأونروا، لكن هذا الخزان لا يكفي أهل المخيم.
السويسريون يقترحون تزويد كل فرد فلسطيني بخمسين ليتراً من المياه يومياً.
أي إن عائلة من ستة أفراد ستحصل على ثلاثمئة ليتر، وهذه الكمية قد تكون صالحة لمواطن سويسري، أما اللاجئ الفلسطيني فلا تكفيه هذه الكمية؛ لأن كل النظام المائي من نقل وتخزين وتصريف واستخدام مختلف، ولأنه لا يوجد سياسة استخدام أو ترشيد للمياه.
ولأن طبيعة الحياة في المخيمات تتطلب صرف مياه بكثرة على الغسيل وتنظيف الطرقات.
ثم أنه بعد سنتين ستنتهي الموازنة المقررة للمشروع، وهذا يدخل في صلب النقاش من سيدير المشروع، ومن سيتحمل نفقات إصلاح وصيانة التجهيزات، وهي نفقات مرتفعة، ومن أين سيكون التمويل، وهناك من يقترح الجباية من اللاجئين، وهذا أمر غير متفق عليه، وله تداعيات سلبية لأنه لا ثقة بالجهات المسؤولة عن مثل هذه الأمور.
المهم أن نشير إلى أن ملف المياه وممرات التلاميذ نموذجان عن الحالة المأساوية للاجئين، وهي كما وصفها معتقل قديم في السجون الصهيونية أن زنازين المعتقلات الإسرائيلية أفضل من أوضاع اللاجئين.
المصدر: رأفت مرة – مجلة العودة (العدد الـ54)